هجوم سوسة مجدداً.. بصمات ورسائل

20 يوليو 2015
+ الخط -
يعتبر الهجوم الدامي الذي استهدف سياحاً أجانب في منتجع في سوسة، من حلقات المواجهة بين السلطات التونسية والجماعات "الجهادية"، وعلى خلاف ما ذهبت إليه تحليلات أن العملية إنجاز "ذئب منفرد"، من يدقق النظر في حيثيات الهجوم يتبين أنه عملية محكمة الإعداد والتنفيذ. والقول إنها نتاج مبادرة فردية أمر بعيد عن المقاربة الواقعية/ المنطقية للحدث، فالمرجح أن الهجوم الذي قاده سيف الدين الرزقي من تدبير خلية سرية "جهادية" نشيطة، لا من خلية نائمة. والقرائن الدالة على الخلفية التنظيمية للهجوم كثيرة، وتحمل جميعها بصمات تنظيم الدولة الإسلامية الذي تبنى الهجوم صراحة، ومنها توقيت الهجوم ومكانه ووسائل تنفيذه، ونوعية الضحايا المستهدفين.
ففي مستوى التوقيت، بدا أن اختيار أواخر شهر يونيو/حزيران لشن الهجوم لم يكن اعتباطيا، فتلك الفترة تشهد الانطلاق الفعلي للموسم السياحي في تونس، وتوجيه ضربة خاطفة للسياح في هذا التوقيت يؤدي، بالضرورة، إلى ترهيب الزائرين والوافدين وإلى إفشال الموسم السياحي لا محالة. كما أن المهاجم أقدم على فعلته، في شهر رمضان الذي يعد شهر الجهاد، في نظر أنصار تنظيم الدولة الإسلامية وقادته. ويتزامن تاريخ الهجوم مع إحياء الذكرى الأولى لظهور التنظيم، وإعلان أبي بكر البغدادي خليفة للمسلمين، ومع القيام بعمليات موازية في باريس والكويت، على نحو يخبر بوجود تنسيق تنظيمي عابر للقارات، وقادر على إحداث المفاجأة في يوم واحد في بلدان مختلفة. والمراد البرهنة على قوة التنظيم وعلى قدرة "الدولة الإسلامية" على ضرب الأهداف التي تريد، في الوقت الذي تريد. واستمرار الهجوم على سوسة 45 دقيقة، وإمعان الجاني في القتل، وإصابته ضحايا كثيرين، متوسلا بسلاح كلاشنكوف (سلاح يمنع تداوله بين المواطنين التونسيين) دالّ على تلقيه دورات تدريبية في استخدام السلاح في معسكر ما. كما أن وصوله إلى مكان الهجوم لم يكن ليحصل، لو لم يجد قوة إسناد وفريق مراقبة، يؤمّن له بلوغ تلك المنطقة، المعروفة بانتشار رجال الأمن فيها بشكل مكثف. ولم يكن اختيار المكان المستهدف على جهة المصادفة أيضاً، فمنتجع القنطاوي من أشهر المنتجعات السياحية في تونس، وفندق "ريو امبريال مرحبا" من أكثر الفنادق استقطابا للسياح، وتملكه زهرة إدريس، النائب في مجلس النواب من حزب نداء تونس. وفي استهداف المكان ضرب للسياحة في مقتل.

ولم يكن اختيار الضحايا اعتباطياً، بل كان محكوما بخلفية أيديولوجية دوغمائية مخصوصة، فقد تفادى الجاني قتل التونسيين والعرب، وأصرّ على تصفية السياح الأجانب، قائلا لمعترضيه وملاحقيه: "دعوني وشأني، لا حاجة لي بالعرب، أريد أعداء الله...". وفي ذلك دليل على أن المهاجم محكوم بدوغما الجماعات السلفية الجهادية عموماً، وتنظيم الدولة الإسلامية خصوصاً، القائل إن "اليهود والمسيحيين والملحدين والمرتدين هم أعداء الإسلام وأعداء الخلافة". ومن ثمة يجوز إهدار دمهم، وبذلك، فالمهاجم إذ يقتل من يقتل يرى نفسه يتعبد بمن يقتل، وهو إذ يفعل ما يفعل يرى نفسه وفياً لمبادئ التنظيم، ومطبقا توجيهاته في الفتك بالمخالف والخارج عن الملة. والرسائل التي يروم تنظيم الدولة الإسلامية، ومن خلفه بقية الجهاديين، إبلاغها من خلال هجوم سوسة، عديدة، لعل أهمها: الإعلان عن نقل المعركة مع النظام الحاكم في تونس من الجبال إلى المدن، ومن استهداف العسكريين ورجال الأمن والسياسيين إلى استهداف المدنيين والسياح. والمراد إحداث الفوضى العامة، وتقويض السلم الاجتماعي. والانتقال من مرحلة النكاية بالدولة، ممثلة في مؤسساتها السياسية الأمنية والعسكرية إلى مرحلة إنهاك الدولة باستهداف الاقتصاد وضرب السياحة، والعمل على إرباك المسار الديمقراطي، وتحويل تونس إلى دولة فاشلة وغير مستقرة وترويجها باعتبارها مرتعاً للإرهاب، لا باعتبارها مهداً للربيع العربي، ونموذجا في السيرورة الديمقراطية الناجحة.
ويروم هجوم سوسة، أيضاً، إبراز قدرة تنظيم الدولة الإسلامية على اختراق الطوق الأمني في تونس، وإظهار الدولة في موقع العاجز عن صد هجمات التنظيم الدامية، والثأر لمعتقلي ومعتقلات الجماعات السلفية الجهادية في السجون التونسية، والرد على العمليات الأمنية التونسية الناجحة التي أوقعت عددا من متشددي السلفية، أسرى وجرحى وقتلى. والقصد من العملية تهديد تجربة التعايش السلمي/ التعددي في تونس بين العرب وغير العرب، وبين المسلمين وغير المسلمين، وتأزيم العلاقة بين المواطن التونسي والدولة، ودفعه إلى التشكيك في قدرة الأجهزة الأمنية على تأمين حمايته، ما يسهم في تعميق أزمة الثقة بين الحاكم والمحكوم. ويسهم في إغراء عدد من الشباب، وإبهارهم بقدرة التنظيم على النفير، والوعيد، والتنفيذ. والمراد إحداث أكبر صدى إعلامي ممكن، للهجوم على نحو يخدم مطلب التأثير والاستقطاب لصالح الجماعة.

511AC165-C038-4A2F-8C46-0930BBB64EBE
أنور الجمعاوي

أستاذ وباحث جامعي تونسي، فاز بالجائزة العربيّة للعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة لتشجيع البحث العلمي (فئة الشباب) من المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. له عدة أبحاث وكتب.