13 فبراير 2022
هل الصين عدوّ أميركا القادم؟
في أثناء المناظرة الأولى لمرشحي الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأميركية، التي تبارى فيها عشرون من المرشحين المحتملين على جولتين، سألهم المذيع الذي أدار اللقاء على قناة "إن. بي. سي": ما هو أكبر تهديد يواجه الولايات المتحدة؟ أربعة من بين عشرة مرشحين أجابوا أن الصين هي أكبر خطر يواجه أميركا. ربما ألقت الحرب التجارية المشتعلة حالياً بين أميركا والصين بظلالها على مناظرة الحزب الديمقراطي، بيد أن الواقع يقول إن قطاعاً معتبراً من الشعب الأميركي يرى الصين مهدّداً ومنافساً اقتصادياً قوياً لبلادهم، فحسب أحد استطلاعات الرأي التي أجراها مركز بيو الأميركي أواخر العام الماضي، لدى أكثر من نصف الأميركيين الذين يزيد عمرهم عن خمسين عاماً تصورات سلبية عن الصين، ويرونها تهديداً اقتصادياً وعسكرياً. وفي حين أشار مرشحون ديمقراطيون إلى روسيا وإيران باعتبارهما تمثلان أكبر تهديد للأمن القومي الأميركي، إلا أن غالبيتهم ترى أن الصين، (والتغير المناخي)، يمثلان التهديد الذي على الولايات المتحدة أن تأخذه بجدية، وتقوم بتطوير استراتيجية واضحة للتعاطي معهما. ومن المتوقع أن تكون مسألة العلاقة مع الصين إحدى أهم النقاط الساخنة في مناظرات المرشحين الديمقراطيين وحواراتهم، وكذلك الجمهوريون، المتنافسون في
الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وتكشف الأرقام أن الصين قد تمثل بالفعل منافساً قوياً، وليس بالضرورة تهديداً، للولايات المتحدة على الساحة الدولية. والحديث هنا عن مجالين بالأساس، الاقتصاد والتطور التكنولوجي، فقد وصل الناتج المحلي الإجمالي للصين إلى نحو 25 تريليون دولار خلال العام الماضي، مقابل 22 تريليون للاتحاد الأوروبي، و20 تريليوناً للولايات المتحدة التي حلّت ثالثاً. صحيح أن مستوى الدخل الفردي في أميركا (نحو 62 ألف دولار) ثلاثة أضعاف نظيره الصيني (لا يتجاوز 18 ألف دولار) سنوياً، إلا أن هناك فارقاً كبيراً بين عدد سكان كل من البلدين، فالصين وصل عدد سكانها إلى نحو 1.3 مليار نسمة، مقابل 327 مليون أميركي، أي تقريباً أربعة أضعاف الولايات المتحدة. ما يعني أن لدى الصين عمالة كثيرة ورخيصة، ما يساعد شركاتها على كسب المنافسة مع نظيرتها الأميركية. كما أن حجم الخلل في الميزان التجاري بين البلدين وصل العام الماضي إلى نحو أربعمائة مليار دولار لصالح الصين، وهو ما يمثل هاجس توتر للرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يشنّ حرباً تجارية على الصين منذ أواخر عام 2017، بغرض دفعها إلى تقليل صادراتها إلى الولايات المتحدة.
بيد أن ما يقلق أميركيين، وخصوصاً الساسة وصانعي القرار، هو حجم التقدم التكنولوجي السريع والمخيف الذي تمتلكه الصين حالياً، والذي يتجاوز الولايات المتحدة في بعض الأحوال. ويعود هذا التفوق الصيني إلى الإنفاق على البحث العلمي، الذي تضاعف نحو ثلاثين مرة منذ عام 1991 بمعدل زيادة سنوي نحو 18%، في حين تراجع إنفاق الولايات المتحدة على البحث العلمي والتنمية من نحو 2% من الناتج المحلي الإجمالي عام 1960 إلى نحو 0.7% الآن، بحسب خبير الأمن الوطني توم دونيلون الذي يرى أنه لا طريق أمام الولايات المتحدة لوقف الصعود الصيني، من دون الاستثمار في التكنولوجيا والبحث العلمي.
وفي وقتٍ يحاول فيه ترامب ردع الصين اقتصادياً، بفرض ضرائب وتعريفات جمركية على الواردات الصينية، التي تبلغ نحو نصف تريليون دولار، بمعدل 21% من إجمالي الواردات الأميركية، لا تبدو الصين مستعدة لتقديم تنازلات لأميركا، والتراجع عن مكاسبها التي حققتها في السوق الأميركية. لذا لم يكن أمام ترامب سوى الدخول في مواجهة مع شركة هواوي
للتكنولوجيا، وادعائه أنها تمثل تهديداً للأمن القومي الأميركي، من أجل الضغط على الرئيس الصيني، شي جين بينغ، للتوصل إلى اتفاق تجاري يحمي المصالح الأميركية، قبل أن ينخفض التوتر على هامش قمة العشرين التي استضافتها اليابان الأسبوع الماضي، والتقى فيها ترامب وشي جين بينغ، واتفقا على استئناف المفاوضات للتوصل إلى اتفاق تجاري بين البلدين، وهو ما نجم عنه رفع الحظر عن شركة هواوي الصينية. ويخشى بعضهم من أن عدم التوصل إلى هذا الاتفاق قد يزيد من التوتر بين واشنطن وبكين. ولعل الخطورة في أن ينتقل الصراع من المجال الاقتصادي والتكنولوجي إلى المجال السياسي، وربما العسكري. وهو ما يُرى بعضٌ من مظاهره خلال جلسات مجلس الأمن، التي يستخدم فيها كلا البلدين حق النقض من أجل تعطيل مشاريع قراراتٍ يتقدّم بها الطرف الآخر.
قد لا تملك الصين حالياً طموحاتٍ سياسية منافسة للولايات المتحدة، ولكن نموّها الاقتصادي، وهيمنتها التجارية، وتقدّمها التكنولوجي والصناعي، قد تجعل منها خطراً يهدد الهيمنة الأميركية على الشأن العالمي في السنوات القليلة المقبلة، وهو ما قد ينبئ بمواجهة قادمة بين الطرفين لا محالة.
بيد أن ما يقلق أميركيين، وخصوصاً الساسة وصانعي القرار، هو حجم التقدم التكنولوجي السريع والمخيف الذي تمتلكه الصين حالياً، والذي يتجاوز الولايات المتحدة في بعض الأحوال. ويعود هذا التفوق الصيني إلى الإنفاق على البحث العلمي، الذي تضاعف نحو ثلاثين مرة منذ عام 1991 بمعدل زيادة سنوي نحو 18%، في حين تراجع إنفاق الولايات المتحدة على البحث العلمي والتنمية من نحو 2% من الناتج المحلي الإجمالي عام 1960 إلى نحو 0.7% الآن، بحسب خبير الأمن الوطني توم دونيلون الذي يرى أنه لا طريق أمام الولايات المتحدة لوقف الصعود الصيني، من دون الاستثمار في التكنولوجيا والبحث العلمي.
وفي وقتٍ يحاول فيه ترامب ردع الصين اقتصادياً، بفرض ضرائب وتعريفات جمركية على الواردات الصينية، التي تبلغ نحو نصف تريليون دولار، بمعدل 21% من إجمالي الواردات الأميركية، لا تبدو الصين مستعدة لتقديم تنازلات لأميركا، والتراجع عن مكاسبها التي حققتها في السوق الأميركية. لذا لم يكن أمام ترامب سوى الدخول في مواجهة مع شركة هواوي
قد لا تملك الصين حالياً طموحاتٍ سياسية منافسة للولايات المتحدة، ولكن نموّها الاقتصادي، وهيمنتها التجارية، وتقدّمها التكنولوجي والصناعي، قد تجعل منها خطراً يهدد الهيمنة الأميركية على الشأن العالمي في السنوات القليلة المقبلة، وهو ما قد ينبئ بمواجهة قادمة بين الطرفين لا محالة.