دخل لبنان مرحلة ترشيد السلة الغذائية لأسباب علّلها حاكم المصرف المركزي، رياض سلامة، بالتهريب والاستغلال وانتفاء الجدوى من دعم السلع الأساسية، معلناً عن بديلٍ يتمثّل بمنح بطاقة لكلّ لبناني للشراء وفق قيمة 1515 للدولار (أي سعر الصرف الرسمي)، في حين أشار وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال، راوول نعمة، إلى رفع الدعم عن السلع المتعلقة بالإنتاج الحيواني والزراعي، حيث يشكل ذلك هدراً للمال العام باعتبار أنّ الأسعار لم تنخفض بل ارتفع بعضها أضعاف الأسعار السابقة للدعم.
ويدين نقيب مربي وموزعي الدواجن موسى فريجي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، القرار الصادر عن وزير الاقتصاد، الذي يعتبره غير ملمّ بالقطاع، ويعتبر قراره وتهديده بفتح باب الاستيراد للمنتجات المماثلة، إنّما هو مؤامرة مكشوفة لمسايرة المستوردين لهذه المواد من بلدان كلفة إنتاجها متدنّية لأسباب بيئية أو لدعم هذه المنتجات دعماً مادياً مباشراً من حكوماتها. وهو ما أكد عليه فريجي في بيان رفعه يحمل عنوان "ما هكذا يدار الاقتصاد".
ويضيف: "لم يمضِ على اعتماد دعم مستلزمات الإنتاج الزراعي والغذائي سوى شهرَين، حيث وصلت المنتجات المدعومة إلى لبنان منذ شهر فقط وبالتالي لم ينتُج عنها إنتاج استهلاكي مدعوم حتى يومنا هذا لأنّ الإنتاج الزراعي والحيواني، وخاصة الحليب وبيض المائدة ولحوم الدواجن، تأخذ وقتاً غير قليل للوصول إلى المستهلك بعكس باقي القطاعات والمواد الغذائية".
هذان القراران كانا كفيلين بإحداث بلبلة في الأوساط اللبنانية، وحالة من الهلع لدى المواطنين الذين سارعوا إلى شراء السلع المذكورة قبل ارتفاع أسعارها، في حين عمد قسم من أصحاب المصالح إلى تخزينها بهدف بيعها على السعر المرتفع وكسب أرباح طائلة، مقابل مخاوف حقيقية من أن يؤدي رفع الدعم إلى زيادة معدل الفقر وفلتان في الأسعار، وانعدام القدرة الشرائية، وارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء، حسب مراقبين، تحدثوا لـ"العربي الجديد".
في السياق، يقول الخبير الاقتصادي لويس حبيقة، لـ"العربي الجديد"، إنّ رفع الدعم هو بمثابة قنبلة قد تنفجر بوجه اللبنانيين، نظراً لتداعيات هذه الخطوة وارتفاع أسعار السلع التي كانت مدعومة بنسبة مئة في المئة، وهو ما من شأنه أن ينعكس أيضاً على سعر الصرف ارتفاعاً، مشيراً إلى أنّه مع استمرار الوضع كما هو عليه في لبنان، لا يمكن أن يستمرّ الدعم لأكثر من شهرين ونصف بحدّ أقصى، والسلع المدعومة تصل إلى 200، خصوصاً أنه يتبقى فقط ملياري دولار، علماً أنّ الاحتياطي الإلزامي الذي يجب أن يتوفر في مصرف لبنان هو 17.5 مليار دولار، والاحتياطي الموجود يقدَّر بحوالي 19 مليار دولار.
من جهته، يشير الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان إلى أنّ "تداعيات رفع الدعم كثيرة، وأهمها زيادة التضخّم، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى تقويض القدرة الشرائية عند المواطنين وزيادة نسبة الفقر. كذلك، سنكون أمام ارتفاع في سعر صرف الدولار، باعتبار أنّ الدعم يصل إلى 700 مليون دولار شهرياً، وعند رفعه سيرتفع الطلب على الدولار". وشدد على أن المطلوب اليوم ترشيد الدعم، من حيث تأمين شبكة الأمان الاجتماعية للأسر الأكثر عوزاً وبالدرجة الثانية القيام بالإصلاحات في قطاعات الدولة وخصوصاً الكهرباء وتوحيد سعر الصرف.
على صعيد قطاع المحروقات، يتحدّث رئيس نقابة أصحاب محطات المحروقات في لبنان سامي البركس، لـ"العربي الجديد"، عن أزمة شحّ في مادة البنزين من شأنها أن تتفاقم في المستقبل مع بدء عددٍ من الشركات التوقف عن تسليم البنزين بسبب عدم فتح الاعتمادات المتوجبة.
وقال: نخشى أن تكر سبحة الأزمات وأن تقفل المحطات أبوابها بوجه المواطن الخائف بدوره، والذي يتوجه إلى المحطات لتأمين كميات من الوقود كخطوة استباقية، ولا سيما في حال رفع الدعم عن المحروقات، مشدداً على أنّه لا يمكن تقدير كم سيرتفع سعر صفيحة البنزين، فهذا الأمر رهن أسعار النفط العالمية وفرق سعر الدعم.
بدوره، يقول رئيس نقابة مزارعي القمح والحبوب في البقاع نجيب فارس، لـ"العربي الجديد"، إن "قرار وزير الاقتصاد هو قرار ظالم وتعسفي ويؤثر جداً على القطاع الزراعي، كوننا نستورد الكثير من المواد الأساسية من الخارج، سواء البذور أو الأسمدة، أو الأدوية، ونبيع الإنتاج بالليرة اللبنانية".
وكما القمح والمحروقات والإنتاج الزراعي والحيواني، كذلك الدواء سيتأثر بدوره من رفع الدعم في حال طاوله.
في هذا المجال، يقول نقيب الصيادلة غسان الأمين، لـ"العربي الجديد"، إنّ القطاع الصيدلي يعيش انهياراً كبيراً وخطيراً، حيث إنّ أكثر من خمسين في المائة من الأدوية مقطوعة من الصيدليات نتيجة شحّ الاستيراد وارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء.
ويلفت الأمين إلى أن الأدوية المقطوعة هي أدوية الأمراض المزمنة، المرتبطة بالقلب والضغط والسكري، إضافة إلى السرطان والأعصاب، معلناً عن أنّ أكثر من 300 صيدلية أقفلت أبوابها منذ سنتين وحتى اليوم، والرقم مرشّح للارتفاع.
ويقول مدير عام وزارة الاقتصاد محمد أبو حيدر، لـ"العربي الجديد"، إنّ رفع الدعم يحتاج في المقابل إلى خططٍ وبدائلٍ، ولن يكون عشوائياً، فعلى صعيد الأدوية مثلاً هناك خطورة كبيرة عند رفع الدعم، وخصوصاً لناحية الضمان وتعاونية موظفي الدولة التي لا تغطي أكثر من عشرين في المائة، وهذه كارثة. وبالتالي فإنّ موضوع الدواء يحتاج إلى خطة ورؤية اقتصادية من أجل تحفيز الصناعة الوطنية.
على صعيد سلة الدعم الغذائية، يشير أبو حيدر إلى دراسة أجراها حاكم مصرف لبنان المركزي والدولة مطلعة عليها، وجرى التحدث فيها مع وزير الاقتصاد ترتبط بالبطاقة الممغنطة وتهدف إلى دعم المواطنين.