هل انتهى الفكر العربي الغاضب؟

19 ابريل 2014
+ الخط -
يسأل مثقف عربي من عصرنا عمّا إذا كان الخوف الذي يعيشه مجتمعنا العربي سيولّد حيوية، من نوعٍ ما، لهذا المجتمع؟ يجيب: "الخوف والرعب لا يولّدان سوى الهزيمة النفسية". فإذا كان "الخوف" ما ساد الحياة العربية في النصف الثاني من القرن العشرين، وتسبب في "هزيمة نفسية"، أخذت بالتصاعد مع تصاعد "سلطوية السلطة العربية"، فإن البدايات الأولى للقرن الحادي والعشرين ستشهد حالة انتفاض شعبيةٍ على هذه السلطة، مثّلت، في أخص ما مثّلته، كسراً لحاجز الخوف، وانتصاراً ذاتياً على هزيمةٍ نفسيةٍ عاشها المجتمع نصف قرن. وكان من نهض بهذه الانتفاضة التي أخذت بالبعد الثوري للثورة، كونها فعل تغيير جذري، هم الشباب الذين رفضوا أن تغطي وجودهم حالة الاستلاب التي غطّت وجود جيل الآباء. فكان ما حملته ثورات الربيع العربي من معاني التغيير ما يبشّر ببناء واقع آخر، مغاير ومختلف، على غير مستوى، ومنها مستويات الحياة والفكر، وخصوصاً ما ينبغي أن يصدر عن هذا الفكر من رؤية استراتيجية جديدة لبناء المستقبل.
ونظر الواقع العربي إلى "شبابه" هذا، فرأى فيه قوّة تاريخية جديدة، لها تساؤلاتها التي تخص التغيير، والتبدل الإيجابي، وكل ما يُعمّق مسارات الإنسان في الواقع. كما وجد، في أفكاره ورؤاه، ما يمكن أن يتجاوز فيه ما ساد الساحة العربية من "أفكار"، أثبتت عجزها، وأنها، على مدى ما كان لها من تاريخ، لم تكن أكثر من وعد بمشروعٍ، لم يتحقق شيء منه في الواقع. وكان السؤال هو سؤال الانتقال والتحوّل إلى فكر جديدٍ، برؤية جديدةٍ، لكل من الحاضر والمستقبل.
وفيما كانت "حركة الربيع العربي" هذه تثير سؤالها عن الكيفية التي يمكن، بها/ ومن خلالها، تجذير الأفكار والرؤى الجديدة التي حملت، وبها بشّرت، فوجئت بـ"حقائق أخرى"، تلتف على "مشروعها" محتازة قطافه، لنجد الواقع يعيش حالة فراغ مفزعةٍ، حين "انحرف التحول" المرجوّ ليُصبح بين أيدٍ "أصولية"، وأخرى ذات نزوعات "سلطوية جديدة"، ما صادر روح التغيير الجذري من هذه "الثورات"، كما يقول منطق الثورة، ويعود، في أحسن مثال، وعداً بـ"إصلاح" غير متحقق، فضلاً عن أنه غير مرتكز على قاعدة واضحة المعالم. الأمر الذي أسلم "القوى الثورية الجديدة" التي نهضت بـ"الربيع العربي"، وسقته دماءها، إلى حالة تهميش جديدة، حتى بدا وكأنه ينتقل من "التهميش القائم على الديكتاتورية" إلى "التهميش الديمقراطي"!.. وهو ما لم تكن تحسبه، أو في توقعاتها. فهي يوم ثارت على الواقع، بعد أَن أَرهقها، كانت تحمل الوعد بواقع جديد، إلا أنها فوجئت بـ"حيتان جديدة" تبتلع الحاضر، ولا تُبقي صورة للمستقبل الذي ما ثار "الربيعيون" إلا من أجل أن يكونوا به/ ومن خلاله: إنساناً، وبلداناً.. فإذا ما قالت، هذه الحيتان، إنها ورثت واقعاً فاسداً، فإنها لم تفعل عملاً إلا إضافة التفسخ إلى الفساد، وملأت آفاق هذا الواقع بالوعود الكاذبة، وبإشاعة "وسائل تخويف" جديدة: فبديل السلطة وأجهزتها القمعية حلّت "الميليشيات"، المشكلة بإمرة "الحاكم الجديد"، والتي تتخذ قراراتها بالتنسيق معه، لتصفية خصومه، وتهديد من يتحرك ضدّه بالمصير نفسه: التصفية!.
كان "الربيع العربي"، كما أراده من غرسوه، أرضاً وواقعاً، "ثورة تغيير"، وقد وضعوا أَمام أنفسهم مهام كبيرة، فالمسألة، كما أرادوها أن تكون، ليست تغيير نظام حكم قائم بآخر سواه، وإِنما كان في توجهها تفجير البنى التقليدية التي لم تساعد إلا في الإبقاء على التخلف، ودعم التأخر الاجتماعي. أما التقدم، فإذا ما اقتربت منه، فهو "التقدم الشكلي" الذي ينتسب إلى الإعلام أكثر من أن يكون قريباً من أية حقيقة موضوعية. لذلك، جاء "الربيعيون العرب" بمشروعهم: تغيير ما ينبغي أن يتغيّر.
ما حصل لم يُغيّر ما كان منتظراً تغييره، بل فرض واقعاً آخر للصراع، وأوجدت الحالة محاور مختلفة لهذا الصراع، والذي واجهت فيه المجتمعات التي جرت التغييرات فيها قوى حافزة على هذا الصراع، تمثلت، أكثر ما تمثلت، في "الأحزاب" و"التشكيلات" ذات البنية التقليدية، إلى جانب "قوّة الخارج" التي أضحت، مع التغير الذي وقع، وبالنتائج التي حصد، "قوة متنفذة".

ولكن، لمَ حصل ما يحصل؟
لنصارح واقعنا بالقول: إن القوى التي تحركت، وحرّكت الشارع العربي، كانت قوى "عفوية التكوين"، وإن لم تكن "عفوية القرار".
7D7377FF-D2B6-4FE4-BFE1-A2312E714BB6
ماجد السامرائي

كاتب وناقد باحث عراقي