يختلف تقدير الوقت بالنسبة إلى الجزائريين، لا سيّما الشباب منهم. هو بالنسبة إلى كثيرين مجرّد أيام يقضونها. وهذا أمر يصحّ لدى هؤلاء العاطلين من العمل الذين يجيبون عند سؤالهم: "أنا نقتل الوقت" أو "راني نجوزو في الوقت" أي نجعله يمرّ.
سيّد علي شاب جزائري (36 عاماً) يرى أنّ "كثيرين لا يدركون قيمة الوقت"، مؤكّداً أنّ "مفهوم الوقت يختلف بين فئتين اثنتين تحديداً". ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "ثمّة فئة لا تعمل وتعيش بطالة قاتلة، بالتالي تقضي معظم الوقت بالتسكّع في الشوارع أو في المقاهي. أمّا الفئة الثانية فهي فئة الموظفين الذين يرون أنفسهم وهم يستهلكون كثيراً من الوقت في السيارة أو الحافلة أو سيارة أجرة وسط زحمة السير".
من جهته، يعترف رضوان (27 عاماً) بأنّه "ليس للوقت قيمة بالنسبة إلينا. فلا عمل ولا شغل". ويقول الشاب الذي تخرّج من الجامعة قبل خمس سنوات لـ"العربي الجديد" إنّ "تلك الأعوام مرّت بلمح البصر". وبعد رحلة البحث عن عمل بات المقهى مكانه المفضل "برفقة أصدقائي في المحنة". الوقت بالنسبة إلى رضوان وأصدقائه ما هو "إلا زمن عابر"، بحسب ما يشير مراد (28 عاماً). ويتابع أنّهم يقضونه في "الدردشة والحديث عن الأحلام التي لم تتحقق بعد. بذلك نقتل الوقت".
"قتل الوقت"، عبارة تتكرر على ألسنة الجزائريين لتصبح "عادية". وهؤلاء، خصوصاً العاطلين من العمل، يعترفون بأنّهم يقتلون الوقت، أي أنّهم لا يبالون بمرور الدقائق والساعات وهم لا يفعلون شيئاً سوى تدخين السيجارة وتناول القهوة.
في السياق، ثمّة جملة شائعة في الجزائر، خصوصاً في كبريات المدن التي تعرف ضغطاً رهيباً بسبب حجم زحمة السيارات في الشوارع، وهي: "نحن نكبر سناً وذلك في الشوارع وفي الازدحام"، نظراً إلى الوقت الضائع الذي يقضيه الجزائري خلال تنقله من مكان إلى مكان آخر.
محمد سالمي (71 عاماً) متقاعد يقضي وقته في حديقة قبالة بيته الواقع في قلب العاصمة الجزائرية. يقول لـ"العربي الجديد" إنّه دوماً يتساءل "من يشتغل في البلد"، نظراً إلى أعداد السيارات التي تجوب الشوارع في النهار. ويسأل كذلك: "متى يشتغل الجزائريون، ما دام الآلاف يقضون وقتهم في الشارع بين سيارة أو حافلة أو مقهى؟".
"أليس غريباً أن يقتل الجزائريون الوقت؟" فيجيب المتخصص في الاقتصاد فيصل شريفي أنّ "الجزائري يقضي نحو خمس ساعات في زحمة السير، خصوصاً في المدن الكبرى كالعاصمة الجزائرية وقسنطينة ووهران". ويشرح لـ"العربي الجديد" أنّ "الجزائري يحتاج إلى التنقل بين وسيلة نقل وأخرى وهو ما يسلتزم في الغالب ساعة أو ساعة وربع الساعة. يُضاف إلى ذلك تناول قهوة الصباح في مقهى قريب من مكان عمله ربما، وهو ما يستهلك نصف ساعة تقريباً. وفي المساء، يقضي تقريباً ساعتين أو أكثر في طريقه من مقرّ عمله إلى المنزل". ويشير شريفي إلى أنّ "احتساب الوقت بالنسبة إلى العاطلين من العمل أمر يختلف"، مؤكداً أنّ "مصطلح قتل الوقت أصبح شائعاً على خلفية الفراغ الذي يعيشه الآلاف بسبب البطالة التي تخطّت 12 في المائة في الجزائر. والعاطلون من العمل يرون في الوقت عدوّهم الوحيد. هم لا يفعلون شيئاً، بل إنّ الوقت أصبح بيت الداء". ويتابع أنّ "الجزائري يقضي وقته كذلك في الانتظار، إما في طوابير البريد أو مكاتب الأحوال المدنية أو المستشفيات".
من جهة أخرى، فإنّ الجزائري بحسب كثيرين "لا يحترم الوقت". ويقرّ البعض: "نحن لا نضع أجندة يومية لأعمالنا أو تحرّكاتنا أو جدولاً لتقسيم الوقت". فالجزائري غالباً ما يقول: "ماعليش نعملها غدوا". هو اعتاد ترك الأمور معلقة للغد، الذي يتضمّن متسعاً من الوقت بحسب ما يلفت خالد بن طالب لـ"العربي الجديد". ويوضح: "هو لا يرى في الوقت سوى زمن سوف يمرّ. ولا يجد فارقاً ما بين ساعة ونصف ساعة أو دقيقة وخمس دقائق".
بحث عن يوم إضافي
وفي حين لا يولي جزائريون كثر قيمةً للوقت، فإنّ آخرين يشْكون من ضيقه ومن أنّهم لا يجدون الوقت الكافي لتنفيذ أجنداتهم. هؤلاء هم من الموظفين والباحثين في الجامعات في آن واحد، خصوصاً. ويقول أحد هؤلاء بسخرية: "أنا أبحث عن يوم إضافي إلى أيام الأسبوع السبعة حتى أنجز ما يتراكم عليّ من مشاغل".