09 يونيو 2017
هشاشة ومناعة أظهرتهما الأحداث
سوف يظل "الربيع العربي"، بما هو الأحداث والتحولات، التي بدأت في تونس أواخر عام 2010، ثم امتدت إلى معظم الدول العربية، أو جميعها، على نحو من الأنحاء، لحظة تاريخية تؤسس لوعي ودروس وسياسات جديدة ممتدة في المستقبل العربي. وفي ذلك، لن تغادر تلك اللحظة الاهتمامات السياسية والفكرية والاجتماعية، وبالنسبة للإصلاحيين العرب، أفراداً كانوا أو جماعات أو سلطات سياسية، فإن السؤال المؤسس للتفكير هو بداهة وبطبيعة الحال: ما الوعي الذي أنشأه الربيع العربي؟ وعلى الرغم من بداهة السؤال، وبساطته، فإنه يمكن أن يحمل استنتاجات واتجاهات عميقة ومعقدة كثيرة في الفكر والسياسة، لأنه يفضي إلى تحليل المرحلة وفهمها، وتحديد علاقتها بالماضي القريب والأبعد، وبالأحداث الأخرى الكبيرة، والمؤسسة أيضا لمراحل وكوارث وتحولات مهمة وعميقة. وربما كانت، في سرعة حدوثها وتعاقبها، قد مرت في الذهن العربي الاجتماعي وغير الرسمي في سرعة من غير ملاحظة وتأمل عميق، ولكن ذلك لا يلغي مقولة إنها غيرت عميقا في الفكر والبنية الاجتماعية والسياسية، وفي الموارد والسلوك والثقافة.
ويؤدي السؤال، أيضاً، إلى التمييز بين الوعي الأصيل للحظة ووعي تاريخي أو زائف أو متكلف. وفي ذلك، إننا في حاجة لمواجهة أنفسنا بجرأة وصراحة، لنسألها من جديد ونعيد السؤال، ما الأولويات والاحتياجات التي تشكلت اليوم؟ وما ترتيبها وفق أهميتها وموقعها في التحدي والاستجابة؟ وما الذي تغير في ذلك؟ ما تلك الأولويات الصاعدة، وما تلك المنسحبة؟ ثم نتساءل ببداهة بما في ذلك من هزة عميقة: هل كانت تلك الأولويات الصاعدة والمنسحبة والمضافة والمتراكمة قبلها تؤسس على مقدسات واعتقادات ورموز، أم أنها مستمدة من قانون صارم محايد لفهم التحديات والاستجابات؟ وأننا ربما (بالنسبة لي مؤكد) أضفنا إليها التاريخ والتقديس والتدنيس، وسواء منحناها بذلك صلابة وتماسكاً، أو دفعنا بها إلى العار والنسيان، فإن السيول تعود دائما إلى مجاريها!
ما الهشاشة والمناعة التي ظهرت في الربيع العربي؟ وهو سؤال بديل للسؤال التقليدي المتبع في مبتدأ كل فكرة عن القوة والضعف. ويغريني بالسؤال على هذا النحو شغل تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية بذلك، فقد ثبت أن المناعة تحول الضعف والفرص الشحيحة إلى قوة وموارد، وتمكن أصحابها من عبور الأزمات. وفي المقابل، فإن الهشاشة تقلل الفائدة من الفرص، وتمنع أصحابها من توظيف الموارد وتفعيلها، ويمكن اليوم، بعد خمس سنوات تقريباً، من بدء الربيع العربي، أن نجد الكثير من الهشاشة والمناعة في الجسم العربي، وفي العمل الإصلاحي. وبودي لو يصبر القارئ (إن وجد) على شغل متواصل بالبحث عما أظهره الربيع من قوة وضعف، بما في ذلك من قسوة وملل، ولكننا بغير ذلك لن نعرف إن كنا نسير في الاتجاه الصحيح، أو الخاطئ، وإن كنا ننجز أو لا ننجز، أو نكرر ونعيد ما أنجزناه، أو نعمل ونقدم ما هو ملائم ومجد أم غير ذلك، .. وأصعب من ذلك أن نتأكد أننا، بالفعل، التقطنا اللحظة ونعيش الواقع والمرحلة، ولسنا في حالة انفصال أو إنكار!
تجلى في الربيع العربي، بوضوح، ما هو معروف، أو متوقع من قبل، عن الانفصال بين النخب والقيادات الإصلاحية والمعارضة للسلطات السياسية وبين المجتمعات والجماهير، والانفصال المروع بين المصالح الحقيقية للجماهير والمجتمعات وبين ما تمضي فيه من معارضة ونضال وتضحيات. فعلى مستوى النخب وقيادات الطبقات الوسطى والمعارضات السياسية والمؤسسات والجماعات والمبادرات الإصلاحية، فإنها كانت (وما زالت) تتحالف مع الأقلية المحتكرة للنفوذ والموارد، في عملها وحياتها. وفي الوقت نفسه، تمارس المعارضة وتشارك في البرامج الإصلاحية، لكنها في ذلك كانت تهرب من المواجهة أكثر مما تشغل نفسها بالإصلاح والمعارضة؛ لأنها تدرك، بوضوح، أن مصالحها مع الأوليغارشيا، بما في ذلك من فساد وتناقض مع ما تدعو إليه، وأن المجتمعات والمؤسسات المجتمعية والاقتصادية المستقلة عن السلطة هي على قدر من الهشاشة والضعف، لا توفر بيئة اقتصادية واجتماعية مستوعبة وبديلة للنخب والقيادات والطبقات الوسطى، المفترض أن تكون مستفيدة من الإصلاح، أو أن القيادات الإصلاحية مجبرة على تضحيات عظيمة، وأن تفقد مكاسب كبرى، لكنها تنازلات على قدر تبدو تفوق طاقتها، وتتناقض، ابتداءً، مع رؤيتها للإصلاح. فهي لا تقف مع الإصلاح وتناضل لأجله، لأنه مطلب أيديولوجي أو ابتغاء للثواب والفوز بعد الموت، لكنها تريد الإصلاح، لأجل تحسين حياتها، وإيماناً بأن التقدم وتحسين الحياة يجب أن يكون مستمداً من العدل وتكافؤ الفرص والحريات والكرامة، فهي تربط، مباشرة وبوضوح، بين هذه القيم وتحسين حياتها.
وهكذا، يدخل الإصلاح في المتاهة والاستدراج، فالنخب الإصلاحية والمعارضة في حاجة إلى شروط (اعترفتْ بذلك أو لم تعترف، أدركتْ ذلك بوضوح أو لم تدرك) لتشارك بالفعل، وليس مسرحياً، في النضال والعمل الإصلاحي. هي ببساطة لعبة سلمية وبيئة اجتماعية اقتصادية بديلة ومستقلة للسلطة.. وهنا، تتشكل متوالية للخير والشرور تحتاج إلى وقفة طويلة.
ويؤدي السؤال، أيضاً، إلى التمييز بين الوعي الأصيل للحظة ووعي تاريخي أو زائف أو متكلف. وفي ذلك، إننا في حاجة لمواجهة أنفسنا بجرأة وصراحة، لنسألها من جديد ونعيد السؤال، ما الأولويات والاحتياجات التي تشكلت اليوم؟ وما ترتيبها وفق أهميتها وموقعها في التحدي والاستجابة؟ وما الذي تغير في ذلك؟ ما تلك الأولويات الصاعدة، وما تلك المنسحبة؟ ثم نتساءل ببداهة بما في ذلك من هزة عميقة: هل كانت تلك الأولويات الصاعدة والمنسحبة والمضافة والمتراكمة قبلها تؤسس على مقدسات واعتقادات ورموز، أم أنها مستمدة من قانون صارم محايد لفهم التحديات والاستجابات؟ وأننا ربما (بالنسبة لي مؤكد) أضفنا إليها التاريخ والتقديس والتدنيس، وسواء منحناها بذلك صلابة وتماسكاً، أو دفعنا بها إلى العار والنسيان، فإن السيول تعود دائما إلى مجاريها!
ما الهشاشة والمناعة التي ظهرت في الربيع العربي؟ وهو سؤال بديل للسؤال التقليدي المتبع في مبتدأ كل فكرة عن القوة والضعف. ويغريني بالسؤال على هذا النحو شغل تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية بذلك، فقد ثبت أن المناعة تحول الضعف والفرص الشحيحة إلى قوة وموارد، وتمكن أصحابها من عبور الأزمات. وفي المقابل، فإن الهشاشة تقلل الفائدة من الفرص، وتمنع أصحابها من توظيف الموارد وتفعيلها، ويمكن اليوم، بعد خمس سنوات تقريباً، من بدء الربيع العربي، أن نجد الكثير من الهشاشة والمناعة في الجسم العربي، وفي العمل الإصلاحي. وبودي لو يصبر القارئ (إن وجد) على شغل متواصل بالبحث عما أظهره الربيع من قوة وضعف، بما في ذلك من قسوة وملل، ولكننا بغير ذلك لن نعرف إن كنا نسير في الاتجاه الصحيح، أو الخاطئ، وإن كنا ننجز أو لا ننجز، أو نكرر ونعيد ما أنجزناه، أو نعمل ونقدم ما هو ملائم ومجد أم غير ذلك، .. وأصعب من ذلك أن نتأكد أننا، بالفعل، التقطنا اللحظة ونعيش الواقع والمرحلة، ولسنا في حالة انفصال أو إنكار!
تجلى في الربيع العربي، بوضوح، ما هو معروف، أو متوقع من قبل، عن الانفصال بين النخب والقيادات الإصلاحية والمعارضة للسلطات السياسية وبين المجتمعات والجماهير، والانفصال المروع بين المصالح الحقيقية للجماهير والمجتمعات وبين ما تمضي فيه من معارضة ونضال وتضحيات. فعلى مستوى النخب وقيادات الطبقات الوسطى والمعارضات السياسية والمؤسسات والجماعات والمبادرات الإصلاحية، فإنها كانت (وما زالت) تتحالف مع الأقلية المحتكرة للنفوذ والموارد، في عملها وحياتها. وفي الوقت نفسه، تمارس المعارضة وتشارك في البرامج الإصلاحية، لكنها في ذلك كانت تهرب من المواجهة أكثر مما تشغل نفسها بالإصلاح والمعارضة؛ لأنها تدرك، بوضوح، أن مصالحها مع الأوليغارشيا، بما في ذلك من فساد وتناقض مع ما تدعو إليه، وأن المجتمعات والمؤسسات المجتمعية والاقتصادية المستقلة عن السلطة هي على قدر من الهشاشة والضعف، لا توفر بيئة اقتصادية واجتماعية مستوعبة وبديلة للنخب والقيادات والطبقات الوسطى، المفترض أن تكون مستفيدة من الإصلاح، أو أن القيادات الإصلاحية مجبرة على تضحيات عظيمة، وأن تفقد مكاسب كبرى، لكنها تنازلات على قدر تبدو تفوق طاقتها، وتتناقض، ابتداءً، مع رؤيتها للإصلاح. فهي لا تقف مع الإصلاح وتناضل لأجله، لأنه مطلب أيديولوجي أو ابتغاء للثواب والفوز بعد الموت، لكنها تريد الإصلاح، لأجل تحسين حياتها، وإيماناً بأن التقدم وتحسين الحياة يجب أن يكون مستمداً من العدل وتكافؤ الفرص والحريات والكرامة، فهي تربط، مباشرة وبوضوح، بين هذه القيم وتحسين حياتها.
وهكذا، يدخل الإصلاح في المتاهة والاستدراج، فالنخب الإصلاحية والمعارضة في حاجة إلى شروط (اعترفتْ بذلك أو لم تعترف، أدركتْ ذلك بوضوح أو لم تدرك) لتشارك بالفعل، وليس مسرحياً، في النضال والعمل الإصلاحي. هي ببساطة لعبة سلمية وبيئة اجتماعية اقتصادية بديلة ومستقلة للسلطة.. وهنا، تتشكل متوالية للخير والشرور تحتاج إلى وقفة طويلة.