هكذا يصل المهاجرون إلى ليبيا

01 فبراير 2018
(محمود تركية/ فرانس برس)
+ الخط -

"الهجرة إلى ليبيا لا تحصل دائماً بطرق غير قانونية، بل يصل إلى البلاد مهاجرون بطريقة قانونية، وهنا يتحولون إلى مهاجرين غير شرعيين". هذا ما يقوله مسؤول أمني في جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية في طرابلس، خلال حديثه لـ"العربي الجديد" عن خفايا هذا الملف وأسراره، والذي بات يؤرّق دولاً أوروبية عدّة. ويشرح أنّ "انتشار مكاتب استقدام اليد العاملة الأجنبية والإقبال على استصدار تراخيص لفتحها، استرعى انتباه بعض الأجهزة الأمنية التي اكتشفت أنّ هذه المكاتب تستقدم عمالاً من بنغلادش ودول أفريقية مختلفة"، مؤكداً أنّ "التحقيق مع بعض الوافدين من خلال هذه المكاتب يظهر أنّهم وصلوا إلى ليبيا بهدف الهجرة إلى أوروبا بواسطة قوارب الموت".

يضيف المسؤول الأمني الذي تحفّظ عن ذكر هويته، أنّ "مسؤولي هذه المكاتب يتهرّبون من المسؤوليّة ويبرزون مستندات تثبت صحة إجراءاتهم، وأنّ المسؤولية لا تقع على عاقتهم بعد وصول العامل إلى ليبيا وتحوّله إلى مهاجر غير شرعي. ويشير إلى أنّ مكاتب أخرى تورّطت بشكل كبير في جرائم مماثلة، بعدما تبيّن أنّ الشركات التي تعاقدت معها في ليبيا لاستقدام العمال وهميّة، لا وجود لها". ويوضح أنّ "رحلة المهاجرين عبر هذه المكاتب أكثر أمناً وأقل كلفة، بالمقارنة مع الرحلة عبر الصحراء التي قد تكلّف المهاجر حياته"، مؤكّداً أنّ "في طرابلس وحدها 13 مكتباً لاستقدام العمال، وهذه المكاتب تعمل بطريقة رسمية ولديها تراخيص. لكنّ مكاتب أخرى لا يقلّ عددها عن عشرة تعمل من دون تراخيص، وهي متورّطة بشكل مباشر في الإتجار بالبشر".

وعن جهود الجهات الأمنية للحد من الإتجار بالبشر، يقول المسؤول الأمني نفسه إنّ "التحقيقات وصلت إلى مراحل متقدّمة، لكنّها توقفت بعدما اكتشفت تورّط موظفين في سفارات ليبية في دول أفريقية. ويعمل هؤلاء كملحقين في تلك الدول، ويرشّحون إلى هذه المناصب من خلال وزارة العمل والتأهيل". وإذ يشدّد على أنّه "بسبب نفوذ بعضهم توقفت التحقيقات"، يلفت إلى أنّ "هؤلاء الملحقين وقّعوا على موافقة لاستقدام عمال لشركات وهمية".


وهؤلاء العمال بحسب المسؤول الأمني "يصلون تحديداً من دول المغرب والصومال وإريتريا وبنغلادش للعمل في شركات نظافة أو منازل أو في المزارع. لكنّه عُثر على كثيرين منهم على متن قوارب الهجرة في عرض البحر، ما يؤكد مجيئهم إلى ليبيا عبر تلك المكاتب بقصد الهجرة إلى أوروبا عبر البحر".

ويكشف المسؤول الأمني عن أمر آخر لا يقلّ خطورة تمارسه هذه المكاتب وهو "التوسّط بين مهرّبي بشر وأهالي المهاجرين للحصول على مكاسب مادية". ويقول إنّ "عصابات عدّة تبتزّ أهالي المهاجرين لدفع أموال في مقابل حياة أبنائهم، ويكون تحويل هذه الأموال عبر هذه المكاتب التي تعيّن مندوبين ووكلاء في دول عدّة إذ لا يمكن إيداع أموال في المصارف". ويشير إلى أنّ "كشف مثل هذه الجرائم قد بدأ بعد ورود معلومات من الجانب المصري، وقد اعتقل ممثلّو مكاتب ليبية في مصر، كانوا وسطاء بين أهالي مختطفين لدى عصابات التهريب". يضيف أنّه "من جهة أخرى، تعمل عصابات التهريب في الصحارى والمناطق البعيدة. لذلك، لجأت إلى الاتفاق مع هذه المكاتب التي لا تعدّ بعيدة عن أعمال تهريب البشر، لتكون وسيلة لوصول الأموال".


في السياق، يبيّن المسؤول الأمني أنّ "بيانات الجهاز تشير إلى أنّ 25 في المائة من المهاجرين غير الشرعيين في ليبيا، وصلوا عبر تلك المكاتب"، مشيراً إلى أنّ "التقدم الذي تحرزه حكومة الوفاق في ملف الهجرة غير الشرعية سوف يشجع كثيراً على إعادة فتح التحقيقات وكشف دور تلك المكاتب في أعمال مماثلة".

ولدى سؤال وزارة العمل والتأهيل عن عدد هذه المكاتب إذ إنّها الجهة التي تمنح التراخيص، يقول المسؤول في مكتب التخطيط في الوزارة، معمر الدهماني، لـ"العربي الجديد" إنّ "الحكومة ما زالت تعمل بقرار حكومي صادر في فبراير/ شباط من عام 2013، يقضي بمنع استقدام العمالة إلى البلاد". يضيف: "وقد ثبت أنّ تراخيص منحت بعد هذا التاريخ من قبل حكومة الإنقاذ السابقة، لكنّها قليلة جداً. بالتالي، فإنّ مكاتب عدّة تعمل حالياً بتراخيص قديمة، على الرغم من أنّ القرار يقضي بتجميد أعمال المكاتب القديمة ووقف إصدار تراخيص جديدة". ويؤكد الدهماني أنّه "لا نريد أن نتهم أو نتوسّع في الحديث عن هذا الأمر، إذ إنّه قيد المراجعة والتحقيق. لكنّ حكومة موازية في شرق ليبيا منحت عشرات التراخيص والأذونات لفتح تلك المكاتب، وهي تعمل بشكل واسع في جنوب البلاد وشرقها".
المساهمون