05 نوفمبر 2024
هذه الاحتجاجات في موسكو ضد نظام بوتين
يبدو أن تجدد الحراك الاحتجاجي الذي تشهده شوارع موسكو ضد سياسات النظام الروسي وممارساته لن يلقى سوى مزيد من القمع والترهيب، على الرغم من سلمية الاحتجاجات، واعتراض جمهورها على عدم السماح لمعارضين ليبراليين بالترشح لانتخابات برلمان مدينة موسكو، المزمع اجراؤها في الثامن من الشهر المقبل (سبتمبر/ أيلول)، حيث يصر النظام البوتيني على مواصلة نهج القمع المفرط للاحتجاجات، واعتقال أعداد كبيرة من المحتجين، واعتبار حراكهم مجرّد أعمال شغب، لا ينبغي السماح بتكرارها، مع عدم السماح لهم بالتجمع في احتجاجات جديدة، حتى ولو اقتصرت على أيام السبت فقط.
وعلى الرغم من الأعداد الكبيرة للمعتقلين، فضلاً عن الملاحقات والغرامات والاتهامات، إلا أن تجدد الحراك الاحتجاجي واستمراره، يؤكد نجاح قوى المعارضة في فضح سياسات النظام البوتيني، وتأكيدها على وجود عزيمة لدى المحتجين بعدم ترك هذا النظام ينتخب نفسه بنفسه، هذه المرّة، وذلك بعد أن انتهت وظيفة ألاعيبه المعتادة، وكشف عن وجهه التسلطي اللا ديمقراطي، عبر رفضه حتى المضي في لعبته المفضلة سابقاً، من خلال السماح ببعض المساحات والهوامش، فيما تسمى "الديمقراطية المسيّرة أو الموجهة" التي تخلى عنها منذ زمن بعيد، وراح يعيد إنتاج نفسه بنفسه، عبر مشهديات صورية في انتخابات حكام المناطق وانتخابات البرلمان، وسائر الانتخابات التي ينظمها وفق مقاس أزلامه وأعوانه.
يتصرف نظام بوتين مع الشعب الروسي وفق نهج يمنّ به عليه بكل شيء، بدءاً من حصوله
على لقمة العيش، وصولاً إلى تنظيمه انتخابات صورية، بوصفها عملية مرهقة ومكلفة بالنسبة إليه، ولذلك يعتبر هذا النظام أي حراك سياسي أو اجتماعي للتعبير عن مطالب الناس وتطلعاتهم، هو مجرّد خروج عن المألوف في إطاعة السلطة، وتمرّد على مقامها ورموزها، ونكران لفضائلها ولعطاءاتها، ويمثل خيانة عظمى، تستلزم التصفية والاعتقال والملاحقة، ومختلف أنواع العقاب. لذلك لا يتوانى في الرد على أي حراك سلمي بالقوة والعنف المفرط. أما قادة الحراك الاحتجاجي المعارض، فلا يكتفي النظام باعتقالهم وسجنهم، وتلفيق تهم متعدّدة ضدهم، بل ويلجأ إلى تصفيتهم جسدياً، عبر تدبير عمليات اغتيالهم، أو تسميمهم، مثلما فعل مع المعارض أليكسي نافالني الذي تعرّض في السجن للتسميم بمادة "كيميائية غير معروفة".
تعود النظام البوتيني على تمرير طقوس وتهويمات انتخابية، حافظ عليها منذ وصول فلاديمير بوتين إلى السلطة عام 2000، وقام بتوزيع الأدوار على الأحزاب والنقابات والجمعيات، وفرض عليهم آليات للحفاط عليها، بما يعني جعل جموع الشعب فئات طيّعة، وأشرك أحزابا معارضة في هوامش النظام، على أن تعارض من داخل النظام نفسه، أما أحزاب المعارضة وحراكاتها فقد لاقت الأمرّين، وراحت تكيف نفسها على جملة العوائق والموانع التي وضعها بوجه تحركاتها وعملها، لكنها لم تتمكّن من الخروج من الدائرة التي وضعها نظام بوتين بهدف تهميشها واستبعادها.
ومع ذلك كله، لم تعد تنطلي على غالبية الروس ادعاءات بعث القومية الروسية وأمجادها، ولا رفع شعارات النظام النارية التي يستدعي تحقيقها استخدام مختلف أساليب القمع والإكراه والقوة، باجتراح مقولات تركز على السيادة مثل "الديمقراطية السيادية"، والتي بدلاً من أن تحول دون تدخل القوى الأجنبية في الأمور السيادية لروسيا، تحولت إلى حائل أمام الروس أنفسهم، وحقهم في العيش بحرية وممارسة الديمقراطية التي حلموا بها، فراح النظام البوتيني يشدّد من قبضته الأمنية على كل مفاصل المجتمع، ويحدّ من الحريات العامة، وتدجين الفضاء العام، ومسخ حراك المجتمع، وقولبة الثقافة والسياسة على مقاسه، مقابل تمتع أركان النظام وأزلامه بمختلف الامتيازات من خلال الفساد المستشري والإفساد العام.
وقد عمل نظام بوتين، خلال سنوات حكمه المديدة، على تفريغ روسيا من طبقتها السياسية، عبر ممارسته شتى أنواع القمع والتضييق والملاحقة والتصفيات، وهو نهجٌ اعتادت عليه الأنظمة
التسلطية الديكتاتورية التي يتحالف معها نظام بوتين، ولا يعني ذلك افتقار بلد مثل روسيا الطاقات والكفاءات في المجال السياسي وسواه، ولكن الإفقار الممنهج الذي اتبعه النظام البوتيني أفضى إلى إفراغ المجال السياسي، والسيطرة على الفضاء العام، من أجل تكريس سيطرة رأس النظام، فلاديمير بوتين، بوصفه الرجل القوي المعتد بنفسه الذي لا يشبهه أحد، ولا يتردّد في تحقيق مقولته "بوتين أو لا أحد".
غير أن مختلف العراقيل والآليات القمعية التي وضعها نظام بوتين لم تعد كافية للجم المعارضة الروسية، حيث تجد على الدوام طرقاً للاحتجاج، وباتت تقول علناً للنظام البوتيني إنها لن تركع أمام أزلامه ورموزه، كما لم يعد جمهورٌ واسعٌ من الروس يقبل الحجة التي يسوقها النظام أن "عاملاً خارجياً" يقف وراء الاحتجاجات، وأن القوى الخارجية الكارهة لروسيا بوتين تريد تحريك الشارع، وفرض الفوضى، وإشاعة الاضطرابات في شوارع موسكو، ذلك أن الحراك الاحتجاجي لا يقتصر على موسكو، بل هو حال معظم أقاليم روسيا ومدنها التي تعبت من بوتين ونظامه، القابع على صدرها منذ عشرين سنة، وما يزال يمارس سطوته عليها، ولم تعد تقبل بذلك، وسيصل النظام البوتيني، آجلاً أم عاجلاً، إلى اختيار ما اختاره أضرابه من الأنظمة الاستبدادية، مثل نظام الملالي ونظام الأسد الإجرامي الذي رفع، منذ بداية الحراك الاحتجاجي السوري، شعارات تضع بقاء رأس النظام مقابل بقاء سورية، مثل "الأسد أو نحرق البلد"، و"الأسد أو لا أحد".
وعلى الرغم من الأعداد الكبيرة للمعتقلين، فضلاً عن الملاحقات والغرامات والاتهامات، إلا أن تجدد الحراك الاحتجاجي واستمراره، يؤكد نجاح قوى المعارضة في فضح سياسات النظام البوتيني، وتأكيدها على وجود عزيمة لدى المحتجين بعدم ترك هذا النظام ينتخب نفسه بنفسه، هذه المرّة، وذلك بعد أن انتهت وظيفة ألاعيبه المعتادة، وكشف عن وجهه التسلطي اللا ديمقراطي، عبر رفضه حتى المضي في لعبته المفضلة سابقاً، من خلال السماح ببعض المساحات والهوامش، فيما تسمى "الديمقراطية المسيّرة أو الموجهة" التي تخلى عنها منذ زمن بعيد، وراح يعيد إنتاج نفسه بنفسه، عبر مشهديات صورية في انتخابات حكام المناطق وانتخابات البرلمان، وسائر الانتخابات التي ينظمها وفق مقاس أزلامه وأعوانه.
يتصرف نظام بوتين مع الشعب الروسي وفق نهج يمنّ به عليه بكل شيء، بدءاً من حصوله
تعود النظام البوتيني على تمرير طقوس وتهويمات انتخابية، حافظ عليها منذ وصول فلاديمير بوتين إلى السلطة عام 2000، وقام بتوزيع الأدوار على الأحزاب والنقابات والجمعيات، وفرض عليهم آليات للحفاط عليها، بما يعني جعل جموع الشعب فئات طيّعة، وأشرك أحزابا معارضة في هوامش النظام، على أن تعارض من داخل النظام نفسه، أما أحزاب المعارضة وحراكاتها فقد لاقت الأمرّين، وراحت تكيف نفسها على جملة العوائق والموانع التي وضعها بوجه تحركاتها وعملها، لكنها لم تتمكّن من الخروج من الدائرة التي وضعها نظام بوتين بهدف تهميشها واستبعادها.
ومع ذلك كله، لم تعد تنطلي على غالبية الروس ادعاءات بعث القومية الروسية وأمجادها، ولا رفع شعارات النظام النارية التي يستدعي تحقيقها استخدام مختلف أساليب القمع والإكراه والقوة، باجتراح مقولات تركز على السيادة مثل "الديمقراطية السيادية"، والتي بدلاً من أن تحول دون تدخل القوى الأجنبية في الأمور السيادية لروسيا، تحولت إلى حائل أمام الروس أنفسهم، وحقهم في العيش بحرية وممارسة الديمقراطية التي حلموا بها، فراح النظام البوتيني يشدّد من قبضته الأمنية على كل مفاصل المجتمع، ويحدّ من الحريات العامة، وتدجين الفضاء العام، ومسخ حراك المجتمع، وقولبة الثقافة والسياسة على مقاسه، مقابل تمتع أركان النظام وأزلامه بمختلف الامتيازات من خلال الفساد المستشري والإفساد العام.
وقد عمل نظام بوتين، خلال سنوات حكمه المديدة، على تفريغ روسيا من طبقتها السياسية، عبر ممارسته شتى أنواع القمع والتضييق والملاحقة والتصفيات، وهو نهجٌ اعتادت عليه الأنظمة
غير أن مختلف العراقيل والآليات القمعية التي وضعها نظام بوتين لم تعد كافية للجم المعارضة الروسية، حيث تجد على الدوام طرقاً للاحتجاج، وباتت تقول علناً للنظام البوتيني إنها لن تركع أمام أزلامه ورموزه، كما لم يعد جمهورٌ واسعٌ من الروس يقبل الحجة التي يسوقها النظام أن "عاملاً خارجياً" يقف وراء الاحتجاجات، وأن القوى الخارجية الكارهة لروسيا بوتين تريد تحريك الشارع، وفرض الفوضى، وإشاعة الاضطرابات في شوارع موسكو، ذلك أن الحراك الاحتجاجي لا يقتصر على موسكو، بل هو حال معظم أقاليم روسيا ومدنها التي تعبت من بوتين ونظامه، القابع على صدرها منذ عشرين سنة، وما يزال يمارس سطوته عليها، ولم تعد تقبل بذلك، وسيصل النظام البوتيني، آجلاً أم عاجلاً، إلى اختيار ما اختاره أضرابه من الأنظمة الاستبدادية، مثل نظام الملالي ونظام الأسد الإجرامي الذي رفع، منذ بداية الحراك الاحتجاجي السوري، شعارات تضع بقاء رأس النظام مقابل بقاء سورية، مثل "الأسد أو نحرق البلد"، و"الأسد أو لا أحد".