تحوّلت محافظة دير الزور في المنطقة الشرقية من سورية، منذ شهر يوليو/ تموز 2014 إلى منطقة منبوذة ملوثة بالإرهاب، جراء سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عليها. وبات كلّ من تقطعت به السبل وبقي تحت سطوة التنظيم "إرهابياً" في نظر الآخرين حتى يثبت العكس، فحرم الأهالي الذين ما زالوا في المحافظة من أبسط حقوقهم كبشر. هذا التعاطي لا يفرّق بين بالغ أو طفل، وإن كان الأطفال هم الضحية الأكبر في هذه المأساة، فقد تركوا فريسة سهلة للتنظيم لتجنيدهم وزجّهم في جبهات القتال. فقد الأطفال حياتهم مرتين بينما يراقبهم العالم.
يقول مسؤول توثيق الانتهاكات في المنطقة الشرقية ضمن "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" محمد الخليف، لـ"العربي الجديد": "الجميع يحمل مسؤولية وصول الأطفال إلى مثل هذا الوضع الكارثي الذي نشهده اليوم في دير الزور". يشرح: "في بداية الثورة عام 2011 كان الأطفال ممنوعين من الذهاب إلى المدرسة، وفي عام 2012 أغلقت نحو 70 في المائة من المدارس، وفي عام 2013 زادت النسبة إلى أكثر من 80 في المائة خصوصاً في الريف، في حين بقيت بعض المدارس في المدن الرئيسية، مثل البوكمال والميادين ومدينة دير الزور (مركز المحافظة)، وسرعان ما تحول جزء من المدارس إلى مقرات عسكرية ومكاتب إعلامية وإغاثية".
يضيف: "لم تولِ الجهات المسيطرة حينها اهتماماً كافياً لمسألة فتح المدارس خصوصاً في الريف، في حين كانت المدارس المتبقية تعاني من عدم انتظام الدوام فيها، فقد تفتح أبوابها يوماً واحداً فقط خلال الأسبوع، كما كان الأهالي يمنعون أبناءهم من الذهاب إلى تلك المدارس خوفاً من القصف. بمرور الأيام، أصبحت المدارس العاملة محدودة جداً، وفي مناطق عديدة اقتصر التعليم على بعض المبادرات التطوعية لتعليم القراءة والكتابة". يتابع: "مع انعدام التعليم وانعدام أيّ مساحة للعب، عانى الأطفال من فراغ كبير في حياتهم".
يلفت إلى أنّ "الأحوال بقيت على هذا المنوال حتى دخول داعش في الشهر السابع من عام 2014، حين أصدر منذ البداية قراراً بإغلاق كلّ المدارس إلى حين وضع مناهج جديدة، بالرغم من أنّ تلك المرحلة كانت قد ألغيت قبلها بفترة مناهج النظام، وكانت تقتصر على كراسات لمبادئ اللغة العربية والرياضيات وغيرها من المعارف. ترافق وضع المناهج وإقامة دورات شرعية ملزمة للمدرسين، وجهوهم عبرها لزراعة فكر داعش في نفوس الأطفال. كانت الدورة الواحدة تستمر 40 يوماً".
اقــرأ أيضاً
يتابع: "في بداية عام 2015 فتح داعش المدارس وطبع مناهج جديدة كانت تغص بالعنف وتحض على القتل. أذكر على سبيل المثال في كتاب الرياضيات في المرحلة الابتدائية كانت إحدى المسائل تقول: لدينا 5 مرتدين و10 رصاصات، كم رصاصة نحتاج لقتل المرتدين؟"، ويقول: "كذلك، اعتمد التنظيم على الحفلات الدعوية والإصدارات المبهرة بصرياً ذات الرسالة العنفية المحرضة على القتل، عبر دعاته الذين كانوا يقيمون تلك الحفلات في الأسواق، ويوزعون خلالها الهدايا، فكانت تترك أثراً كبيراً يجذب الأطفال ويولّد لديهم رغبة جامحة في الانضمام إلى التنظيم. في المقابل، منع التنظيم التلفزيون والراديو قاطعاً تواصل السكان مع العالم الخارجي، وبات هو الإعلام الوحيد وبات أبطال إصداراته أبطالاً في نظر هؤلاء الأطفال الذين بدأوا في تمثيل ما يشاهدونه في الإصدارات خلال لعبهم في المنازل والطرقات".
يشير الخليف إلى أنّ تنظيم "داعش" وزع في القرى والأحياء كتبه وإصداراته، وحتى ألعابه الإلكترونية، بالتزامن مع فرض دروس دعوية تغذي الرغبة بالقتال لدى الأطفال بأعمار تراوح ما بين 8 سنوات و12 سنة مدعومة بحوافز عدة، منها المال. وكان "كلّ ذلك لغسل أدمغتهم"، كما يقول.
وعن دور الأهل في توجيه أطفالهم، يقول إنّ "هذا الدور مغيّب تماماً، في ظل تضييق التنظيم، وافتقاد معظم العائلات لمعيلها وشبابها، إما بسبب السفر أو القتل أو الاعتقال أو الاختفاء. لم يبقَ في المنزل سوى النساء والأطفال. الأمهات في ريف دير الزور عموماً غير مثقفات بل ربات منازل فحسب، ما يجعل قدراتهن على مواجهة دعاية التنظيم محدودة". يلفت إلى أنّ "التنظيم يطلب من الأطفال إبلاغ مركز الحسبة في حال منع أحد ذويهم لهم من الالتحاق به، ليتولى عناصر الحسبة تهديد عائلة الطفل بالقتل أو الاعتقال في حال منعه مرة أخرى".
يأخذ التنظيم الأطفال إلى معسكرات قتالية انطلاقاً من جلسات الدورات الشرعية التي ينظمها لهم، إذ يعرض عليهم مبايعة التنظيم. يغرى الطفل بالذهاب في المعسكرات والتدرب على السلاح، ليحاكي شخصية البطل التي تجذب الطفل وتعطيه شعوراً بأنّه أصبح رجلاً يحمل سلاحاً ولديه سلطة، بالإضافة إلى دوافع أخرى، كالرغبة في الانتقام التي تولدها مجازر الطيران الحربي، واستغلال الحاجة المالية للطفل وعائلته، فيقدم التنظيم الرواتب ويوزع المساعدات الغذائية، بحسب الخليف.
يلفت الخليف إلى أنّ المجتمع في المنطقة يحتقر عائلات الأطفال الذين يقاتلون مع "داعش" وعندما يُقتل هؤلاء الأطفال يوصفون بأبشع الأوصاف. لكنّه يعتبر أنّ "الأطفال في مناطق سيطرة داعش عموماً ودير الزور خصوصاً، قتلهم الجميع، بدءاً ممن منعهم من الذهاب إلى المدارس، ثم عائلاتهم التي لم تخرجهم من مناطق التنظيم، ثم الإعلام الذي يصوّرهم مجرمين إرهابيين، من دون أن يبحث في الأسباب التي أوصلتهم إلى هنا".
اقــرأ أيضاً
يقول مسؤول توثيق الانتهاكات في المنطقة الشرقية ضمن "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" محمد الخليف، لـ"العربي الجديد": "الجميع يحمل مسؤولية وصول الأطفال إلى مثل هذا الوضع الكارثي الذي نشهده اليوم في دير الزور". يشرح: "في بداية الثورة عام 2011 كان الأطفال ممنوعين من الذهاب إلى المدرسة، وفي عام 2012 أغلقت نحو 70 في المائة من المدارس، وفي عام 2013 زادت النسبة إلى أكثر من 80 في المائة خصوصاً في الريف، في حين بقيت بعض المدارس في المدن الرئيسية، مثل البوكمال والميادين ومدينة دير الزور (مركز المحافظة)، وسرعان ما تحول جزء من المدارس إلى مقرات عسكرية ومكاتب إعلامية وإغاثية".
يضيف: "لم تولِ الجهات المسيطرة حينها اهتماماً كافياً لمسألة فتح المدارس خصوصاً في الريف، في حين كانت المدارس المتبقية تعاني من عدم انتظام الدوام فيها، فقد تفتح أبوابها يوماً واحداً فقط خلال الأسبوع، كما كان الأهالي يمنعون أبناءهم من الذهاب إلى تلك المدارس خوفاً من القصف. بمرور الأيام، أصبحت المدارس العاملة محدودة جداً، وفي مناطق عديدة اقتصر التعليم على بعض المبادرات التطوعية لتعليم القراءة والكتابة". يتابع: "مع انعدام التعليم وانعدام أيّ مساحة للعب، عانى الأطفال من فراغ كبير في حياتهم".
يلفت إلى أنّ "الأحوال بقيت على هذا المنوال حتى دخول داعش في الشهر السابع من عام 2014، حين أصدر منذ البداية قراراً بإغلاق كلّ المدارس إلى حين وضع مناهج جديدة، بالرغم من أنّ تلك المرحلة كانت قد ألغيت قبلها بفترة مناهج النظام، وكانت تقتصر على كراسات لمبادئ اللغة العربية والرياضيات وغيرها من المعارف. ترافق وضع المناهج وإقامة دورات شرعية ملزمة للمدرسين، وجهوهم عبرها لزراعة فكر داعش في نفوس الأطفال. كانت الدورة الواحدة تستمر 40 يوماً".
يشير الخليف إلى أنّ تنظيم "داعش" وزع في القرى والأحياء كتبه وإصداراته، وحتى ألعابه الإلكترونية، بالتزامن مع فرض دروس دعوية تغذي الرغبة بالقتال لدى الأطفال بأعمار تراوح ما بين 8 سنوات و12 سنة مدعومة بحوافز عدة، منها المال. وكان "كلّ ذلك لغسل أدمغتهم"، كما يقول.
وعن دور الأهل في توجيه أطفالهم، يقول إنّ "هذا الدور مغيّب تماماً، في ظل تضييق التنظيم، وافتقاد معظم العائلات لمعيلها وشبابها، إما بسبب السفر أو القتل أو الاعتقال أو الاختفاء. لم يبقَ في المنزل سوى النساء والأطفال. الأمهات في ريف دير الزور عموماً غير مثقفات بل ربات منازل فحسب، ما يجعل قدراتهن على مواجهة دعاية التنظيم محدودة". يلفت إلى أنّ "التنظيم يطلب من الأطفال إبلاغ مركز الحسبة في حال منع أحد ذويهم لهم من الالتحاق به، ليتولى عناصر الحسبة تهديد عائلة الطفل بالقتل أو الاعتقال في حال منعه مرة أخرى".
يأخذ التنظيم الأطفال إلى معسكرات قتالية انطلاقاً من جلسات الدورات الشرعية التي ينظمها لهم، إذ يعرض عليهم مبايعة التنظيم. يغرى الطفل بالذهاب في المعسكرات والتدرب على السلاح، ليحاكي شخصية البطل التي تجذب الطفل وتعطيه شعوراً بأنّه أصبح رجلاً يحمل سلاحاً ولديه سلطة، بالإضافة إلى دوافع أخرى، كالرغبة في الانتقام التي تولدها مجازر الطيران الحربي، واستغلال الحاجة المالية للطفل وعائلته، فيقدم التنظيم الرواتب ويوزع المساعدات الغذائية، بحسب الخليف.
يلفت الخليف إلى أنّ المجتمع في المنطقة يحتقر عائلات الأطفال الذين يقاتلون مع "داعش" وعندما يُقتل هؤلاء الأطفال يوصفون بأبشع الأوصاف. لكنّه يعتبر أنّ "الأطفال في مناطق سيطرة داعش عموماً ودير الزور خصوصاً، قتلهم الجميع، بدءاً ممن منعهم من الذهاب إلى المدارس، ثم عائلاتهم التي لم تخرجهم من مناطق التنظيم، ثم الإعلام الذي يصوّرهم مجرمين إرهابيين، من دون أن يبحث في الأسباب التي أوصلتهم إلى هنا".