تطورات عسكرية لافتة في اليمن، خلال الـ72 ساعة الماضية، حيث حققت قوات الشرعية والمدعومة من التحالف، تقدماً نوعياً غرب محافظة تعز، في المنطقة الاستراتيجية القريبة من باب المندب، في ظل توجه العمليات العسكرية نحو محافظة الحديدة، بعد الخسائر التي تكبدها مسلحو جماعة أنصار الله (الحوثيين)، في الأشهر الأخيرة، الأمر الذي لا يمثل مفاجأة بعد التطورات التي تتالت منذ أواخر العام الماضي على الأقل، ودخول الحرب عامها الرابع.
ووفقاً لمصادر ميدانية ومحلية متعددة لـ"العربي الجديد"، فقد خسر الحوثيون في الأيام الأخيرة، مناطق عدة، ذات أهمية عسكرية واستراتيجية بالنسبة لمعركة الساحل الغربي في البلاد، على إثر تقدم قوات الشرعية المدعومة من التحالف في مديرية "موزع"، المحاذية لمدينة المخا (ميناء ساحل تعز)، لتسقط لاحقاً مديرية "الوازعية" المحاذية لها، بانسحاب مفاجئ للحوثيين، نتيجة قطع خطوط الإمداد عنهم في هذه المديرية على نحو خاص.
وأشارت المصادر إلى أن خسارة الحوثيين الأخيرة تضع الجزء الغربي من تعز والقريب من باب المندب، مناطق شبه محررة من الحوثيين، حيث ستؤثر على الحصار المفروض من قبل الجماعة، على مدينة تعز منذ أكثر من ثلاث سنوات، كما أن له تأثيرات محتملة على سير المعارك المستمرة في وحول المدينة من جهة، ومن جهة أخرى، فإنه سيؤمن طريق قوات الشرعية والقوات التي يدعمها التحالف بواجهة إماراتية، نحو محافظة الحديدة الحيوية، التي لطالما أعلن التحالف أنها هدف عمليات الساحل الغربي منذ شهور طويلة، وتعد شرياناً بالنسبة لمناطق سيطرة الحوثيين.
وبالتزامن مع تقدم قوات ما يُعرف بـ"العمالقة"، والمؤلفة بالغالب من مجندين وجنود من أبناء المحافظات الجنوبية ومما يُعرف بـ"المقاومة الجنوبية"، في المناطق الغربية لتعز، أفادت مصادر قريبة من القوات التي يقودها العميد طارق صالح، نجل شقيق الرئيس علي عبدالله صالح، أنها دشنت عملياتها باتجاه مدينة الحديدة، من جهة مناطق "زبيد" و"الجراحي"، جنوبي المحافظة، بعد أن انتقلت هذه القوات في وقتٍ سابق إلى "المخا" غرب تعز قادمة من عدن، التي تلقت فيها دعماً لوجستياً وبمختلف المعدات العسكرية من قبل التحالف بقيادة إماراتية، خلال الشهور الماضية.
وكان الحوثيون قد فقدوا في ديسمبر/كانون الأول العام الماضي، مديرية "الخوخة" الساحلية بمحافظة الحديدة، وهي أولى مديريات المحافظة من الجهة الجنوبية، وترددت أنباء واتهامات من قبل قيادات حوثية، عن دور لعبته قوات عسكرية من الموالية لطارق صالح، كانت تنتشر في المديرية (أثناء التحالف مع الحوثيين)، بتسليمها للتحالف وقوات الشرعية بدون مواجهات فعلية، ومهدت "الخوخة" لتوسع القوات الحكومية إلى أجزاء من مديرية "حيس" المجاورة.
وتكتسب الحديدة أهمية استثنائية، إذ إن المعركة فيها لا ترتبط فقط بإرادة صرفة من التحالف أو من الحكومة الشرعية، باعتبارها المدينة الأهم الخاضعة للحوثيين بعد العاصمة صنعاء، وفيها الشريان الذي تصل عبره أغلب الواردات التجارية والمساعدات الإنسانية التي تغطي احتياجات مناطق الكثافة السكانية شمال وغرب ووسط البلاد، ولطالما أعلن التحالف أن الحديدة هدفه العسكري التالي، بعد "المخا" العام الماضي، ليس لأهميتها يمنيا فحسب، بل كون السيطرة فيها يمكن أن تحكم الحصار على مناطق سيطرة الحوثيين وتؤمن الملاحة الدولية في البحر الأحمر، والتي سبق وهدد الحوثيون باستهداف سفن التحالف فيها، كخيار إذا لم يتم وقف الحرب.
ومن زاوية أخرى، فإن خسائر الحوثيين في الساحل الغربي لتعز وأطراف الحديدة الجنوبية، أو في محافظة البيضاء وسط البلاد، وصولاً إلى المناطق الحدودية، تمثل تطوراً منطقياً، عقب التحولات التي شهدتها الأخيرة، وكان أبرزها، انهيار تحالف الحوثيين مع صالح ومقتل الأخير في صنعاء ديسمبر العام الماضي، وتطورات أخرى، على غرار استهداف القيادي البارز رئيس ما يُسمى بـ"المجلس السياسي الأعلى" صالح الصماد، في إبريل/نيسان المنصرم.
كما أن التقدم في هذه الجبهة أو تلك، بعد سنوات من الحرب والضربات الجوية المستمرة، أمرُ يعد متأخراً بالنظر إلى موازين القوى وطول أمد الحرب، ومع ذلك، فإن الوضع الميداني في اليمن، وخلال ما يزيد عن ثلاث سنوات، أثبت أنه قابل للمفاجآت، وأن التقدم في هذه المحافظة أو تلك، لا يعد مؤشراً كافيا، على أن الحوثيين مستمرون بالتراجع، بقدر ما تأخذ المواجهات في الغالب، طابع الكر والفر، أو التقدم المحدود، الذي لا يعيقه فقط واقع المعارك، بل كذلك الحسابات السياسية المرتبطة بالتحالف وقوات الشرعية.