05 نوفمبر 2024
هذا الرهان السوري على هيلاري كلينتون
يحظى السباق الانتخابي الأميركي، الموصل في النهاية إلى البيت الأبيض، في أيامنا هذه، باهتمام سياسي وإعلامي كبير، على المستوى العربي، حيث تنال أنشطة المرشحين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري وتصريحاتهم قسطاً وافراً من التغطية التي تقوم بها مختلف وسائل الإعلام العربية، وخصوصاً قنوات التلفزة الفضائية التي تقدم تغطية واسعة، ومبالغاً فيها في بعض الأحيان. غير أن للرهان على أحد المرشحين، سواء هيلاي كلينتون أو دونالد ترامب، مبرراته، بالنظر إلى أن الولايات المتحدة قوة عالمية عظمى، يؤثر أي تغيير في تركيبتها السياسية الحاكمة على أمن العالم، والبلاد العربية خصوصاً. وبالتالي، من المهم معرفة مواقف المرشحين من القضايا العربية بشكل عام، والقضايا ذات الملفات الشائكة والملتهبة في المنطقة بشكل خاص، كالمسألة السورية والقضية الفلسطينية والوضع في كل من العراق ولبنان ومصر.
ومن المهم كذلك، في هذا السياق، أن يتحكّم بعلاقتنا بالولايات المتحدة الأميركية مدى وكيفية مقاربة المرشحين للرئاسة الأميركية هذه القضايا، بل ومقاربة الإدارة الأميركية منها، مع أن منصب الرئاسة، على أهميته، لا يحدّد من يعتليه وحده المواقف والسياسات، كونه يخضع لجملة من الاعتبارات والعوامل التي تتحكّم في السياستين، الداخلية والخارجية، للولايات المتحدة، وفي مقدمتها المصالح الأميركية والشركات الكبرى، ومجموعات الضغط واللوبيات المؤثرة على صانعي القرار.
ويخطئ كل من يراهن على نتائج الانتخابات الأميركية، وخصوصاً الساسة العرب، لأن وصول رئيس أميركي جديد، لن يفضي إلى أي تغييرٍ جوهري في الموقف الأميركي المنحاز بشكل سافر إلى إسرائيل، بسبب الإطار المرجعي الذي تشكّل فيه العقل السياسي الأميركي حيال القضايا العربية، وبسبب وجود جماعاتٍ مواليةٍ وداعمة لإسرائيل وسياساتها، وغياب أي تأثير عربي على صانعي القرار، على الرغم من أهمية المصالح الأميركية في منطقتنا.
فيما يخص المسألة السورية، يلاحظ أن مشتغلين في الحقل السياسي لا يخفون حماستهم لوصول هيلاري كلينتون إلى البيت الأبيض، معتقدين أنها ستفوز في الانتخابات الأميركية المقبلة، وأنها ستساهم في إيجاد حلّ سياسي للمسألة السورية، من جهة أنها لن تترك الملف السوري بيد الروس، بل ستمارس ضغطاً قوياً باتجاه إيجاد حل سياسي، وإلا فإنها قد تعمد إلى التلويح والانحياز إلى حل عسكري للمسألة.
وقد أسرّ لي أحد أعضاء قيادة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، أن "هنالك
ما يشبه التصميم، أو القرار، الأميركي، على أن يبقى الملف السوري في حالة من الجمود، مع الحرص على عدم إحداث تغييراتٍ كبرى على الأرض، إلى حين مغادرة الرئيس باراك أوباما، وأن كل المؤشرات تفيد بأن لهيلاري كلينتون الحظ الأوفر في الوصول إلى البيت الأبيض. لذلك، أضحت الاتصالات قائمةً مع طاقم كلينتون الانتخابي، لترتيب المرحلة المقبلة، ومعروفة مواقفها من المسألة السورية، وأنها ستدعم المعارضة السورية بالأسلحة النوعية، على الأقل، في حال عدم التوصل إلى حلّ سياسي. وبالتالي، هذا يفسر القول إن "على الأسد أن يرحل عبر حلّ سياسي، وإلا فإنه سيرحل بالقوة العسكرية".
يخفي هذا الرهان على هيلاري كلينتون، أماني كثيرة، مع انسداد الأفق السياسي، إضافة إلى الإصابة بالعجز، والتعويل على التمنيات. ولعل الدرس المفيد هو عدم المراهنة على ما يقوله، ويعد به، المرشحون للرئاسة في حملتهم الانتخابية، لأن الأقوال والوعود شيء، والواقع والمتحقّق بعد انتهاء الحملة الانتخابية شيء آخر، إذ ما أن يعتلي أحدهم كرسي الرئاسة، حتى تأتي السياسات متناقضةً، في غالب الأحيان، مع الوعود. ولا شك في أننا سمعنا وعوداً أميركية كثيرة حيال المسألة السورية، على لسان مسؤولين أميركيين عديدين، وذهبت كلها هباءً، وقبل ذلك، سمعنا غيرها من الوعود حيال القضية الفلسطينية، إذ نتذكّر، على سبيل المثال، ما عرف بـ"وعد بوش أو رؤيته" بخصوص إقامة الدولة الفلسطينية، إذ غادر دبيلو بوش البيت الأبيض، قبل أكثر من سبع سنوات، ولم يبذل، في فترتي رئاسته الولايات المتحدة، أي جهد حقيقي من أجل تحقيق رؤيته في إقامة دولة فلسطينية.
ومعروف أن القضايا والأزمات والكوارث الخارجية، بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، لا تبدو أساسية، وقد تحتل حيزاً صغيراً، من منطلق عام، يخص السياسة الخارجية، وتطاول مكانة الولايات المتحدة، القوية أو الانعزالية. صحيح أن لدى بعض الساسة خشية كبيرة على مكانة الولايات المتحدة في العالم، بسبب سياسات باراك أوباما المنكفئة، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، لكن إعادة الانخراط تحتاج إلى إدارة جديدة، تملك الرغبة والمحرّض والوقت الكافي لذلك، وليس هناك ما يؤكد أن مواقف هيلاري كلينتون، إذا ما وصلت إلى البيت الأبيض، ستختلف عن مواقف أوباما، بالرغم من مواقفها التي يمكن استخلاصها من مذكّراتها، أو من مواقفها عندما كانت وزيرة خارجية، حيال الأزمة الليبية، وما يُحكى عن محاولاتها إقناع أوباما بالتدخل في سورية. يضاف إلى ذلك أنها أظهرت في حملتها الانتخابية مواقف حيال أزمات (وملفات) المنطقة العربية، لا تبتعد كثيراً عن سياسة الانكفاء التي مارسها، وما يزال، الرئيس باراك أوباما.
ولا يعدم الأمر إمكانية تخلي الرئيس القادم عن سياسات أوباما في المنطقة العربية، خصوصاً المسألة السورية، لكن الرهان قد لا ينجح، إذا علمنا أن كلاً من كلينتون وترامب، إذا وصلا إلى كرسي الرئاسة الأميركية، فإنهما سيعملان وفقاً لما تمليه عليهما مصالح الولايات المتحدة. لذلك، على بعض المشتغلين في السياسة، سوريين وغير سوريين، ألا ينتظر عصا الحل السحرية من الرئيس الأميركي القادم، خصوصاً أن هناك مشكلات وأزمات عالمية عديدة متراكمة أمام صانعي السياسة الخارجية الأميركية، وبالتالي، من المهم جداً التسليم بأن العلاقات الدولية تبنى وفق موازين قوى، ولا تتحقق بالتمنيات أو الأحلام، بل ببناء عناصر القوة، عبر تشكيل مجموعاتٍ ضاغطة على صانعي القرار، وبناء صلاتٍ مؤسساتية، وإيصال معاناة السوريين بشكل صحيح إلى الرأي العام الأميركي.
ولا شك في أن الناخب الأميركي سيقترع، في انتخابات الرئاسة المقبلة، لمن يطلق وعوداً أو يطرح برنامجاً، يلبي مطالبه في تحسين ظروف حياته ومعيشته، ولا يكترث معظم الناخبين بالمسألة السورية، وبسواها من المسائل العربية، في حين أن ما يهم السوريين أن يكون الرئيس المقبل أكثر واقعية في تعامله مع مطالبهم في الحرية والديمقراطية والخلاص من الاستبداد، وحين قاموا بثورتهم، قبل أكثر من خمس سنوات، لم يراهنوا على أحد، بل على أنفسهم.
ومن المهم كذلك، في هذا السياق، أن يتحكّم بعلاقتنا بالولايات المتحدة الأميركية مدى وكيفية مقاربة المرشحين للرئاسة الأميركية هذه القضايا، بل ومقاربة الإدارة الأميركية منها، مع أن منصب الرئاسة، على أهميته، لا يحدّد من يعتليه وحده المواقف والسياسات، كونه يخضع لجملة من الاعتبارات والعوامل التي تتحكّم في السياستين، الداخلية والخارجية، للولايات المتحدة، وفي مقدمتها المصالح الأميركية والشركات الكبرى، ومجموعات الضغط واللوبيات المؤثرة على صانعي القرار.
ويخطئ كل من يراهن على نتائج الانتخابات الأميركية، وخصوصاً الساسة العرب، لأن وصول رئيس أميركي جديد، لن يفضي إلى أي تغييرٍ جوهري في الموقف الأميركي المنحاز بشكل سافر إلى إسرائيل، بسبب الإطار المرجعي الذي تشكّل فيه العقل السياسي الأميركي حيال القضايا العربية، وبسبب وجود جماعاتٍ مواليةٍ وداعمة لإسرائيل وسياساتها، وغياب أي تأثير عربي على صانعي القرار، على الرغم من أهمية المصالح الأميركية في منطقتنا.
فيما يخص المسألة السورية، يلاحظ أن مشتغلين في الحقل السياسي لا يخفون حماستهم لوصول هيلاري كلينتون إلى البيت الأبيض، معتقدين أنها ستفوز في الانتخابات الأميركية المقبلة، وأنها ستساهم في إيجاد حلّ سياسي للمسألة السورية، من جهة أنها لن تترك الملف السوري بيد الروس، بل ستمارس ضغطاً قوياً باتجاه إيجاد حل سياسي، وإلا فإنها قد تعمد إلى التلويح والانحياز إلى حل عسكري للمسألة.
وقد أسرّ لي أحد أعضاء قيادة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، أن "هنالك
يخفي هذا الرهان على هيلاري كلينتون، أماني كثيرة، مع انسداد الأفق السياسي، إضافة إلى الإصابة بالعجز، والتعويل على التمنيات. ولعل الدرس المفيد هو عدم المراهنة على ما يقوله، ويعد به، المرشحون للرئاسة في حملتهم الانتخابية، لأن الأقوال والوعود شيء، والواقع والمتحقّق بعد انتهاء الحملة الانتخابية شيء آخر، إذ ما أن يعتلي أحدهم كرسي الرئاسة، حتى تأتي السياسات متناقضةً، في غالب الأحيان، مع الوعود. ولا شك في أننا سمعنا وعوداً أميركية كثيرة حيال المسألة السورية، على لسان مسؤولين أميركيين عديدين، وذهبت كلها هباءً، وقبل ذلك، سمعنا غيرها من الوعود حيال القضية الفلسطينية، إذ نتذكّر، على سبيل المثال، ما عرف بـ"وعد بوش أو رؤيته" بخصوص إقامة الدولة الفلسطينية، إذ غادر دبيلو بوش البيت الأبيض، قبل أكثر من سبع سنوات، ولم يبذل، في فترتي رئاسته الولايات المتحدة، أي جهد حقيقي من أجل تحقيق رؤيته في إقامة دولة فلسطينية.
ومعروف أن القضايا والأزمات والكوارث الخارجية، بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، لا تبدو أساسية، وقد تحتل حيزاً صغيراً، من منطلق عام، يخص السياسة الخارجية، وتطاول مكانة الولايات المتحدة، القوية أو الانعزالية. صحيح أن لدى بعض الساسة خشية كبيرة على مكانة الولايات المتحدة في العالم، بسبب سياسات باراك أوباما المنكفئة، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، لكن إعادة الانخراط تحتاج إلى إدارة جديدة، تملك الرغبة والمحرّض والوقت الكافي لذلك، وليس هناك ما يؤكد أن مواقف هيلاري كلينتون، إذا ما وصلت إلى البيت الأبيض، ستختلف عن مواقف أوباما، بالرغم من مواقفها التي يمكن استخلاصها من مذكّراتها، أو من مواقفها عندما كانت وزيرة خارجية، حيال الأزمة الليبية، وما يُحكى عن محاولاتها إقناع أوباما بالتدخل في سورية. يضاف إلى ذلك أنها أظهرت في حملتها الانتخابية مواقف حيال أزمات (وملفات) المنطقة العربية، لا تبتعد كثيراً عن سياسة الانكفاء التي مارسها، وما يزال، الرئيس باراك أوباما.
ولا يعدم الأمر إمكانية تخلي الرئيس القادم عن سياسات أوباما في المنطقة العربية، خصوصاً المسألة السورية، لكن الرهان قد لا ينجح، إذا علمنا أن كلاً من كلينتون وترامب، إذا وصلا إلى كرسي الرئاسة الأميركية، فإنهما سيعملان وفقاً لما تمليه عليهما مصالح الولايات المتحدة. لذلك، على بعض المشتغلين في السياسة، سوريين وغير سوريين، ألا ينتظر عصا الحل السحرية من الرئيس الأميركي القادم، خصوصاً أن هناك مشكلات وأزمات عالمية عديدة متراكمة أمام صانعي السياسة الخارجية الأميركية، وبالتالي، من المهم جداً التسليم بأن العلاقات الدولية تبنى وفق موازين قوى، ولا تتحقق بالتمنيات أو الأحلام، بل ببناء عناصر القوة، عبر تشكيل مجموعاتٍ ضاغطة على صانعي القرار، وبناء صلاتٍ مؤسساتية، وإيصال معاناة السوريين بشكل صحيح إلى الرأي العام الأميركي.
ولا شك في أن الناخب الأميركي سيقترع، في انتخابات الرئاسة المقبلة، لمن يطلق وعوداً أو يطرح برنامجاً، يلبي مطالبه في تحسين ظروف حياته ومعيشته، ولا يكترث معظم الناخبين بالمسألة السورية، وبسواها من المسائل العربية، في حين أن ما يهم السوريين أن يكون الرئيس المقبل أكثر واقعية في تعامله مع مطالبهم في الحرية والديمقراطية والخلاص من الاستبداد، وحين قاموا بثورتهم، قبل أكثر من خمس سنوات، لم يراهنوا على أحد، بل على أنفسهم.