هكذا تعلم أولادي القناعة

26 سبتمبر 2016
لا يهم شراء الملابس للإحساس بفرحة العيد (Getty)
+ الخط -
كان من الضروري أن نخرج من مناسبة العيد بدرس جديد. لم أكن أحب كأم أن يستمر أولادي على عادة قد لا تسمح الظروف بتكرارها فتقلبات الزمن لا ترحم، وهكذا تعلموا درساً تعلمته أنا قبلهم بسنوات بعيدة، فقد عودتنا أمي ألا نشتري الملابس الجديدة بمناسبة العيد الكبير، ولكن كان من الصعب أن يقتنع أولادي بذلك وهم لايزالون في مرحلة الطفولة، وأصبح شراء ملابس جديدة للعيدين وبفاصل سبعين يوما قرارا لا فصال ولا جدال فيه، وبغض النظر عن ميزانية الأسرة المتواضعة  التي لا تختلف عن ميزانية باقي الأسر العربية وخصوصا في فلسطين.



مبدأ أمي

قررت إقناعهم باتباع مبدأ أمي وعدم شراء ملابس جديدة للعيد الكبير واستثنيت الصغيرة "آخر العنقود" من القرار، الذي وافقوا عليه لاحقا. وأسعدني أنهم تحمسوا لشراء ملابس جديدة للصغيرة واستعجلوا نزولي إلى السوق قبل ازدحام الأسواق. وقد استغرق الأمر مني وقتا ليس هيناً، لكي يقتنعوا ويتخلوا عن عادة استمرت لسنوات، وكنت أراها أمراً مسلماً به. ولكن مع اقتراب موعد العيد أوشكت مقاومتهم أن تنهار أمام العروض والتخفيضات التي تزخر بها الأسواق، وبدأوا يفكرون بالعدول عن قرارهم بعدم شراء ملابس ستجرني إلى شراء أحذية وإكسسوارات وحتى أحزمة جلدية رجالية لاستكمال الوجاهة في ذلك اليوم.


اكتشفت أن ما قمت به من جهد يقترب أن يصبح هباء منثورا أمام إغراءات البضائع التي أبهرت أولادي، وأصوات الباعة التي تتعالى بالترغيب وتفلح في سحب المال من الجيوب، وشعرت فعلا أنني أمام تحد كبير، ويجب أن تنتصر قناعاتي، فتوجهت لابني الثاني والذي كان متحمسا للالتحاق بدورة للحصول على مستوى عال في اللغة الإنكليزية، وأعلنت له أني قررت أن أخصص المال الذي كان من المفروض أن أدفعه لطقم من الملابس ليصبح رسوما للالتحاق بالدورة، فسرح ابني ببصره طويلا، ثم قال لي: هل طقم الملابس يساوي في قيمته ما سأحصل عليه من معرفة وعلم عند التحاقي بهذه الدورة؟


كيف تغيرت القناعات؟

وهكذا اقتنع ابني أن الملابس النظيفة والمكوية ستؤدي غرضها يوم العيد، وبدأت أحدث الجميع

أن العيد ليس مظاهر وأن علينا أن نستشعر الحكمة منه، ويكفي أن نفرح بوجودنا معا وبالأمن الذي ننعم فيه في حين أن شعوباً أخرى قد تهجرت وتشردت وفقدت عوائلها، وكنت حريصة على تعديد مظاهر بهجتنا بالعيد بدءا بالخراف وصوتها المستغيث المنطلق من بيوت الجيران ومروراً بالتكبيرات، وانتهيت بالملابس الجديدة.


سعادتي لا توصف أمام اقتناع أولادي بعدم مجاراة العروض والتنزيلات وبأنها عبارة عن بضائع قاربت على الكساد ويقع المستهلك ضحيتها غالبا، ولكن موقفهم من شراء ملابس للصغيرة كان أكثر ما أسعدني في ظل ما نراه للأسف من تخلي الأخوة عن بعضهم وتفرقهم حين يكبرون ويرحل الوالدان، وطالما أرقني مستقبل الصغيرة لو لم يسعفني العمر لأكمل مشواري معها في تربيتها وتعليمها، ولكني وجدت من أخوتها الكبار ما أثلج قلبي.


أولادي أكتشف فيهم يوما بعد يوم قدرات ومواهب جديدة طالما غفلت عنها باقتناعهم أن الاستثمار الحقيقي هو ما حصلوا عليه فعلا من تعليم وثقافة وشهادات وخبرات حرصت أن يتزودوا بها مهما كلفني ذلك من مال، وأن المظاهر الزائفة لن تزيد على استثماراتي فيهم شيئا، ولم أكن لأدع لهم مجالا ليقارنوا أنفسهم بغيرهم من رفاقهم الأثرياء لأنني فتحت عيونهم على كل ما حققناه وأنجزناه معا، وبأن ابنة الجيران الثرية التي تشتري ثلاثة أطقم جديدة في العيد، تحتاج لثلاثة مدرسين خصوصيين لكل مادة لكي تنجح كل عام.

المساهمون