هكذا نسقط

18 أكتوبر 2014
+ الخط -

حين تهبُّ الريح، فتسقطُ ورقةٌ من الشجرة، نقولُ إن الريح هي التي أسقطت الورقة. لكن، في الحقيقة ليست الريح هي التي أسقطت الورقة من غصنها، بل ضعف "ارتباط" الورقة بالغصن هو الذي أسقطها، لأن الورقة كانت ستسقط، ولو بعد فترةٍ، سواءً من الريح أو من دونها. وكذلك حين يصطدم شيخٌ طاعنٌ في السن بحجرٍ ما، فيقعُ ميتاً، نقولُ إن هذا الحجر هو الذي قتله، أو هو الذي تسبّبَ في قتله. لكن، في الواقع ليس الحجر هو الذي قتله، إنما هشاشة عظامه، وضعف جسده، وهزالة أعضائه، هي التي قتلته.

هكذا يسقط الأفراد، وتسقط المجتمعات، وتسقط الدول والأنظمة والتنظيمات وغيرها؛ فسقوط الفرد عائلياً يكون نتيجة ضعف ارتباطه بالعائلة، وسقوط المجتمع يكون نتيجة ضعف العلاقات الداخلية بين أفراده وتفككها، وسقوط الأنظمة الحاكمة يكون نتيجة تفسّخٍ وتفكّكٍ في مكوّناتها، وضعفٍ في العلاقات الرابطة بينها وبين شعوبها، وكذلك بالنسبة إلى التنظيمات والدول، وكل الأجسام التي يُفترض أن تعمل أعضاؤها بتناغم وتناسق وترابط، لأجل الصالح العام لتلك الأجسام.

فليكن الجسد المادي الحي مثالاً لنا في كل شيء: إنه يتكوّن من مجموعة أعضاء، وكل عضوٍ يؤدي دوراً وظيفياً معيناً، ووظيفة كل عضو تختلف عن وظيفة العضو الآخر. لكن، هذا "الاختلاف" لا يعني "تفرّداً بالعمل والقرار"، ولا يعني "انفصالاً عن الآخر"، طالما هناك "روابط" تربط بين كل عضوٍ وآخر. ففي النهاية، كل هذه الوظائف "المختلفة" تعملُ لأجل استمرارية الجسد، أي الهدف.

سلامة الجسد وقوته متعلقتان بسلامة الأعضاء ووظائفها، فكلما كانت الأعضاء سليمةً، ومحط اهتمام وعناية، كان الجسد، بكليته، سليماً وقادراً على مواجهة "الأمراض" التي قد تأتي من الخارج. لكن إهمال خللٍ بسيط في عضوٍ ما، يعني ترك الباب مفتوحاً أمام انهيارٍ سيصيب الجسد كله مستقبلاً. ففي الجسد لا نستطيع الاعتماد على "صناديق الاقتراع" لنقرّر أنه سليم ما دام حجم الصحة فيه يفوق حجم المرض... أليست الأنظمة أجساداً؟ أليست المعارضات أجساداً؟  
 
المناعةُ الداخلية لأي جسمٍ سياسي، أو اجتماعي، أو غيره، تصبح قوية، كلما أصبحت العلاقات والارتباطات الداخلية بين مكوناته قوية. فنحنُ نعرفُ في الطب أن استقبال الجسد للمرض، من دون مقاومة، يكون بسبب مناعته الضعيفة. فمن أجل الحفاظ على قوة المناعة، يجب النظر إلى كل مكوّنات الجسد على أنها متساوية في الأهمية، بغض النظر عن تراتبية الأدوار. هل كان يمكنُ لمرضٍ مثل تنظيم "الدولة الإسلاميّة" أن يسيطرَ على أجزاء واسعةٍ من أجساد المنطقة، لو لم تكن مناعاتها الداخلية ضعيفة؟

نكادُ لا نجدُ في التاريخ قصةَ سقوطٍ، إلا وهي تحملُ، بين طياتها، تلك المناعة الداخلية الضعيفة التي سمحت للسقوط بأن يكون. فأعظم الإمبراطوريات سقطت، ليس بسبب قوة العدو بالدرجة الأولى، بل بسبب ضعف مناعتها الداخلية. ليس بسبب الخارج، بل بسبب الداخل، إذ إن مجموعةً صغيرةً متكاتفة ومتجانسة ومترابطة تستطيع الوقوف، بصمودٍ عظيم، أمام جيشٍ جرّار متفكّك داخلياً.

بما أن قوة أي شعبٍ أو دولةٍ أو تنظيم أو تيار مرتبطة بالمناعة الداخلية، فإن هذه المناعة باتت الأهم بالنسبة إلى كلّ الجهات التي تسعى إلى السيطرة على تلك الدولة، أو ذلك الشعب. فلكي أتمكّنَ من الدخول "كمرض" إلى "جسد" دولة ما، يجب عليّ، أولاً، أن أعملَ ما في وسعي، من أجل إضعاف المناعة الداخلية لتلك الدولة، حتى تتم عملية السيطرة من دون تكلفةٍ زائدة، ومن دون مقاومةٍ فعّالة من جهة تلك الدولة. ولكي أستطيعَ، كمستبدٍ، أن أحكمَ شعباً واستمرّ في حكمه، عليّ أن أقتلَ كل ما يمكن أن يربط بين مكوّنات هذا الشعب وأفراده، وكل ما يمكنُ أن يقفَ في وجهي يوماً ما. وهذا ما تقومُ به القوى الرأسمالية الكبرى كجهاتٍ خارجية، والقوى الاستبدادية الحاكمة كجهاتٍ داخلية في المنطقة.

إن تجربة المناعة الداخلية يُفترض أن تكون ذات أهمية بالغة، خصوصاً بالنسبة إلى المعارضات التي لا سندَ لها، ولا صديق، سوى الشعوب التي أنهكتها الأنظمة الاستبدادية الحاكمة، وعملت على تفكيكها وتفتيتها، بما يخدم مصالح تلك الأنظمة واستمراريتها.

avata
avata
عماد حسين أحمد (سورية)
عماد حسين أحمد (سورية)