هكذا يعيش أهالي دوما أيامهم في ظلّ النظام

25 مايو 2018
عربة للنقل في دوما (لؤي بشارة/ فرانس برس)
+ الخط -
يأمل أهالي دوما أن يتمكّنوا من استئناف حياتهم مجدداً. وهم في انتظار إجراءات التسوية ليتمكنوا من ترميم منازلهم وغيرها. أما الشباب، فيأمل بعضهم العودة إلى جامعاتهم

تبدو الحياة شبه طبيعية في مدينة دوما في الغوطة الشرقية، بعد أيام من خروج "جيش الإسلام" إلى الشمال السوري، ودخول الأمن الداخلي التابع للنظام إليها في ظل وجود الشرطة العسكرية الروسية. على الرغم من مشاهد الدمار في المناطق السكنية، تفتح محال تجارية أبوابها ويلعب أطفال في الشوارع، ويشتري الناس بعض الحاجيات.

أبو عبدالله الدوماني (55 عاماً) من أهل دوما، وقد اختار البقاء في مدينته. يقول لـ "العربي الجديد" إنّ "الأوضاع حالياً مستقرة، فالمواد الغذائية متوفرة وبأسعار مقبولة. لكن ما زلنا نعتمد على مولدات الكهرباء الخاصة، ونشتري مياه الشرب من خلال صهاريج خاصة تبيع المياه". يضيف: "الحركة في النهار مقبولة. الناس يلتقون إما في المحال التجارية أو في الشارع، ويتبادلون الأحاديث عن مستقبل المدينة وإجراءات تسوية الأوضاع، ويتداولون أخبار من رحلوا إلى الشمال السوري. لكن، بعدما تغيب الشمس، نادراً ما يخرج أحد إلى الشارع. الظلام دامس ولا يضمن أحدهم ما قد يتعرض له".




من جهته، ينتظر فراس (25 عاماً) الانتهاء من إجراءات التسوية أملاً في استئناف حياته. يقول لـ "العربي الجديد": "يمنع النظام خروجنا من دوما إلى أن يستكمل إجراءات التسوية، ونحن ننتظر أن يأتي دورنا. أتمنى أن أستطيع متابعة دراستي الجامعية التي انقطعت عنها منذ عام 2012". يضيف: "عدد كبير من الشباب الموجود في دوما يأمل أن تسمح له التسوية بمتابعة دراسته أو الحصول على جواز سفر للخروج من البلاد"، معرباً عن خوفه من سعي النظام إلى تعطيل معاملاتهم ليسوقهم إلى القتال إلى جانب القوات النظامية "ما سيجعلنا نتعرض لابتزاز في ظل انتشار الفساد في النظام. في ظلّ الحصار، كانت العناصر على الحواجز تطلب المال في مقابل أن تدخل لنا ما نحتاج إليه. وحتى قبل الثورة، من يملك المال كان يحصل على ما يريد".

بدورها، تشعر أم ياسين، ابنة دمشق المتزوجة في دوما منذ 25 عاماً، بألم من جرّاء منعها من الخروج لزيارة أهلها في دمشق والاطمئنان على ابنها وابنتها العالقين هناك منذ نحو 6 سنوات، بسبب عدم تمكنهما من العودة إلى دوما في ظلّ العمليات العسكرية. تقول لـ "العربي الجديد": "لم يسمحوا لأي أحد ممن بقي في دوما بالخروج منها بحجة إجراء تسوية. لماذا نقوم بتسوية وجرمنا الوحيد أننا بقينا في بيوتنا؟ نُعامل اليوم كإرهابيين. النظام لا يرانا إلا إرهابيين فقط لأننا من دوما".

تضيف: "أي مصالحة يتكلم عنها النظام إذا كان يقول إن هناك مؤامرة على الدين الحنيف؟ حتى اليوم، لا أفهم الربط بين الدين وما حدث في دوما وغيرها من المناطق". وتعرب عن قلقها من تعرض عائلتها للانتقام، أو إخراجهم من منازلهم بحجة الدمار الكبير فيها، "ما قد يحرمنا منها".

بدوره، يترقّب أبو ياسين فتح الحواجز أمام مواد البناء، حتى يتمكّن من ترميم بيته. يضيف لـ "العربي الجديد": "حظّي أفضل من عدد كبير من أبناء دوما، لأن شقيقَي في دول الاغتراب" يساعدانه منذ سنوات، وقد وعداه بدعمه لاستئناف عمله التجاري. إلّا أنّ عدداً كبيراً من أبناء دوما ليس لديهم إمكانية شراء طعامهم اليومي، وكلّ ما يملكونه هو منزلهم المتضرر بشكل أو آخر. هؤلاء قد ينتظرون سنوات لترميم منازلهم. ويأمل أبو ياسين أن "يفكّ النظام القيود على حركة أهل المدينة قريباً، ليعودوا إلى أعمالهم وأراضيهم، ويبنوا حياتهم من جديد".

أما أبو سليمان الدوماني (50 عاماً)، الذي نزح من دوما منذ عام 2012، فيقول لـ "العربي الجديد": "قبل أيام، زرت عائلتي في دوما، وبقيت عندها نحو أسبوع. لم يسلم أي شارع من الدمار، كما أن آثار الحرب بادية على كل منزل. ما زالت المدينة بلا كهرباء، ويعتمد الناس على المولدات. يتحدث الناس عن الحرب والحصار، إضافة إلى ما تعرضوا له خلال دخول الأمن الداخلي. يضيف الدوماني أن أحد أقربائه هُدّد بالسلاح، وقد سلب العناصر الحلي الذي كانت ترتديه زوجته، إضافة إلى 200 ألف ليرة سورية كانت في منزله".

ويقول الدوماني إن حركة الناس في المدينة ما زالت محدودة: "أعتقد أنها تحتاج إلى سنوات لتعود كما كانت، إن عادت"، مبيّناً أنه لا يفكر في العودة إلى مدينته في المدى المنظور. خلال السنوات الأخيرة، استقر في المنطقة التي يسكنها وأسس عملاً، وهو غير قادر على العودة إلى دوما للبدء من جديد، خصوصاً أن مستقبل المنطقة لم يتضح حتى اليوم.




ويوضح أنّ الناس بقوا في المدينة كي لا يخسروا أرزاقهم وأراضيهم. هم على قناعة بأنهم في حال خرجوا منها، سيحتلها النظام وشبيحته والإيرانيون. لذلك، قرروا المجازفة بحياتهم في مقابل الحفاظ على ممتلكاتهم. إلا أنهم في قرارة أنفسهم، لا يمكن أن ينسوا ما فعله بهم النظام، "ولا أعتقد أن السنوات ستمحي هذا الجرح العميق الذي ستتناقله الأجيال على الرغم مما يُقال على شاشات التلفزيون من تمجيد للنظام وقواته. من الصعب أن ننسى أو نسامح من دمر بيوتنا وهجرنا وشتت عائلاتنا".