02 يونيو 2024
هذه المساعدات الأميركية للسلطة الفلسطينية
يحذّر مراقبون ومحللون عديدون من قطع المساعدات الأميركية للسلطة الفلسطينية، لما تحمله خطوة خطيرة كهذه من تهديد للأمن والاستقرار. وقد ادّعى بعض هؤلاء بأن تهديد الإدارة الأميركية بقطع المساعدات للسلطة الفلسطينية يتجاوز بخطورته القرار الأميركي المتعلق بالقدس، ونقل السفارة الأميركية إليها.
وما إن أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عبر حسابه في "تويتر" في تغريدته "ندفع للفلسطينيين مئات ملايين الدولارات سنويا، ولا ننال أي تقدير أو احترام. هم لا يريدون حتى التفاوض على اتفاقية سلام طال تأخرها مع إسرائيل"، منذ أن غرّد ذلك، حتى بدأت أسئلة الصحافيين والإعلاميين تتوالى بشأن مستقبل السلطة الفلسطينية. وكان أحد أكثر الأسئلة شيوعاً في الأروقة الصحافية "هل تتوقع أننا نعدّ أيام السلطة الفلسطينية في حال نفذ ترامب تهديده؟".
وسرعان ما أضاف ترامب تغريدة أخرى، "بما أن الفلسطينيين أصبحوا لا يريدون التفاوض على السلام، فلماذا علينا أن ندفع لهم أيا من هذه المدفوعات المستقبلية الضخمة؟". ولكن هذه التهديدات لا تعد مفاجئة، إذ إنها متسقة تماماً مع سياسات ترامب والولايات المتحدة ضد الفلسطينيين، فالمساعدات المالية الأميركية استخدمت دائما أداة سياسية، واقترنت باشتراطات مؤذية للفلسطينيين، ومضرّة بمصالحهم ومشروعهم الوطني.
وعليه، تتساءل هذه المقالة إن كان التهديد بقطع المساعدات الأميركية للسلطة الفلسطينية أمراً
سيئاً حقاً؟ الإجابة التي لا يلتبسها الغموض تفيد بالنفي؛ إذ ليس قطع المساعدات الأميركية للسلطة الفلسطينية أمرا سيئا، بل سيعود قطع هذه المساعدات بالنفع على الفلسطينيين، خصوصا على المستوى البعيد، وإن كان يحمل، في طياته، بعض المعاناة على المستوى القريب. فالمساعدات الأميركية هذه تهدف لتمكين دور السلطة الفلسطينية مقاولا للاحتلال الإسرائيلي، خصوصا أنها أدامت عمر الاحتلال، وقللت من كلفته على الإسرائيليين. أضف إلى ذلك أن المساعدات هذه قد أفادت الاقتصاد الإسرائيلي بشكل مباشر وغير مباشر، وعزّزت التفتت والتشرذم الفلسطينيين، وأنكرت أفق الديمقراطية الفلسطينية. لكل هذه الأسباب، فإن قطعها ليس أمرا سيئا.
فالهدف الأول للمساعدات الأميركية للفلسطينيين، بموجب وثائق الكونغرس، "صد الإرهاب ضد إسرائيل ومحاربته". بكلمات أخرى، تقدّم الولايات المتحدة الدعم للفلسطينيين، من أجل حماية إسرائيل. ولكن، أيمثل هذا دعماً للفلسطينيين أم لإسرائيل؟
وعليه، تعني سياسة "أمن إسرائيل أولاً"، فيما تعنيه، ضخ ملايين الدولارات الأميركية في المؤسسة الأمنية الفلسطينية، من أجل "مهننة" عملها لتقوم بضمان الاستقرار وحفظ أمن إسرائيل واحتلالها وقطعان مستوطنيها ومستعمريها. وبموجب هذا المنطق الأعوج، أضحت السلطة الفلسطينية مقاولا للاحتلال الإسرائيلي، بمعية المساعدات الأميركية واشتراطاتها. ولكن هذه المساعدات لم تدم الاحتلال الإسرائيلي فحسب، وإنما جعلته مربحا لإسرائيل ولاقتصادها وشركاتها. إذ يستخدم هذا الدعم الأميركي مرارا لدفع فواتير الشركات الإسرائيلية، والتي تستغل الاقتصاد الفلسطيني أبشع استغلال، وتفرض على السلطة الفلسطينية دفع مبالغ طائلة، بدل استخدام الموارد الاقتصادية الأساسية المختلفة.
أضف إلى ذلك، تصب أغلبية الدعم الأميركي للفلسطينيين (تصل النسبة إلى 72% من ذلك الدعم)، خصوصا المدفوع أمنياً، في نهاية المطاف، في صالح الاقتصاد الإسرائيلي. وبالتالي، فإن الجل الأعظم من المساعدات الأميركية للفلسطينيين هي دعم إضافي لإسرائيل وسياساتها ومؤسساتها الأمنية واقتصادها. كما أن الضرر المتسبب من هذه المساعدات امتد ليعزّز التفتت والتشرذم الفلسطينيين، على مدار السنوات العشر الماضية، والانقسام ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة. كما أنه لم ينكر الديمقراطية الفلسطينية فحسب، بل عزّز أيضاً السلطوية القمعية الفلسطينية، والتي تعمل على تجريم المقاومة ضد المحتل الإسرائيلي، وتقمع أصوات الفلسطينيين واحتياجاتهم وتطلعاتهم.
تم تنفيذ كل هذه الأضرار المصاحبة للمساعدات الأميركية بواسطة ذراعين رئيستين: الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USD) ومكتب المنسق الأمني الأميركي (ما يعرف شعبياً بفريق دايتون). لم تخترق هاتان المؤسستان القواعد الأساسية الدولية لتقديم المساعدات فقط، وإنما عملتا ذراعا مكملة للاحتلال الإسرائيلي الاستعماري. وبالطبع، لن تتوقف هذه الأضرار بمجرد وقف المساعدات الأميركية، فالقضية أكثر تعقيداً، إذ تتطلب تفكيك البنى والديناميات والمؤسسات المعقدة التي ظهرت وتمأسست وتصلبت على مدار السنوات الخمس والعشرين الماضية. ولكن، في هذا الوقت بالذات، من المهم ألاّ يندب الفلسطينيون حظهم السيئ "بخسارة" 300 أو 400 مليون دولار سنوياً، وإنما عليهم الفعل، ولديهم خيارات عديدة للفعل.
بدايةً، عليهم إخضاع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ومكتب المنسق الأمني الأميركي للمحاسبة والمساءلة، وعليهم سحب (وإلغاء) الإعفاءات التي منحها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر
عرفات إلى هذه الوكالة، وجعلت الأخيرة تمارس أعمالها من دون أي شكل من الرقابة أو المحاسبة الفلسطينية. وقد حان الوقت لعكس عملية "التدقيق والتمحيص"، فبدلا من أن تقوم بها الوكالة الأميركية ضد الفلسطينيين، أي لأن يدقّق (ويمحص) الفلسطينيون أنفسهم أعمال هذه الوكالة والمؤسسات والأجسام الأميركية الأخرى العاملة في صناعة المساعدات الدولية.
ويقتضي فعل كهذا الإرادة والشجاعة السياسية، لكن القيادة الفلسطينية الحالية مصرّة على التمترس خلف نهجٍ وطرقٍ أثبتت فشلها ومحدوديتها، فعدم قدرة القيادة على تنفيذ أفعال صغيرة، كسحب الإعفاءات من الوكالة الأميركية، يعكس عمق أزمة الشرعية، ويدل على رغبة القيادة الفلسطينية بالبقاء على النهج نفسه، وما إعلاناتها المتعددة إلا لشراء بعض الوقت والبقاء في السلطة وسدة الحكم، وإعادة ترتيب أوراق العملية التفاوضية.
صار لزاماً تحدي الأفكار والتوجهات هذه، ومجابهتها، واستبدالها بتوجهات استراتيجية جديدة يحدّدها الفلسطينيون أنفسهم، أناسا وليس نخبا سياسيا. ولكن التحدّي يكمن في كيفية تحويل توجهات الفلسطينيين وتطلعاتهم، لتتبناها مؤسسات تمثيلية ونخب سياسية شرعية.
في نهاية المطاف، الفلسطينيون غير معنيين بكيس طحين أو علبة سردين، لكنهم معنيون بالدرجة الأولى بعنونة الجذور السياسية المنكرة حقوقهم الأساسية. وبغض النظر عن حجم المساعدات الدولية، أميركية كانت أو أوروبية أو عربية، فلن يشعر الفلسطينيون بفوائد هذه المساعدات، قبل عنونة الجذور السياسية لمعاناتهم وإنكار حقوقهم. وعليه، يشكل تهديد ترامب بقطع المساعدات فرصة جديدة للفلسطينيين، من أجل وضع أسس (ومبادئ) الكرامة وتقرير المصير في صُلب منظومة وصناعة المساعدات الدولية وجوهرهما.
وما إن أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عبر حسابه في "تويتر" في تغريدته "ندفع للفلسطينيين مئات ملايين الدولارات سنويا، ولا ننال أي تقدير أو احترام. هم لا يريدون حتى التفاوض على اتفاقية سلام طال تأخرها مع إسرائيل"، منذ أن غرّد ذلك، حتى بدأت أسئلة الصحافيين والإعلاميين تتوالى بشأن مستقبل السلطة الفلسطينية. وكان أحد أكثر الأسئلة شيوعاً في الأروقة الصحافية "هل تتوقع أننا نعدّ أيام السلطة الفلسطينية في حال نفذ ترامب تهديده؟".
وسرعان ما أضاف ترامب تغريدة أخرى، "بما أن الفلسطينيين أصبحوا لا يريدون التفاوض على السلام، فلماذا علينا أن ندفع لهم أيا من هذه المدفوعات المستقبلية الضخمة؟". ولكن هذه التهديدات لا تعد مفاجئة، إذ إنها متسقة تماماً مع سياسات ترامب والولايات المتحدة ضد الفلسطينيين، فالمساعدات المالية الأميركية استخدمت دائما أداة سياسية، واقترنت باشتراطات مؤذية للفلسطينيين، ومضرّة بمصالحهم ومشروعهم الوطني.
وعليه، تتساءل هذه المقالة إن كان التهديد بقطع المساعدات الأميركية للسلطة الفلسطينية أمراً
فالهدف الأول للمساعدات الأميركية للفلسطينيين، بموجب وثائق الكونغرس، "صد الإرهاب ضد إسرائيل ومحاربته". بكلمات أخرى، تقدّم الولايات المتحدة الدعم للفلسطينيين، من أجل حماية إسرائيل. ولكن، أيمثل هذا دعماً للفلسطينيين أم لإسرائيل؟
وعليه، تعني سياسة "أمن إسرائيل أولاً"، فيما تعنيه، ضخ ملايين الدولارات الأميركية في المؤسسة الأمنية الفلسطينية، من أجل "مهننة" عملها لتقوم بضمان الاستقرار وحفظ أمن إسرائيل واحتلالها وقطعان مستوطنيها ومستعمريها. وبموجب هذا المنطق الأعوج، أضحت السلطة الفلسطينية مقاولا للاحتلال الإسرائيلي، بمعية المساعدات الأميركية واشتراطاتها. ولكن هذه المساعدات لم تدم الاحتلال الإسرائيلي فحسب، وإنما جعلته مربحا لإسرائيل ولاقتصادها وشركاتها. إذ يستخدم هذا الدعم الأميركي مرارا لدفع فواتير الشركات الإسرائيلية، والتي تستغل الاقتصاد الفلسطيني أبشع استغلال، وتفرض على السلطة الفلسطينية دفع مبالغ طائلة، بدل استخدام الموارد الاقتصادية الأساسية المختلفة.
أضف إلى ذلك، تصب أغلبية الدعم الأميركي للفلسطينيين (تصل النسبة إلى 72% من ذلك الدعم)، خصوصا المدفوع أمنياً، في نهاية المطاف، في صالح الاقتصاد الإسرائيلي. وبالتالي، فإن الجل الأعظم من المساعدات الأميركية للفلسطينيين هي دعم إضافي لإسرائيل وسياساتها ومؤسساتها الأمنية واقتصادها. كما أن الضرر المتسبب من هذه المساعدات امتد ليعزّز التفتت والتشرذم الفلسطينيين، على مدار السنوات العشر الماضية، والانقسام ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة. كما أنه لم ينكر الديمقراطية الفلسطينية فحسب، بل عزّز أيضاً السلطوية القمعية الفلسطينية، والتي تعمل على تجريم المقاومة ضد المحتل الإسرائيلي، وتقمع أصوات الفلسطينيين واحتياجاتهم وتطلعاتهم.
تم تنفيذ كل هذه الأضرار المصاحبة للمساعدات الأميركية بواسطة ذراعين رئيستين: الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USD) ومكتب المنسق الأمني الأميركي (ما يعرف شعبياً بفريق دايتون). لم تخترق هاتان المؤسستان القواعد الأساسية الدولية لتقديم المساعدات فقط، وإنما عملتا ذراعا مكملة للاحتلال الإسرائيلي الاستعماري. وبالطبع، لن تتوقف هذه الأضرار بمجرد وقف المساعدات الأميركية، فالقضية أكثر تعقيداً، إذ تتطلب تفكيك البنى والديناميات والمؤسسات المعقدة التي ظهرت وتمأسست وتصلبت على مدار السنوات الخمس والعشرين الماضية. ولكن، في هذا الوقت بالذات، من المهم ألاّ يندب الفلسطينيون حظهم السيئ "بخسارة" 300 أو 400 مليون دولار سنوياً، وإنما عليهم الفعل، ولديهم خيارات عديدة للفعل.
بدايةً، عليهم إخضاع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ومكتب المنسق الأمني الأميركي للمحاسبة والمساءلة، وعليهم سحب (وإلغاء) الإعفاءات التي منحها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر
ويقتضي فعل كهذا الإرادة والشجاعة السياسية، لكن القيادة الفلسطينية الحالية مصرّة على التمترس خلف نهجٍ وطرقٍ أثبتت فشلها ومحدوديتها، فعدم قدرة القيادة على تنفيذ أفعال صغيرة، كسحب الإعفاءات من الوكالة الأميركية، يعكس عمق أزمة الشرعية، ويدل على رغبة القيادة الفلسطينية بالبقاء على النهج نفسه، وما إعلاناتها المتعددة إلا لشراء بعض الوقت والبقاء في السلطة وسدة الحكم، وإعادة ترتيب أوراق العملية التفاوضية.
صار لزاماً تحدي الأفكار والتوجهات هذه، ومجابهتها، واستبدالها بتوجهات استراتيجية جديدة يحدّدها الفلسطينيون أنفسهم، أناسا وليس نخبا سياسيا. ولكن التحدّي يكمن في كيفية تحويل توجهات الفلسطينيين وتطلعاتهم، لتتبناها مؤسسات تمثيلية ونخب سياسية شرعية.
في نهاية المطاف، الفلسطينيون غير معنيين بكيس طحين أو علبة سردين، لكنهم معنيون بالدرجة الأولى بعنونة الجذور السياسية المنكرة حقوقهم الأساسية. وبغض النظر عن حجم المساعدات الدولية، أميركية كانت أو أوروبية أو عربية، فلن يشعر الفلسطينيون بفوائد هذه المساعدات، قبل عنونة الجذور السياسية لمعاناتهم وإنكار حقوقهم. وعليه، يشكل تهديد ترامب بقطع المساعدات فرصة جديدة للفلسطينيين، من أجل وضع أسس (ومبادئ) الكرامة وتقرير المصير في صُلب منظومة وصناعة المساعدات الدولية وجوهرهما.