هكذا ينظر العراقيون إلى العالم الافتراضي

10 يناير 2018
يتصفّحون مواقع إنترنت (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -
"سلاح ذو حدَّين" هذا ما يصحّ إطلاقه على مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت الشغل الشاغل للعراقيين بمعظمهم. وفي حين يراها كثيرون ضرورة لا بدّ من استغلالها لمواكبة التطوّر والتعلّم، فإنّ آخرين يعدّونها تهديداً خطيراً للمجتمع. بالنسبة إلى هؤلاء، فإنّ مواقع التواصل الاجتماعي أثّرت سلباً على التقاليد، لا سيّما في الأوساط العشائريّة والملتزمة بعادات متوارثة. وهو الأمر الذي دعا وجهاء قبائل إلى فرض تعليمات في داخل المجالس العشائرية، بحسب ما يشير محسن النداوي، وهو أحد الشيوخ القبليين في محافظة ديالى شماليّ شرق البلاد.

ويدير النداوي، وفقاً للتقاليد العشائرية، ديواناً بناه إلى جانب داره، بصفته زعيماً قبلياً على قرية تتألّف من 92 بيتاً، ويصرّ على ضرورة الحفاظ على التقاليد العشائرية التي توارثها العراقيون. يقول النداوي لـ "العربي الجديد" إنّه يرى "خطراً كبيراً يحيط بالأخلاق والقيم المتوارثة"، مشدداً على أنّ مواقع التواصل الاجتماعي هي السبب. لذا، يمنع النداوي في ديوانه أيّ اتصال بالإنترنت، ويفرض على الحاضرين من أتباعه استخدام الهواتف للمكالمات الضرورية فقط، وليس لتصفّح المواقع الإلكترونية.

ويؤكد النداوي أنّ "الإنترنت يسرق أبناءنا، ومواقع التواصل تشغلهم عن كلّ شيء. فيجلسون ساعات طويلة منشغلين بجهاز الهاتف وينسون محيطهم، وهذا خطر كبير يهدد العلاقات الاجتماعية التي تعتمد على التواصل المباشر". يضيف: "لقد صُدمت عندما رحت أرى عوائل بأكملها وهي تفقد علاقات الاجتماعية مع أسر أخرى، في حين بدأت العلاقات داخل الأسرة الواحدة تتفكك. الجميع مشغول بمواقع التواصل في حين ابتعدوا عن التواصل الحقيقي الواقعي الذي يمثّل تقليداً عربياً عريقاً".

والمخاطر التي يعيدها النداوي إلى مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت عموماً، لا تقف عند حدّ إهمال التقاليد العربية الموروثة التي يحاول ترسيخها بين أبناء قبيلته، بل تصل، بحسب ما يشير عبد السلام رشيد، إلى "الإجرام". ويخبر كيف أنّه أنقذ أحد طفليه، "بعدما حاول الثاني قتله من دون وعي، والسبب تأثّره بما يشاهده على الإنترنت". ويوضح رشيد لـ"العربي الجديد" أنّ "ولدي أحمد (خمسة أعوام) كان يتابع عادة برامج أطفال على موقع يوتيوب، لكنّه وبسبب ذكائه في هذا المجال صار يدخل إلى مواقع عدّة وأدمن البرامج المخيفة وأفلام الرعب". لكنّ رشيد أدرك خطورة الأمر، وقرّر التحرّك. يقول: "استشرت متخصصين، ورحت أتّبع طريقة مختلفة في التعامل معه، فأشغله باستمرار في اللعب مع الأطفال وأصطحبه معي في جولاتي بعد عودتي من العمل. كذلك جعلته ينتظم في دوام طويل في روضة الأطفال لتسع ساعات".



في السياق، يؤكد المحامي عمر حسين لـ "العربي الجديد" أنّ "المشاكل التي تصل إلى حدّ العنف والقتل والطلاق تكثر بسبب مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت عموماً، وتُرفع قضايا عدّة أمام المحاكم".

في المقابل، يصرّ عراقيون كثيرون على أنّهم يدينون لمواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت عموماً التي كان لها أثرها الإيجابي في حياتهم. رُسل عباس على سبيل المثال، تقول إنّها بفضل تلك المواقع "صرت أملك مهنة مربحة اليوم وأدير مشغلاً لصناعة الحلوى والمعجنات". وتخبر "العربي الجديد" أنه "بعدما فشلت في الحصول على وظيفة في القطاعَين الحكومي والخاص على حدّ سواء، قرّرت خوض تجربة أخرى لمساعدة زوجي على تأمين معيشتنا... فأنا كنت في الأساس أملك خبرة جيّدة في صناعة الحلوى والمعجنات، وقرّرت تطوير ذلك من خلال التعرّف على الحلوى والمعجنات غير المحلية من خلال موقع يوتيوب ومدوّنات على الإنترنت". وخلال شهرَين، صارت رسل تعدّ أطباقاً من الحلوى وأصنافاً من المعجنات غير متعارف عليها في العراق، الأمر الذي لقي إقبالاً كبيراً، وتشجّعت وأطلقت مشروعها الخاص. تضيف: "استأجرت محلاً بالقرب من البيت وحوّلته إلى مشغل، واليوم أخطط لتطويره وتوسيعه".

ويقول هنا المتخصص في علم الاجتماع علي المياحي إنّه "لا يمكن الانفصال عن العالم، وعلينا الاطلاع على التطوّرات السريعة ومجاراتها. لكنّه يتوجّب علينا أن نعرف كيف نتصرّف مع أبنائنا في هذا الخصوص". ويوضح لـ "العربي الجديد" أنّ "المجتمع يبدأ من الأسرة. هذا أمر متّفق عليه. والطفولة هي الفترة الأهم والمراهقة هي الأصعب. لكنّ الأمر يكون سهلاً إذا أحسن الوالدَين التصرّف. وهو ما يعني أنّ المسؤولية يتحمّلها بداية الوالدان". يضيف أنّ "طريقة التعامل مع الأولاد التي يؤكد عليها المتخصصون التربويون هي الأساس. على الوالدَين التقرّب كثيراً من أبنائهما، وتخصيص أكبر مساحة ممكنة لهم، وأكبر مدّة زمنية. هنا فقط نستطيع السيطرة على الصغار حتى وصولهم مرحلة تؤهّلهم ليكونوا مسؤولين عن تصرّفاتهم".