يستعد البرلمان العراقي الأسبوع المقبل لتدشين فصله التشريعي الثاني الذي سيشهد تقديم أربعة مشاريع قوانين مهمة على الأقل ينتظر الشارع العراقي إقرارها، من بينها مشروع قانون طرحته قوى مدنية مختلفة العام الماضي، ويهدف إلى الحد من العنف الأسري في البلاد الذي يشهد تصاعدا كبيراً، وأسفر عن وفاة زوجات وفتيات وأبناء.
وينص القانون المزمع التصويت عليه في البرلمان، ويتطلب موافقة أكثر من نصف النواب لتمريره، على أن العنف الأسري هو الاعتداء الجسدي أو النفسي أو الفكري أو الاقتصادي الذي يرتكب أو يهدد بارتكابه ضد أي فرد من أفراد الأسرة ضد الآخر، ويكون إما جناية أو جنحة مخالفة للقانون.
كما يؤكد القانون أن الأسرة المقصود بها في هذا القانون تتكون من الزوج والزوجة والأبناء والأحفاد وأبناء أحد الزوجين والإخوة والأخوات ووالدي الزوجين أو أحدهما، والأشخاص المشمولين بالوصاية، وأي حالة أخرى مشابهة لها. ويلحظ نصّ القانون أنه من حق الشخص الذي تعرض لأي من الحالات المنصوص عليها (الضرب الجسدي أو التخويف أو هضم الحقوق وأي حالة إيذاء ثانية) الاتصال بما سيتم استحداثه وفقا للقانون وهو قسم الشرطة الأسرية، وتكون الاستجابة فورية، ويتم توفير الحماية والرعاية ومنع الأذى عنه وفقا لتفصيلات نص عليها القانون ذاته. كما ينص على إنشاء دور إيواء ومساعدة للمعنفين في أسرهم، ومحكمة مختصة للنظر بقضاياهم.
أحزاب في السلطة تعارضه
ورغم أن إقرار مشروع القانون أمر تنتظره شرائح واسعة من العراقيين، تعتبر أنه سيحد من ظاهرة العنف الأسري خاصة ضد المرأة والطفل، إلا أن أحزاباً نافذة في البرلمان لوحت برفض التصويت عليه معللة ذلك بأنه يمنع التأديب والتربية في الأسرة، ويعيق فرص الإصلاح الذاتي في الأسرة نفسها، ويساعد على تفككها إذا تدخل طرف ثالث في المشكلة.
وقال عضو بارز في البرلمان العراقي لـ"العربي الجديد"، إن أحزابا وتكتلات دينية عدة تعارض القانون وتحاول تعديله إلى حدّ كبير، أبرزها تحالف الفتح، وائتلاف دولة القانون، وحزب الفضيلة تحت ذرائع مختلفة، مبيّنا أن القانون يحتاج إلى حملة شعبية للضغط على تلك الأحزاب من أجل تمريره بأسرع وقت ممكن، وعدم ترحيله للفصل التشريعي القادم كما حصل في المرات السابقة.
وأوضح رئيس كتلة حزب الفضيلة، في البرلمان العراقي، عمّار طعمة، في بيان صحافي نقلته وسائل إعلام محلية عراقية، إن "قانون العنف الأسري ينضوي على مضامين خطيرة تنذر بعواقب خطيرة على استقرار العائلة المسلمة العراقية"، مبينا أنّ القانون "استنساخ لتجارب غربية ونقلها لواقعنا الاجتماعي، مهملاً وغافلاً عن الأسس الأخلاقية والقيمية التي تستند إليها مجتمعاتنا المسلمة".
ورأى أنّه "بحسب هذا القانون فإنّ أي خلاف أو إشكال يقع بين العائلة يتحول إلى موضوع في المحكمة"، متسائلا "هل تستقر العائلة إذا استبدلت مساعي الصلح والإصلاح الأسري بشكاوى ومراكز الشرطة؟".
أحزاب مؤيدة... ومجتمع مدني
ويؤكد نواب على ضرورة تشريع قوانين الحد من العنف الأسري، لأنّها أصبحت ضرورة ملحة في العراق، الذي يشهد تصاعداً في حالات العنف الأسري.
وقالت النائبة عن كتلة التغيير الكردية، بهار محمود، إنّ "تشريع قانون العنف الأسري بات من الضرورات المهمة في مجتمعنا، الذي ترتفع فيه ظاهرة العنف الأسري بشكل عام"، مؤكدة لـ"العربي الجديد"، "هناك مخاوف من عدم إمكانية تمرير القانون، وعدم القبول به بسبب التعددية الدينية والقومية في المجتمع العراقي". وشدّدت على "ضرورة تشريع هذا القانون"، داعية إلى "حملات توعية بأهميته للأسرة العراقية".
وأثارت الانتهاكات التي تعرّض لها أطفال عراقيون على يد أهلهم وزوجات آبائهم، من ضرب وقتل، المطالب بتشريع قوانين تمنع العنف الأسري.
وتصعّد منظمات مجتمع مدني عراقي مساعيها لتشريع قانون العنف الأسري، والتغلب على الجهات التي تحاول منع تمريره. وقالت رئيسة منظمة الحياة، ابتهال حسن، لـ"العربي الجديد"، "الحكومة لم تأخذ أي دور لدعم تشريع القوانين التي تحد من العنف الأسري. اليوم تقع على عاتقنا مسؤولية السعي لتمريره في البرلمان، بعدما أصبح العنف الأسري يشكل خطرا كبيرا داخل المجتمع".
وأكدت "نعمل على تنظيم مؤتمرات وندوات توعوية بأهمية القانون، وهناك أصداء واسعة مجتمعيا لحملاتنا"، مشيرة إلى أن "قانون حماية الأسرة يجب ألا يخضع لأجندات الأحزاب السياسية، التي لا تراعي سوى مصالحها الخاصة".
ويتعارض قانون العنف الأسري مع القوانين العراقية الأخرى، إذ إنّ هناك نصّا قانونيا في قانون العقوبات العراقية يسمح للزوج بتأديب زوجته، فضلاً عن وجود قوانين أخرى تحتاج إلى تكييف نصوصها لضمان عدم تعارضها مع القانون.