هل استعجلت إيران؟

02 ابريل 2015
+ الخط -

بعد الغزو الأميركي للعراق سنة 2003 وانهيار الجيش العراقي، واعتقال صدام حسين، ثم إعدامه صبيحة عيد الأضحى، انقلبت موازين القوى في العراق، لصالح تيار طائفي. في أثناء إعدام صدام، ارتفعت شعارات طائفية. كان واضحاً جداً أن العراق القادم ستتحكم فيه نزعة طائفية إقصائية وانتقامية، ستكون وبالاً على العراق وأهله ومستقبله، كدولة مواطَنَة، بدل دولة طوائف دينية.
انغمست إيران في المشهد العراقي بشكل علني جداً؛ فقد انتفت تماماً دواعي "التقية" والاختفاء وراء أقنعة الشعارات الإسلامية الخمينية. وتبين، بما لا يدعو إلى الشك، أن الشيطان الأكبر هو من ساعد إيران على التحكم في العراق. ما نراه، اليوم، من الدعم العسكري الإيراني العلني للحكومة العراقية الشيعية في ما أطلق عليه تحرير مدينة تكريت من يد تنظيم "داعش" أكبر دليل على الارتباط المصيري لعراق اليوم بحكام طهران.
لم يقتصر الانغماس الإيراني في المشهد السياسي العربي على العراق، بل تعداه إلى دول أخرى. فلا أحد يشك في أن ما وصل إليه لبنان من فراغ سياسي ناتج عن التدخل الإيراني المباشر في شؤون هذا البلد، من خلال حزب الله اللبناني. فبعد تحرير الجنوب من إسرائيل، أصبحت أسلحة مليشيات حزب الله أداة ابتزاز، يستعملها في وجه الدولة التي يفترض أن لها جيشاً وطنياً، هو الوحيد الذي يكفل له القانون التوفر على الأسلحة الثقيلة. ولا أحد يشك في أن ولاء حزب الله لإيران مقدم على ولائه للدولة اللبنانية. وفي البحرين، كان الدور الإيراني بارزاً في دفع الشيعة البحرينيين للخروج إلى الشوارع في فبراير/شباط 2011، إبان الربيع العربي، وهي الاحتجاجات الوحيدة التي أخذت طابعاً طائفياً محضاً، غير أن المملكة العربية السعودية تدخلت بشكل مباشر، في إطار قوات درع الجزيرة التي تجمع دول الخليج.
كان أمراً لا بد أن يحدث وقد حدث، كما الغارات الجوية على الحوثيين في ما يعرف بـ "عاصفة الحزم". وهو ربما ما لم تحسب له إيران حساباً دقيقاً. ساندت إيران تنظيم "أنصار الله" الحوثي في اليمن، بمده بالأسلحة والدعاية الإعلامية، عبر عشرات القنوات الشيعية التي تتحدث بالعربية والمواقع الإلكترونية والمحللين السياسيين ذوي التوجه الفارسي، والذين تدفع لهم إيران بسخاء، لمساندة طرحها التوسعي في المنطقة العربية، في محاولة لإحياء حلم الإمبراطورية الفارسية، ولم لا تجسيدها في الواقع العربي الذي يتسم بنوع من الضعف والتوجس من الأنظمة المستبدة. لكن، لا يمكن بأي حال استبدال استبداد سياسي باستبداد ديني. السيطرة الحوثية على السلطة في اليمن بالتحالف مع الرئيس المخلوع، علي عبد الله صالح، وما أبدته القوات الحوثية من غطرسة نابعة من الإحساس بالقوة والزهو من انقضاضهم على السلطة، من دون أن يحسبوا لها حساباً؛ وهو أمر لم يكن ليتأتى لهم، لولا الفراغ السياسي الذي عرفه اليمن. الأمر الذي لم يكن منتظراً من المملكة السعودية أن تسكت عنه بأي حال؛ فاليمن امتداد جغرافي للسعودية، وليس في صالحها أن تكون السيطرة فيه لسلطة مرتبطة بطهران.
ولم يكن التدخل السعودي وحلفاؤه مستبعداً؛ بل لعله جاء متأخراً، لكن أسباب التأخر قد تكون راجعة إلى إعطاء الوقت الكافي لجمع المعلومات الاستخباراتية، وانتظار تجمع القوات الحوثية في مناطق بعيدة عن نفوذها الجغرافي. ومن غير المنتظر أن تقوم إيران بأي رد فعل غير محسوب العواقب، خصوصاً أن أغلب الدول الغربية الكبرى أيدت الضربات الجوية السعودية. وكل ما يمكن لإيران أن تفعله محاولة عرقلة المفاوضات حول ملفها النووي أو بعض الدعاية الإعلامية القائمة على الاتجار بأرواح الانقلابيين الحوثيين، قصد التشكيك في أهداف الضربات الجوية لعاصفة الحزم.
في الملف السوري، غير خافٍ على أحد أن الأسد لم يعد يتنفس، إلا بالمساندة الإيرانية التي تزوده بالأسلحة الروسية والصينية، وبمقاتلين من إيران والعراق ولبنان. وهم الإمبراطورية الفارسية الذي يدغدغ جوارح الإيرانيين دفع إيران إلى نهج سياسة توسعية في بعض الدول العربية التي يوجد فيها مواطنون يتبعون المذهب الشيعي. وهي سياسة كانت قائمة على احتواء بعض المثقفين وعلماء الدين والحركات والتنظيمات الإسلامية وأنشطة سفاراتها في العواصم العربية.
والسؤال هو: هل ما زال هناك من يشكك بالمخطط التوسعي الإيراني في الدول العربية والإسلامية؟ وهل بالإمكان بعد الآن، أن نعقد المؤتمرات الداعية إلى التقريب بين السنة والشيعة؟
ظلت إيران ثلاثة عقود تحاول بناء جسور الثقة بينها وبين الدول الإسلامية السنية، وبذلت لذلك كل الجهود الممكنة لترسيخ هذه الثقة، على حساب الشعب الإيراني الذي يعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية، بل وأزمة هوية قد تهدد الدولة الإيرانية نفسها في ظل الدعوة إلى النزعة الفارسية، على حساب التركمان والأكراد والعرب. وبعد سقوط العراق في يد الغزو الأميركي، ذهبت كل الجهود الإيرانية أدراج الرياح، وتبين، بالواضح والمرموز، أن الحلم "الساساني" يصر أن يكون حقيقة على الأرض. لكن، هل تسمح دول الجوار بذلك؟ 

 

03E333AA-E795-49B3-966E-D7760D2E2B57
03E333AA-E795-49B3-966E-D7760D2E2B57
البشير بمكدي (المغرب)
البشير بمكدي (المغرب)