كان "اريك ملك إسرائيل"، الهتاف الأكثر شيوعاُ تأييداً لرئيس الحكومة الاسرائيلي الأسبق أرييل شارون في أعقاب حرب لبنان ومجازر صبرا وشاتيلا. هتاف ردده الآلاف من رجال اليمين الإسرائيلي تضامناً مع رئيس حكومتهم بعد تقرير لجنة "كاهان" عام ١٩٨٣ حول دوره في مجازر صبرا وشاتيلا. وظل الهتاف يدوي داخل مؤسسات حزب "الليكود" إبان حكم مناحيم بيغن، ولاحقا في أيام حكومتي الوحدة الوطنية اللتين قادهما كل من اسحاق شامير وشمعون بيريز، واللذين ابعدا بدورهما أرييل شارون عن وزارة الأمن.
غير أن تعامل صحافة إسرائيل صباح رحيل شارون يوم الأحد الماضي يثبت أن "أريك"، وهو اختصار كلمة أرييل شارون، لم يكن ملك إسرائيل بقدر ما كان ملك صحافتها وكتابها. لقد امتلأت الصفحات بالتقارير المصورة عن شارون، مبينة صورة متسامحة مع من ورط دولة الاحتلال في أشنع حروبها؛ حرب لبنان، ومن ارتكب أكبر عدد من المذابح تحت غطاء رسمي؛ بدءا من مذبحة قبية عام ١٩٥٣، التي راح ضحيتها نحو ٦٩ شهيدا فلسطينيا، مرورا بمذابح صبرا وشاتيلا، وليس انتهاء بحرب "السور الواقي" عام ٢٠٠٢، التي أعادت فيها اسرائيل احتلال مدن الضفة الغربية وحاصرت الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.
اللافت في كتابات الصحف الاسرائيلية حول رحيل القاتل شارون أن من رثاه من الكتاب والسياسيين محسوب بشكل خاص على اليسار الإسرائيلي وليس فقط حزب "العمل". فقد أفرد النائب في الكنيست، عن حزب "ميرتس" اليساري والصحافي السابق في صحيفة "هآرتس"، نيتسان هوروفيتس، مقالا خاصا لم يشر فيه لا من قريب ولا من بعيد الى مجازر، بل أبرز "خفة دم شارون وروح الفكاهة" التي تمتع بها، خلال أول زيارة له للولايات المتحدة في عهد جورج بوش الأب.
هكذا خرجت الصحف الإسرائيلية دون استثناء، بمقالات وصفت فيها شارون بأنه آخر رجالات إسرائيل من جيل حرب النكبة ، أي الذين حاربوا في العام 1948 ويعرفون في الثقافة الإسرائيلية السياسية والعسكرية بجيل "تشاح" أي جيل العام 48 وفق التقويم العبري.
واختار كل من عاموس هرئيل وأمير أورن في "هآرتس" التركيز على "مدرسة شارون العسكرية"، على اعتبار أنه من وضع التصور لحدود إسرائيل، عبر إقامة جدار الفصل والانسحاب من قطاع غزة. لم يأت الاثنان على ذكر مذابحه، واكتفيا بالإشارة إلى حرب لبنان إشارة عابرة. اختفى تعبير مجرم الحرب في الصحافة الاسرائيلية، باسثناء فقرة في مقالة لجدعون ليفي في "هآرتس".
في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ذرف إيتان هابر، صديق إسحاق رابين ومدير ديوانه، دموعه على شارون، واصفاً إياه بالمهندس الذي خطط ورسم خرائط إسرائيل؛ الأمن، الحدود والاستيطان. فيما كشق زميله أهرون برنيع، المعروف بميوله اليسارية "سر شارون"، فقال إن الأخير يمثل إسرائيل أكثر من أي إسرائيلي آخر؛ أنه الإسرائيلي الجديد الذي حلم به آباء الصهيونية؛ من مواليد البلاد، جميل الطلعة، قوي البنية، مزارع، وجندي لمدى الحياة". كتب برنيع متناسياً تاريخ شارون الدموي يقول: "أذكر على نحو لافت إنسانيته، زيارتي له في مزرعته، حيث وافق أن يريني أطلال القرية العربية التي تقوم عليها مزرعته، على نفس التلة التي دفن فيها شارون زوجته الثانية، ليلي، وحيث طلب أن يدفن أيضا".
هذه هي إنسانية شارون بحسب برنيع: مدفن له ولزوجته فوق أنقاض قرية فلسطينية هدمها الاحتلال، وغير شارون اسمها لتصبح تلة شقائق النعمان المصطعنة، التي دفنت تحتها قرية تل الهوج الفلسطينية.
برنيع استذكر شارون بابتسامته؛ ابتسامة الجد، وليس شارون بملابسه العسكرية وعصابة الشاش على جبهته التي اشتهر فيها خلال حرب الغفران.
بالنسبة لصحافيي اسرائيل، فان شارون يمثل لهم إسرائيل التي حلم بها الآباء، وإن كان في قلبهم غضب عليه لأنه ورط إسرائيل إعلاميا. غير أنهم ساعة الامتحان، عادوا بسرعة إلى حضن القبيلة. غفروا للقاتل جرائمه كلها. وكيف لا يفعلون ذلك والضحية عربي؟ فضلوا أن يبرزوا دور شارون في "محاربة الإرهاب"، وحفظ أمن إسرائيل، وأراحوا "ضمائرهم " بعبارة فارغة المضمون، فقالوا إن شارون كان موضع خلاف، لكن مساهمته لأمن إسرائيل وحدودها فوق كل خلاف.