هلاوس النصر

18 فبراير 2016
فكرة النصر تجعلنا دوماً ندخل في حالة هلوسة (Getty)
+ الخط -

سواء أكنا تحت تأثير مُخدرٍ ما أو الأخبار، (فجميعها قد أصبح سيان كما تعلم).. فإن فكرة النصر تجعلنا دوماً ندخل في حالة هلوسة، دوماً نهلوس بهذه الكلمات الرنانة (النصر، القمة، الانتصارات، الفتوحات، الغايات العظمى)، أو سمِّها ما شئت، أو دعنا نتفق على مصطلح "هلاوس النصر".


إننا نعيش في حالة من النشوة والأحلام الوردية في سبيل الغايات التي تكمن في الدروب البعيدة، تماماً كأفلام هوليوود فنحن ننتظر إما هذا البطل المغوار "السوبرمان" القادر على توحيد الجيوش والصفوف ونصرة المظلومين ومساعدة اللاجئين وإنقاذ الجرحى والغرقى والمعذبين في أقبية الشبيحة! أو بانتظار جيوش الفتح العظيم التي ستحرر البلاد العربية والإسلامية وستفتح القدس وتعيد الأندلس وتعود بغداد عاصمة الحضارة تماماً كجيوش Hobbits أو the lord of the ring، وأكاد أقسم لك بأننا في اللاوعي نحكم ونتصرف بناءً على هذه المعايير الهوليوودية.

فالقائد فلان لم يصمد على الجبهة كذا، وذاك لم يقصف مواقع كذا، والآخر لم يحرر المنطقة كذا، والعديد العديد من الانتقادات التي نلصقها بهم وكأنهم السيد المسيح أو المهدي المنتظر! النصر، النصر، النصر.. ونحن لا نعلم منه سوى الأهازيج "وجينا بالنصر جينا"!

عذراً ولكن، إن كنت تنتظر أسطورة السوبرمان فالسوبرمان هو "وهم"، لا يوجد من سيمسك الدفة على جميع الجهات والجبهات، لأنه ببساطة لا يوجد.

لا يمكنك أن تنتظر نمو شجرة لم تزرع بذورها!

لا يمكنك أن تنتظر من طفلك أن يصبح شاعراً وأنت لم تعلمه الأبجدية، لأنه ببساطة لا يمكنك!

النصر ليس فعلاً مبنياً للمجهول ولا هو حلم يتحقق على يد أحد الأبطال.. النصر كائن في متناهي الصغر، بسيط وقد لا يلاحظ، يبدأ من موقعك هذا ويحتاج لعامل الزمن، هو ليس بالكائن المقدس.. بل يبدأ كما بدأت أنت.. أتذكر!

مضغة.. فعلقة.. فخلايا تتشكل وتتكاثر فغضاريف.. فأعضاء، صبر شهور وعناية وعمل لحظة بلحظة لأجل حمايتك إلى أن تخرج للحياة، وكذلك هي رحلة النصر.

تبدأ بفكر حر واضح، وتشكل للجوهر الفكري الذي لا تمسه شائبة لأن أي خطأ سيؤدي إلى تشوه في المستقبل، ثم مرحلة التشكل، فالتوسع، فالعمل ومن ثم إدراك المقاصد.

أما أن تراه كمعجزة تنزل من السماء فعذراً.. لا!

النصر ليس باكيدج وعليه sale، النصر طريق طويل بطول قمة "إيفرست" يا حماك الله، وما يتطلب منا هو عدم النظر إلى القمة بل جُل ما يتطلب هو أن تبدأ من مكانك، من أفعالٍ صغيرة تلك التي قد لا تُلقي لها بالاً وتبالغ في احتقارها، دع الأفق، دع النظر للقمم والأحلام الوردية، دع صخب ولغة الأغاني الوهمية، دع العبارات المغلفة بالكسل والنفاق الاجتماعي، لا تنتظر السوبرمان! لا تدع صوت العمل والإيمان بنفسك أن يعلوه أي شيء..  وتأمل آيات النصر واعمل وابدأ من مكانك، من تحت أقدامك، تحرك وابدأ.. فكم عليك أن تنتظر حتى توقن أنّك أنت.. أنت الأفق.

(سورية)

دلالات
المساهمون