10 فبراير 2024
هلال يا أولاد الحلال!
نفسي في هدنة! أي هدنة في هذا العالم المحيِّر، المهم ناخد فاصل ولو قصير، لكن نعمل إيه في خلق الله! نتفق مرة واحدة ولو على الباطل، مرة من نفسنا نتفق يا عالم يا هوه! ثم نفض ذيل جلبابه وتركنا على ناصية الشارع، وتباينت التأويلات في حركة ذيل جلبابه، وقوة الضربة والتنفيض، ومعدل اهتزاز الهواء من حولها، وما أحدثته من تكديرٍ للجو العام والأمن!
متاخدوش على كلامه ولا تآخذوه، ده عم مصيلحي! رجل بيقلش من وقت للتاني، دماغه بتحدف يمين وشمال، لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب، يعترض على حركة حجابه الحاجز، ويرى أن العالم انقلبت موازينه، والناس حالها مايل، والساعة على وشك! وبعد أن حلل نفسية مصيلحي، أخرج التهامي علبة السجائر ورشّ على الشلة، وأخذ نفسًا سحب أكسجين الشارع في بطنه، ثم التفت إليَّ متخابثًا: ولا إيه يا سيدنا الأفندي؟!
لم أرد أن أجاريه في جوه أو أن يأخذني تحت جناحه؛ فقلت: خليها على الله يا بحر المفهومية! وسرحت في شكوى مصيلحي؛ فإذا بها وجيهة إذا لملمنا أطراف الموضوع. اليوم، لا يلقي الناس الكلام على عواهنه، أكسبت وسائل الإعلام الناس ثقافة وإن لم يحظوا بتعليمٍ نظامي، ومنهم من تكلم بكلام واعر غويط، ويصل كلامه إلى حيث يريد إن وجد آذانًا مصغية.
أما إن صُمَّت الآذان؛ فإن الناس تحكم على الكلام بالسفه والعبثية، والتاريخ يؤكد هذه الفرضية، ويحكم كثيرون على ما يسمعون من خلال المتحدث؛ فإن كان المتحدث معروفًا أو صاحب أطيان وأموال، صدقوه وأمنوا على ما يقول، وإن كان محض هرطقة، أما إن كان منحول الوبر معدوم الدخل، غسلوا أيديهم من كل ما يقول؛ فكأن فقر حاله خلع على فكره ورأيه سربالًا من الهزال، أو بهت عليه من رداءته وعدم جدواه.
وقبل أن نعرِّج على تبرُّم مصيلحي؛ لنأخذ مثالًا سريعًا على ما طرحناه آنفا، فقد شهدت تركيا سنة 1943 نموذجًا أقدم للعم مصيلحي، وكان مصيلحي الأول -وأصوله يوغسلافية تركية- يخدم السفير البريطاني السير هيو، وحاز مصيلحي التركي ثقة السفير، ومع ضغط الحياة وزمزمة قيودها على مخنقه، خان مصيلحي التركي الأمانة، استغل ثقة هيو وامتدت يده، وليت يده امتدت إلى أموال السفير أو مصاغ حرمه المصون، إنما تخطى الحدود وقفز الحواجز، وصوَّر وثائق سرية لخطط استهداف ألمانيا النازية. لم يكذب مصيلحي التركي خبرًا، ووضع ذيل جلبابه -التركي- في أسنانه، وهات يا فكيك! قاصدًا النازيين ممنيًا نفسه بالصيد الثمين.
دخل التركي على السفير الألماني، فون باين، ومن يده إلى وزارة الخارجية فإلى الفوهرر أدولف هتلر، وتشكك هتلر في مزاعم التركي، والأمر ذاته في فرنسا وروسيا وأميركا؛ فلم يصدق أحدهم أن الخادم "اللي ما حلتوش اللضا" يحتكم على معلومات قيِّمة ووثائق صادقة، وتوهموا أن الصور التي قدمها مزيفة؛ فأهدوه مبلغًا كبيرًا من العملة التركية، وبعد مدة قصيرة أدرك أن العملة مزيفة، وعاش عدمان كحيان إلى أن فارق عالمنا ندمان خزيان.
ربما تغاضى مصيلحي التركي قاعدة Dress to impress فأهمل مظهره، واعتمد على وجاهة ما يملك من وثائق؛ فلم تنفع وحدها ولم تشفع، ومن قبل لم تغفر الفلسفة الإشراقية للسُهروردي المقتول؛ فهو الآخر أهمل مظهره وارتكز على فلسفته الصوفية؛ فأسلمته إلى القتل. المظهر هالة مميزة للنجاح، وهذا ما افترضه النازيون وغيرهم في مصيلحي تركيا، وقد ظهرت قصته على الشاشة الكبيرة سنة 1952 في فيلم خمسة أصابع "Five Fingers" ويشار إليه كذلك بـ"عملية شيشرون".
اختلفت المصادر في الاسم الحقيقي لمصيلحي تركيا، لكنني أؤكد لك -بكل ما أملك من شك وضعف ذاكرة- أن مصيلحي المصري هذا اسمه الحقيقي، وأكاد أجزم أنه ليس بمخبر ولا مرشد ولا جاسوس، وأن مصيلحي هذا لم يأخذ وضعه وبرستيجه في شارعنا ولا حلوان ولا حتى القاهرة الكبرى أو بر مصر تِمًا، وأن غضبته التي غضبها -وإن لم تكن غضبة مُضرية- ونفضة ذيل جلبابه -وإن لم ترتب عليها سوى نشر سحابة سوداء في الشارع وحجب للرؤية- كانت لسببٍ وجيه.
قبل تحوُّل مصيلحي وزمجرته، كان يتابع الأخبار في مقهى "المُشتتين"، وإذا به يرى ويسمع خبرًا تلو الآخر، وهي أخبار متضاربة عيني عينك؛ فمعهد البحوث الفلكية يقول العيد الثلاثاء، ورئيس معمل الشمس القومي للبحوث، الدكتور أسامة رحومة لم يعجبه الكلام فقال "هلال شوال اتولد قبل قليل.. والأرجح غدًا صيام"؛ فخرجت دار الإفتاء بتصريح "اللي هو وسع بقى أنت وهو" جاء فيه أن الموضوع ده بتاعنا، وبلاش حد يدخل دايرتنا، وأعلنت في بيانها على لسان مستشار مفتي الجمهورية، الدكتور إبراهيم نجم، أنها الوحيدة المنوط بها تحديد موعد عيد الفطر، وحذرت من الالتفات إلى الأخبار التي تُنْشَر قبل موعد الرؤية، وأهابت بالجميع استقاء المعلومات من مصادرها، وأعادت التأكيد على أن دار الإفتاء المصرية هي مصدر إعلان رؤية الهلال.
وبعد قليل يظهر رئيس المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيائية، الدكتور جاد القاضي، ويؤكد أن المعهد ينسق مع دار الإفتاء وهيئة المساحة ومرصد حلوان وأكتوبر والفيوم وسوهاج وأسوان وأبو سمبل ومطروح والغردقة والإسماعيلية والطور، وذلك بهدف رصد الهلال السعيد، وبعدها قالوا إنهم "غُمَّ عليهم"؛ فلم يتبينوا اقتران الهلال، وعليه فإن العيد يوم الأربعاء.
وتأكد صوم المصريين الثلاثاء، لكن الخبر الذي تلاه كان غريبًا؛ فقد انقسم السودانيون إلى فريقين، دار الإفتاء السودانية أعلنت العيد الأربعاء، والمعارضة ممثلة في تجمع المهنيين السودانيين أفطرت وصلت العيد الثلاثاء! لم يفهم مصيلحي لماذا هذا الميكس في الخرطوم ما بين صاموا ومن عيَّدوا! ولماذا لم يتوحدوا على هلال واحد؟ ربما يُفهم اختلاف الدول في رؤية الهلال، أما أن يختلف أهل الخرطوم مع أهل الخرطوم على رؤية الهلال نفسه؛ فهذه مسألة غير معقولة ولا مقبولة!
وما بعد ذلك أشد وأدهى، وهذه المرة من ليبيا؛ فبعد ساعات من إعلان حكومة البيضاء (شرق ليبيا) أن العيد يوم الأربعاء، نسخت طرابلس -عبر دار الإفتاء التابعة لحكومة الوفاق (المعترف بها دوليًّا)، ومن منبرها الرسمي على فيسبوك- ما أعلنته البيضاء، وأكدت دار الإفتاء أن العيد الثلاثاء، وأنه على الرغم من تعذُّر رؤية الهلال؛ فإن أماكن متفرقة في ليبيا من رصد الهلال مثل سبها وسرت وبن جواد وبني وليد. حار الليبيون بين مطرقة حفتر وسندان السراج حتى في هلال العيد، وبعدما أغلقت المحال التجارية مساء الاثنين، عاد التجار وفتحوا أبوابهم!
أما في سورية؛ فقد أعلن القاضي الشرعي بدمشق، محمود المعراوي، أن العيد الأربعاء، لكن المجلس الإسلامي السوري -التابع المعارضة- قرر أن العيد الثلاثاء. اليمن لم تختلف عن هذا التخبط؛ فبينما أعلنت وزارة الأوقاف والإرشاد -تابع للحكومة المعترف بها- أن العيد الثلاثاء؛ لترد لجنة الأهلة -التابعة للحوثيين- أن العيد يوم الأربعاء؛ فإن انتقلت إلى العراق رأيت رئيس الوقف السني، عبد اللطيف الهميم، وسمعته يعلن أن العيد الثلاثاء، ووافقه على ذلك المجمع الفقهي، لكنما مكتب المرجع الشيعي الأعلى، علي السيستاني، قرر أن العيد الأربعاء!
وقع العرب هذا العام في حيص بيص؛ فالثلاثاء عيدٌ في السعودية والإمارات وقطر والبحرين والسُّنة العراقية واللبنانية والحكومة المعترف بها في ليبيا واليمن والمجلس الانتقالي العسكري في السودان، والأربعاء عيدٌ في مصر وسورية والأردن وفلسطين والمغرب وشيعة العراق ولبنان، وحكومة طبرق في ليبيا والحوثيين في اليمن والمعارضة السودانية.
دولٌ عيَّدتَ يومًا وأخرى عيَّدت يومين، ويجعله عامر ويزيد ويبارك! إيش قصة الهلال اللي دوخنا ومرمطنا ده؟ مش كيميا هي ولا حِسبة برما، ولكل هذا ضاق صدر مصيلحي، واغتاظ من تشرذم أهل البيت الواحد، ما بين صاحب رؤية الهلال دون غيره، وبين من انقسموا على هلالهم.
ما إن وصل مصيلحي داره، حتى خرَّ مغشيًا عليه، وحين أتاه الطبيب أفاد أن لوثة سيطرت على عقله، أو أنه مصابٌ بصدمة نفسية، ولم يجرؤ أحدنا أن يبوح بما عنده، ومضى كلُّ في سبيله، بينما خسر مصيلحي صحته وعافيته، وكأني بسعد باشا زغلول يرمي بطربوشه على الأرض ويؤنب مصيلحي: "ما قلتها من سنين.. مفيش فايدة"؛ ليؤمن مصيلحي في سره "لا بقى فيه فايدة ولا عايدة، ولا قِصة ولا مِصة".
متاخدوش على كلامه ولا تآخذوه، ده عم مصيلحي! رجل بيقلش من وقت للتاني، دماغه بتحدف يمين وشمال، لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب، يعترض على حركة حجابه الحاجز، ويرى أن العالم انقلبت موازينه، والناس حالها مايل، والساعة على وشك! وبعد أن حلل نفسية مصيلحي، أخرج التهامي علبة السجائر ورشّ على الشلة، وأخذ نفسًا سحب أكسجين الشارع في بطنه، ثم التفت إليَّ متخابثًا: ولا إيه يا سيدنا الأفندي؟!
لم أرد أن أجاريه في جوه أو أن يأخذني تحت جناحه؛ فقلت: خليها على الله يا بحر المفهومية! وسرحت في شكوى مصيلحي؛ فإذا بها وجيهة إذا لملمنا أطراف الموضوع. اليوم، لا يلقي الناس الكلام على عواهنه، أكسبت وسائل الإعلام الناس ثقافة وإن لم يحظوا بتعليمٍ نظامي، ومنهم من تكلم بكلام واعر غويط، ويصل كلامه إلى حيث يريد إن وجد آذانًا مصغية.
أما إن صُمَّت الآذان؛ فإن الناس تحكم على الكلام بالسفه والعبثية، والتاريخ يؤكد هذه الفرضية، ويحكم كثيرون على ما يسمعون من خلال المتحدث؛ فإن كان المتحدث معروفًا أو صاحب أطيان وأموال، صدقوه وأمنوا على ما يقول، وإن كان محض هرطقة، أما إن كان منحول الوبر معدوم الدخل، غسلوا أيديهم من كل ما يقول؛ فكأن فقر حاله خلع على فكره ورأيه سربالًا من الهزال، أو بهت عليه من رداءته وعدم جدواه.
وقبل أن نعرِّج على تبرُّم مصيلحي؛ لنأخذ مثالًا سريعًا على ما طرحناه آنفا، فقد شهدت تركيا سنة 1943 نموذجًا أقدم للعم مصيلحي، وكان مصيلحي الأول -وأصوله يوغسلافية تركية- يخدم السفير البريطاني السير هيو، وحاز مصيلحي التركي ثقة السفير، ومع ضغط الحياة وزمزمة قيودها على مخنقه، خان مصيلحي التركي الأمانة، استغل ثقة هيو وامتدت يده، وليت يده امتدت إلى أموال السفير أو مصاغ حرمه المصون، إنما تخطى الحدود وقفز الحواجز، وصوَّر وثائق سرية لخطط استهداف ألمانيا النازية. لم يكذب مصيلحي التركي خبرًا، ووضع ذيل جلبابه -التركي- في أسنانه، وهات يا فكيك! قاصدًا النازيين ممنيًا نفسه بالصيد الثمين.
دخل التركي على السفير الألماني، فون باين، ومن يده إلى وزارة الخارجية فإلى الفوهرر أدولف هتلر، وتشكك هتلر في مزاعم التركي، والأمر ذاته في فرنسا وروسيا وأميركا؛ فلم يصدق أحدهم أن الخادم "اللي ما حلتوش اللضا" يحتكم على معلومات قيِّمة ووثائق صادقة، وتوهموا أن الصور التي قدمها مزيفة؛ فأهدوه مبلغًا كبيرًا من العملة التركية، وبعد مدة قصيرة أدرك أن العملة مزيفة، وعاش عدمان كحيان إلى أن فارق عالمنا ندمان خزيان.
ربما تغاضى مصيلحي التركي قاعدة Dress to impress فأهمل مظهره، واعتمد على وجاهة ما يملك من وثائق؛ فلم تنفع وحدها ولم تشفع، ومن قبل لم تغفر الفلسفة الإشراقية للسُهروردي المقتول؛ فهو الآخر أهمل مظهره وارتكز على فلسفته الصوفية؛ فأسلمته إلى القتل. المظهر هالة مميزة للنجاح، وهذا ما افترضه النازيون وغيرهم في مصيلحي تركيا، وقد ظهرت قصته على الشاشة الكبيرة سنة 1952 في فيلم خمسة أصابع "Five Fingers" ويشار إليه كذلك بـ"عملية شيشرون".
اختلفت المصادر في الاسم الحقيقي لمصيلحي تركيا، لكنني أؤكد لك -بكل ما أملك من شك وضعف ذاكرة- أن مصيلحي المصري هذا اسمه الحقيقي، وأكاد أجزم أنه ليس بمخبر ولا مرشد ولا جاسوس، وأن مصيلحي هذا لم يأخذ وضعه وبرستيجه في شارعنا ولا حلوان ولا حتى القاهرة الكبرى أو بر مصر تِمًا، وأن غضبته التي غضبها -وإن لم تكن غضبة مُضرية- ونفضة ذيل جلبابه -وإن لم ترتب عليها سوى نشر سحابة سوداء في الشارع وحجب للرؤية- كانت لسببٍ وجيه.
قبل تحوُّل مصيلحي وزمجرته، كان يتابع الأخبار في مقهى "المُشتتين"، وإذا به يرى ويسمع خبرًا تلو الآخر، وهي أخبار متضاربة عيني عينك؛ فمعهد البحوث الفلكية يقول العيد الثلاثاء، ورئيس معمل الشمس القومي للبحوث، الدكتور أسامة رحومة لم يعجبه الكلام فقال "هلال شوال اتولد قبل قليل.. والأرجح غدًا صيام"؛ فخرجت دار الإفتاء بتصريح "اللي هو وسع بقى أنت وهو" جاء فيه أن الموضوع ده بتاعنا، وبلاش حد يدخل دايرتنا، وأعلنت في بيانها على لسان مستشار مفتي الجمهورية، الدكتور إبراهيم نجم، أنها الوحيدة المنوط بها تحديد موعد عيد الفطر، وحذرت من الالتفات إلى الأخبار التي تُنْشَر قبل موعد الرؤية، وأهابت بالجميع استقاء المعلومات من مصادرها، وأعادت التأكيد على أن دار الإفتاء المصرية هي مصدر إعلان رؤية الهلال.
وبعد قليل يظهر رئيس المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيائية، الدكتور جاد القاضي، ويؤكد أن المعهد ينسق مع دار الإفتاء وهيئة المساحة ومرصد حلوان وأكتوبر والفيوم وسوهاج وأسوان وأبو سمبل ومطروح والغردقة والإسماعيلية والطور، وذلك بهدف رصد الهلال السعيد، وبعدها قالوا إنهم "غُمَّ عليهم"؛ فلم يتبينوا اقتران الهلال، وعليه فإن العيد يوم الأربعاء.
وتأكد صوم المصريين الثلاثاء، لكن الخبر الذي تلاه كان غريبًا؛ فقد انقسم السودانيون إلى فريقين، دار الإفتاء السودانية أعلنت العيد الأربعاء، والمعارضة ممثلة في تجمع المهنيين السودانيين أفطرت وصلت العيد الثلاثاء! لم يفهم مصيلحي لماذا هذا الميكس في الخرطوم ما بين صاموا ومن عيَّدوا! ولماذا لم يتوحدوا على هلال واحد؟ ربما يُفهم اختلاف الدول في رؤية الهلال، أما أن يختلف أهل الخرطوم مع أهل الخرطوم على رؤية الهلال نفسه؛ فهذه مسألة غير معقولة ولا مقبولة!
وما بعد ذلك أشد وأدهى، وهذه المرة من ليبيا؛ فبعد ساعات من إعلان حكومة البيضاء (شرق ليبيا) أن العيد يوم الأربعاء، نسخت طرابلس -عبر دار الإفتاء التابعة لحكومة الوفاق (المعترف بها دوليًّا)، ومن منبرها الرسمي على فيسبوك- ما أعلنته البيضاء، وأكدت دار الإفتاء أن العيد الثلاثاء، وأنه على الرغم من تعذُّر رؤية الهلال؛ فإن أماكن متفرقة في ليبيا من رصد الهلال مثل سبها وسرت وبن جواد وبني وليد. حار الليبيون بين مطرقة حفتر وسندان السراج حتى في هلال العيد، وبعدما أغلقت المحال التجارية مساء الاثنين، عاد التجار وفتحوا أبوابهم!
أما في سورية؛ فقد أعلن القاضي الشرعي بدمشق، محمود المعراوي، أن العيد الأربعاء، لكن المجلس الإسلامي السوري -التابع المعارضة- قرر أن العيد الثلاثاء. اليمن لم تختلف عن هذا التخبط؛ فبينما أعلنت وزارة الأوقاف والإرشاد -تابع للحكومة المعترف بها- أن العيد الثلاثاء؛ لترد لجنة الأهلة -التابعة للحوثيين- أن العيد يوم الأربعاء؛ فإن انتقلت إلى العراق رأيت رئيس الوقف السني، عبد اللطيف الهميم، وسمعته يعلن أن العيد الثلاثاء، ووافقه على ذلك المجمع الفقهي، لكنما مكتب المرجع الشيعي الأعلى، علي السيستاني، قرر أن العيد الأربعاء!
وقع العرب هذا العام في حيص بيص؛ فالثلاثاء عيدٌ في السعودية والإمارات وقطر والبحرين والسُّنة العراقية واللبنانية والحكومة المعترف بها في ليبيا واليمن والمجلس الانتقالي العسكري في السودان، والأربعاء عيدٌ في مصر وسورية والأردن وفلسطين والمغرب وشيعة العراق ولبنان، وحكومة طبرق في ليبيا والحوثيين في اليمن والمعارضة السودانية.
دولٌ عيَّدتَ يومًا وأخرى عيَّدت يومين، ويجعله عامر ويزيد ويبارك! إيش قصة الهلال اللي دوخنا ومرمطنا ده؟ مش كيميا هي ولا حِسبة برما، ولكل هذا ضاق صدر مصيلحي، واغتاظ من تشرذم أهل البيت الواحد، ما بين صاحب رؤية الهلال دون غيره، وبين من انقسموا على هلالهم.
ما إن وصل مصيلحي داره، حتى خرَّ مغشيًا عليه، وحين أتاه الطبيب أفاد أن لوثة سيطرت على عقله، أو أنه مصابٌ بصدمة نفسية، ولم يجرؤ أحدنا أن يبوح بما عنده، ومضى كلُّ في سبيله، بينما خسر مصيلحي صحته وعافيته، وكأني بسعد باشا زغلول يرمي بطربوشه على الأرض ويؤنب مصيلحي: "ما قلتها من سنين.. مفيش فايدة"؛ ليؤمن مصيلحي في سره "لا بقى فيه فايدة ولا عايدة، ولا قِصة ولا مِصة".