12 نوفمبر 2024
هل اقتربت المواجهة بين حزب الله وإسرائيل؟
هذا هو السؤال الذي يطرحه كثيرون في لبنان، وفي إسرائيل، بعد سلسلة تطوراتٍ، كان جديدها الجولة الإعلامية التي نظمها حزب الله لمجموعة من الصحافيين على الحدود مع فلسطين. خلال هذه الجولة، اعتبر مسؤول الحزب التحصينات التي قام بها الجيش الإسرائيلي، في الأشهر القليلة الماضية، بالقرب من الحدود، مثل حفر خنادق وبناء عوائق إسمنتية لجبه أي تسلل مفاجئ يمكن أن يقوم به مقاتلو الحزب في الحرب المقبلة، مظهراً من مظاهر ضعف إسرائيل وخوفها من حزب الله، ودليلاً على تغير العقيدة العسكرية الإسرائيلية من هجومية إلى دفاعية.
لم تثر الجولة ردود فعل إسرائيلية كبيرة حادة، باستثناء تقارير صحافية توقفت عند ظاهرة خروج حزب الله عن عادته، في عدم الظهور بسلاحه علناً بالقرب من السياج الحدودي. لكن الجميع في إسرائيل تلقوا الرسالة التي يريد حزب الله أن يبعث بها إلى إسرائيل وإلى الداخل اللبناني، على حد سواء.
لم تغير التظاهرة الإعلامية لحزب الله من تقديرات المؤسسة العسكرية في إسرائيل، بشأن احتمال نشوب حرب جديدة على الحدود مع لبنان، والتي تستبعد، على العموم، مبادرة حزب الله إلى شن حرب في هذا الوقت بالذات، لعدة أسبابٍ، في طليعتها استمرار تورّط الحزب في الحرب الأهلية في سورية والخسائر الفادحة التي تكبدها هناك، واضطراره الى الاحتفاظ بأكثر من ثلث مقاتليه في سورية، بالإضافة إلى الأزمة المالية التي يعانيها جرّاء تقليص إيران المساعدات المالية المخصصة له من جهة. ومن جهة ثانية، تزايد الأعباء المالية المترتبة عليه، بسبب التعويضات التي يدفعها للعائلات الثكلى، ولجيل من مقاتليه الذين أحيلوا حالياً على التقاعد، بالإضافة إلى خوفه من تعريض أهالي الجنوب اللبناني الذي يشكل قاعدته الشعبية الأساسية إلى خطر التدمير، في وقت يمر لبنان كله بأزمة اقتصادية خانقة، بسبب الاضطرابات وعدم الاستقرار والحروب الأهلية السورية، وأزمة اللاجئين السوريين في أراضيه.
لكن، إذا كانت التقديرات الإسرائيلية تنحو نحو تفسير الاستفزازات الأخيرة لحزب الله بأنها نوع من تصعيد كلامي، واستعراض قوةٍ لا أكثر ولا أقل، فإن نوايا الجانب الإسرائيلي بالنسبة
ثمة مسألة أخرى لا تقل أهمية، هي تزايد قلق إسرائيل من تعاظم القوة العسكرية لحزب الله الذي تحول، في السنوات الأخيرة، من مليشيا إلى جيش نظامي، يملك ترسانة صاروخية، تشكل تهديداً حقيقياً. وبالاستناد إلى تقارير عسكرية إسرائيلية، يملك الحزب اليوم 130 ألف صاروخ مقابل 15 ألفاً كانت في حوزته في حرب يوليو/ تموز 2006، ما يجعله قادراً على إطلاق ألف صاروخ يومياً على إسرائيل إذا نشبت الحرب. المتغير الثاني هو نوعية السلاح، لدى الحزب حالياً صواريخ بعيدة المدى من طراز M-600 من صنع سوري، مشابهة لصاروخ الفاتح 110 الإيراني، والقادر على الوصول إلى 300 كيلومتر، ويمكنه حمل رأس متفجر بزنة 500 كيلوغرام، بالإضافة إلى صواريخ سكود التي تصل إلى 700 كيلومتر التي تستطيع إصابة مبنى الكنيست في القدس، ومفاعل ديمونا في النقب، ومحطات الطاقة في عسقلان. هذا من دون الحديث عن الخبرة القتالية التي اكتسبها مقاتلو الحزب، جرّاء مشاركتهم في الحرب في سورية إلى جانب قوات الأسد، وتدربهم على يد الروس والإيرانيين. ذلك كله سيجعل إسرائيل تتكبد خسائر بشرية لم تعرفها من قبل.
ويضع الإسرائيليون سيناريوهات عديدة للمواجهة المقبلة مع حزب الله، من بينها تسلل وحدات تابعة لفرقة النخبة في حزب الله إلى داخل إسرائيل، واحتلالها مؤقتا مستوطنةً إسرائيلية في الجليل، وتحقيق نصر رمزي، يمكن أن يترك أثره العميق في وعي الإسرائيليين؛ استخدام الحزب طائرات من دون طيار محملة بالمتفجرات؛ استهداف العمق الإسرائيلي وأهداف ذات أهمية استراتيجية بقصف مفاجئ بالصواريخ البعيدة المدى، قبل أن يتمكن سلاح الجو الإسرائيلي من تدمير هذه الصواريخ، مثلما فعل في حرب يوليو/ تموز 2006؛ هجوم سيبراني يعرقل عمل الأجهزة في إسرائيل، ويعيق حركة قواتها العسكرية؛ التحرّك على أكثر من جبهة وإمكانية استخدام جبهة الجولان، لا سيما المناطق الواقعة تحت سيطرة نظام بشار الأسد.
في المقابل، يتحدث الإسرائيليون عن خططٍ يضعونها لمواجهة حرب جديدة. في طليعتها أن
كما تجدرالاشارة إلى أنه، على الرغم من التحصينات الدفاعية التي يقيمها الجيش الإسرائيلي على طول الحدود مع لبنان، فإنه لم يغير عقيدته العسكرية من هجومية إلى دفاعية، لكنه جعل من عنصر الدفاع مكوناً رابعاً في عقيدته السابقة التي اعتمدت على ثلاثة عناصر أساسية، الردع والإنذار المبكر والحسم. وأُضيف الآن عنصر رابع هو الدفاع. وعند مراجعة الاستراتيجية العسكرية التي وضعها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، غادي أيزنكوت، ونشرت علناً في 2015 في خطوة نادرة، يلاحظ الاهتمام الكبير الذي أعطاه لبناء القوات البرية، والأهمية التي أولاها للقتال المتعدّد المستويات، القائم على التشبيك والتنسيق بين الأذرع المختلفة للجيش، وعدم الاعتماد حصرياً على القوة الجوية، بالإضافة إلى ضرورة إعداد الجندي الإسرائيلي للقتال البري والمواجهات عن قرب، وليس الاكتفاء بإدارة المعركة عن بعد. والتفسير العملاني لذلك أن أي مواجهة مقبلة تدخل فيها إسرائيل لا بد أن تشمل مواجهاتٍ برية وعمليات توغل سريع لشل قدرة حزب الله على استخدام ترسانته الصاروخية، كما ستنطوي على تدميرٍ هائل للبنى التحتية المدنية للضغط على السكان المدنيين، وستستهدف الجيش والحكومة اللبنانيين على حد سواء. وما الحملات الإسرائيلية الأخيرة ضد الحكم في لبنان، والتشكيك في الجيش اللبناني، سوى جزء من عملية تبرير وتحضير إسرائيلية للرأي العام الدولي. هذا من دون الإشارة إلى الجهد الهائل الذي توظفه إسرائيل في المجال الاستخباراتي، والتزود بالأسلحة الأكثر تطوراً.
لكن أي حرب إسرائيلية ضد حزب الله في لبنان ستكون مرتبطةً أيضاً بالصراع الدائر بين إسرائيل وإيران بشأن برنامجها النووي، والتوجس الإسرائيلي من صعود نفوذ إيران في سورية، ومن وجودها العسكري بالقرب من حدودها في هضبة الجولان، والدور الذي تلعبه في رسم المستقبل السياسي لسورية. ولا يمكن عزل أي تطور عسكري على الجبهة اللبنانية - الإسرائيلية عن التغير الذي يطرأ على موقف إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، حيال إيران وهجومها على الدور السلبي الذي تلعبه إيران في زعزعة استقرار دول المنطقة، والذي ورد على لسان أكثر من مسؤول أميركي أخيرا.
قد يشير ما سبق إلى احتمال اقتراب حصول مواجهة عسكرية وشيكة بين إسرائيل وحزب الله، لكن تحقق مثل هذا الاحتمال يحتاج إلى ذريعة أكبر بكثير من جولة إعلامية استفزازية، نظمها حزب الله بالقرب من السياج الحدودي.
دلالات
مقالات أخرى
20 أكتوبر 2024
06 أكتوبر 2024
21 سبتمبر 2024