13 فبراير 2022
هل أوشكت إيديولوجيا الإسلاميين على الأفول؟
تواجه التنظيمات والحركات الإسلامية تحديات كبيرة، ليس أقلها القدرة على تجديد العلاقة مع جمهورها، والحفاظ على رأسمالها الاجتماعي الذي بنته طوال العقود الماضية. وتكشف نظرة سريعة على أحوال هذه الحركات والتنظيمات المأزق الذي تعيشه منذ بداية الربيع العربي، وإنْ بدرجات متفاوتة. فعلى سبيل المثال، تعيش جماعة الإخوان المسلمين في مصر واحدةً من أخطر أزماتها منذ نشأتها قبل حوالي تسعين عاماً، ليس فقط في مواجهتها مع النظام الحالي في مصر، وإنما أيضا مع قواعدها وشبابها وجمهورها. فلم تشهد الجماعة انقساماتٍ، ولا انشقاقات، كما الحال منذ خروجها من السلطة عام 2013، وهي انقساماتٌ تتحمل الجماعة جزءا كبيرا منها، بسبب الرعونة والأخطاء العديدة التي وقعت فيها قيادتها، سواء القديمة أو الجديدة، على خلفية الفشل في التعاطي مع الأزمة السياسية في مصر. كما تشهد الجماعة نزوحاً شبابياً، وخروجاً لكثيرين من أعضائها في الداخل والخارج، بشكل لم تشهده طوال تاريخها. ناهيك عن الخطاب الجامد والمتكلس للجماعة، والذي لم يقدم جديداً طوال السنوات الخمس الماضية، وفقد بريقه وجاذبيته. وتكافح الجماعة من أجل البقاء على قيد الحياة، وسط ضربات أمنية وسياسية موجعة، تستهدف القضاء عليها نهائياً.
وفي الأردن، تواجه جماعة الإخوان المأزق نفسه، وإنْ بدرجة أقل، حيث يبدي النظام الأردني قدراً من التسامح مع وجود الجماعة، وذلك بعدما أضعفها ولقنها درساً قاسياً، بعد جرأة الجماعة وخروجها عن الخطوط الحمراء في أثناء موجة الربيع العربي. ومنذ ذلك الوقت، تعيش
الجماعة مرحلة صعبة في ما يتعلق بتماسكها الداخلي، فقد انشقت الجماعة إلى جماعتين (الجمعية والجماعة)، وانشق ذراعها السياسي، حزب جبهة العمل الإسلامي، إلى حزبين، وانفرط عقد قيادته، كما شهد نزوحاً لكثيرين من شبابه وقياداته العليا والوسطى الذين شكلوا تجمعات وأحزاب وهيئات سياسية خارج نطاق الجماعة. وعلى الرغم من سماح النظام للجماعة بالعمل السياسي لمواءمات وتوازنات داخلية وخارجية، إلا أنه بإمكانه حظرها ووقف نشاطها كليا وقتما يشاء.
وفي تونس، تكافح حركة النهضة من أجل البقاء فاعلةً في المشهد السياسي في ظل حملات التحريض الداخلي والخارجي ضدها، وضد قياداتها. وعلى الرغم من أن الحركة ليست في الحكم، إلا أن محاولات إفشالها تجري على قدم وساق. وهناك هجوم إعلامي وتحريض متواصل على الحركة مدعوم وممول من جهات خارجية. وعلى الرغم من التحولات الفكرية والإيديولوجية التي مرت بها الحركة، إلا أن ذلك لم يشفع لها. وتواجه الحركة حملةً شرسةً قبل بدء الانتخابات البلدية المقرّر إجراؤها أوائل مايو/ أيار المقبل. وقد نجحت الحملة في تسميم الأجواء بين حزب نداء تونس وحركة النهضة إلي درجة فض التحالف بينهما الذي حدث منذ الانتخابات الرئاسية قبل أربعة أعوام.
وفي المغرب، يواجه حزب العدالة والتنمية مأزقاً من نوع مختلف، فالحزب الذي يحكم منذ سبعة أعوام لم ينجز الكثير مما وعد به في السنوات الماضية. وتفاقمت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لكثير من المغاربة، نتيجة عدم وجود خطط ناجعة للقضاء على الفساد المتوطن في قطاعات حكومية كثيرة. كما مر الحزب بأزمةٍ داخليةٍ، كادت أن تعصف به، على خلفية عدم التجديد لأمينه العام السابق، عبد الإله بنكيران، لعهدة ثالثة في قمة الحزب، فيما يشبه الانقلاب الداخلي عليه. كما كشفت أزمة "حراك الريف" في المغرب عن ضعف الصلاحيات والسلطات التي يتمتع بها الحزب، بعد أن تدخل القصر في الأزمة، واتخذ قرارات جريئة، وصفت بالزلزال السياسي، حيث تم إعفاء وزراء ومسؤولين، بعد اتهامهم بالتقصير في تنفيذ مشاريع تتعلق بتنمية مناطق الريف.
تكشف كل هذه الأزمات أن ثمة تحديات غير مسبوقة تواجه الحركات الإسلامية في العالم العربي. وهي تختلف باختلاف الحالات والسياقات. وهي تحدياتٌ سبق أن واجهت حركات وتنظيمات وإيديولوجيات أخرى، كاليسارية والناصرية والليبرالية والشيوعية وغيرها. وكانت نتيجتها أن تراجع حضور هذه الإيديولوجيات والأفكار وتأثيرها، ولو بدرجاتٍ متفاوتة. صحيح أن الحركات الإسلامية تتمتع ببنية تنظيمية جيدة، وحضور اجتماعي مميز عن غيرها من الحركات، لكن الظروف التي تمر بها المنطقة والعالم لها تأثير كبير على حضورها. فمحلياً، هناك صعود متزايد للأصولية السلطوية التي تناصب الإسلاميين العداء. وإقليمياً، هناك حالة
رفض وعداء واضحة لدمج الإسلاميين والقبول بهم. وإقليمياً، هناك صعود لليمين المتطرّف المتحالف مع الأصولية السلطوية، وهو لا يفرّق بين الإسلام والمسلمين والإسلاميين، وإنما الجميع سواء لديه فيما تسمي الإسلاموفوبيا، وهي صناعة سياسية وإعلامية، غرضها التخلص من كل ما له علاقة بالإسلام والمسلمين في الغرب.
وقد ساهم صعود الجماعات الراديكالية في تشويه صورة الإسلاميين المعتدلين، ولم يهتم كثير من الغربيين بالتفرقة بين هذه الحركات والجماعات، وإنما أصبح الجميع لديه سواء. ولا غرابة في أن يتم الهجوم على الإسلاميين، والمطالبة بإقصائهم من المجال العام، باعتبارهم خطراً على الأمن والعالم.
ربما لن تختفي إيديولوجيا الإسلاميين أو تندثر، لكنها قطعاً تراجعت وستظل تتراجع، نتيجة أسباب ذاتية وموضوعية وجيوسياسية، وهو ما يفرض على هذه الحركات تطوير نفسها وخطابها وسلوكها، حتى تحتفظ لنفسها بمكان على الساحتين، المحلية والإقليمية، وأن تظل حاضرة دولياً.
وفي الأردن، تواجه جماعة الإخوان المأزق نفسه، وإنْ بدرجة أقل، حيث يبدي النظام الأردني قدراً من التسامح مع وجود الجماعة، وذلك بعدما أضعفها ولقنها درساً قاسياً، بعد جرأة الجماعة وخروجها عن الخطوط الحمراء في أثناء موجة الربيع العربي. ومنذ ذلك الوقت، تعيش
وفي تونس، تكافح حركة النهضة من أجل البقاء فاعلةً في المشهد السياسي في ظل حملات التحريض الداخلي والخارجي ضدها، وضد قياداتها. وعلى الرغم من أن الحركة ليست في الحكم، إلا أن محاولات إفشالها تجري على قدم وساق. وهناك هجوم إعلامي وتحريض متواصل على الحركة مدعوم وممول من جهات خارجية. وعلى الرغم من التحولات الفكرية والإيديولوجية التي مرت بها الحركة، إلا أن ذلك لم يشفع لها. وتواجه الحركة حملةً شرسةً قبل بدء الانتخابات البلدية المقرّر إجراؤها أوائل مايو/ أيار المقبل. وقد نجحت الحملة في تسميم الأجواء بين حزب نداء تونس وحركة النهضة إلي درجة فض التحالف بينهما الذي حدث منذ الانتخابات الرئاسية قبل أربعة أعوام.
وفي المغرب، يواجه حزب العدالة والتنمية مأزقاً من نوع مختلف، فالحزب الذي يحكم منذ سبعة أعوام لم ينجز الكثير مما وعد به في السنوات الماضية. وتفاقمت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لكثير من المغاربة، نتيجة عدم وجود خطط ناجعة للقضاء على الفساد المتوطن في قطاعات حكومية كثيرة. كما مر الحزب بأزمةٍ داخليةٍ، كادت أن تعصف به، على خلفية عدم التجديد لأمينه العام السابق، عبد الإله بنكيران، لعهدة ثالثة في قمة الحزب، فيما يشبه الانقلاب الداخلي عليه. كما كشفت أزمة "حراك الريف" في المغرب عن ضعف الصلاحيات والسلطات التي يتمتع بها الحزب، بعد أن تدخل القصر في الأزمة، واتخذ قرارات جريئة، وصفت بالزلزال السياسي، حيث تم إعفاء وزراء ومسؤولين، بعد اتهامهم بالتقصير في تنفيذ مشاريع تتعلق بتنمية مناطق الريف.
تكشف كل هذه الأزمات أن ثمة تحديات غير مسبوقة تواجه الحركات الإسلامية في العالم العربي. وهي تختلف باختلاف الحالات والسياقات. وهي تحدياتٌ سبق أن واجهت حركات وتنظيمات وإيديولوجيات أخرى، كاليسارية والناصرية والليبرالية والشيوعية وغيرها. وكانت نتيجتها أن تراجع حضور هذه الإيديولوجيات والأفكار وتأثيرها، ولو بدرجاتٍ متفاوتة. صحيح أن الحركات الإسلامية تتمتع ببنية تنظيمية جيدة، وحضور اجتماعي مميز عن غيرها من الحركات، لكن الظروف التي تمر بها المنطقة والعالم لها تأثير كبير على حضورها. فمحلياً، هناك صعود متزايد للأصولية السلطوية التي تناصب الإسلاميين العداء. وإقليمياً، هناك حالة
وقد ساهم صعود الجماعات الراديكالية في تشويه صورة الإسلاميين المعتدلين، ولم يهتم كثير من الغربيين بالتفرقة بين هذه الحركات والجماعات، وإنما أصبح الجميع لديه سواء. ولا غرابة في أن يتم الهجوم على الإسلاميين، والمطالبة بإقصائهم من المجال العام، باعتبارهم خطراً على الأمن والعالم.
ربما لن تختفي إيديولوجيا الإسلاميين أو تندثر، لكنها قطعاً تراجعت وستظل تتراجع، نتيجة أسباب ذاتية وموضوعية وجيوسياسية، وهو ما يفرض على هذه الحركات تطوير نفسها وخطابها وسلوكها، حتى تحتفظ لنفسها بمكان على الساحتين، المحلية والإقليمية، وأن تظل حاضرة دولياً.