أربكت حادثة مقتل العشرات من عناصر مليشيا "الحشد الشعبي" في قرية السعدونية، التابعة لبلدة الحويجة بمحافظة كركوك (شمال العراق)، الإثنين الماضي، ملف الأمن مجدداً، بعدما قل الحديث عنه لأشهر، نتيجة "النصر" الذي حققته القوات العراقية على تنظيم "داعش" الإرهابي.
وأكد مصدر أمني عراقي أن قوات من الجيش ومليشيا "الحشد الشعبي" كثفت انتشارها، بشكل غير مسبوق، في قرية السعدونية ومناطق أخرى تابعة لبلدة الحويجة، مبيناً، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن القوات المشاركة اعتقلت عشرات من المشتبه بهم، وواصلت التفتيش من منزل إلى آخر.
وأشار المصدر إلى "تضييق الخناق على الحويجة ومناطقها، من خلال نقاط التفتيش التي قيدت التنقل خلال الليل، كما فرضت قيوداً على محاولات انتقال المدنيين من منطقة إلى أخرى"، متوقعاً أن تستمر الإجراءات الأمنية فترة طويلة.
وتوعّد رئيس "هيئة الحشد الشعبي"، فالح الفياض، بـ"الثأر" من قتلة عناصر المليشيا في السعدونية، مؤكداً، في بيان، أن رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، أمر بالتحقيق فيما وصفها بـ"حادثة الغدر".
وأضاف الفياض: "سنثأر بالقضاء على آخر بقايا عصابات (داعش) الإجرامية"، متابعاً أن "هذه الحادثة دليل على وجود خلايا لا تزال تعمل لـ(داعش)، وهي درس لقواتنا كي تأخذ الحيطة والحذر لمنع وقوع حوادث مماثلة".
وانتقد عضو البرلمان العراقي، جاسم محمد جعفر، ضعف الإجراءات الأمنية الذي تسبب في "الخرق الكبير" الذي حدث في الحويجة، مؤكداً خلال مقابلة متلفزة أن "عناصر تنظيم "داعش" يتنقلون بحرية في عدد من مناطق محافظة كركوك".
وأشار جعفر إلى أن "عناصر "داعش" يتجولون في الحويجة خلال الليل أكثر مما تتجول القوات العراقية"، مبيناً أن "التنظيم ما يزال يمثل تهديداً ينبغي عدم التهاون معه أبداً".
ولفت إلى أن تنظيم "داعش" تمكن، خلال الفترة الماضية، من الحصول على مواقع يختبئ فيها بمناطق كركوك، موجهاً انتقاده لـ"عدم مبالاة الأكراد لما يجري في الحويجة"، موضحاً أن "قوات (البشمركة) الكردية لم تقاتل التنظيم بشكل حقيقي في المعارك السابقة".
وكشف جعفر، وهو نائب عن "ائتلاف دولة القانون" الذي يتزعمه نوري المالكي، عن وجود دول تعمل على تفكيك مليشيا "الحشد الشعبي"، مؤكداً أن "هذه الدول عبرت عن استعدادها لتقديم منح للعراق" في حال وافق على حل المليشيا.
وذكر ضابط في وزارة الداخلية العراقية أن استهداف عناصر بمليشيا "الحشد الشعبي" قد لا يكون الهدف الوحيد لتنظيم "داعش"، مؤكداً أن "هذه الحادثة مثلت رسالة مفادها بأن خلايا التنظيم قد تظهر في أية لحظة".
وأشار الضابط في الداخلية إلى أن "القوات العراقية سارعت إلى إرسال أعداد كبيرة من قطعاتها إلى الحويجة للسيطرة على الموقف الأمني الذي تدهور بشكل مفاجئ"، موضحاً، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "القوات العراقية أحدثت تغييراً اضطرارياً في خططها الأمنية وركزت جهودها على الحويجة وبقية مناطق كركوك".
وأضاف المتحدث ذاته أن "هذا الأمر لا يخلو من مخاطرة، لأن تنظيم "داعش" قد يظهر ليضرب في مناطق أخرى، لاسيما وأن مناطق جبال حمرين بمحافظة ديالى وصحراء الأنبار لم تطهر بشكل كامل"، مبيناً أن "المرحلة المقبلة ستكون حذرة أمنياً، وهذا الحذر سيزداد كلما اقترب موعد الانتخابات" التي ستجري بعد أقل من ثلاثة أشهر.
إلى ذلك، دعا الزعيم القبلي، حميد الجبوري، إلى البحث الجدي عن المتسببين بحادثة الحويجة، معبّراً، في حديث لـ"العربي الجديد"، عن أمله في عدم حدوث عمليات انتقامية في البلدة.
وأوضح الجبوري أن "الحويجة تحملت الكثير من الظلم على يد تنظيم "داعش" خلال السنوات الماضية، ولا بد من العمل على تخليصها ومن العصابات الإرهابية بشكل لا يلحق الأذى بالمدنيين".
وفي السياق، أكد الخبير في شؤون الجماعات المسلحة، هشام الهاشمي، أن "ما حدث في الحويجة يمثل درساً قاسياً لمن يريد أن يعتبر، فالحادثة تمثل نكسة تقتضي القيام بحملة واسعة للقضاء الفعلي على فلول وجيوب تنظيم (داعش) الإرهابي".
وشدد الهاشمي على ضرورة "مطاردة الخلايا النائمة والساندة في بعض المناطق الجغرافية التي لم يتم تحريرها بشكل كامل"، موضحاً، في تدوينة على صفحته بـ "فيسبوك"، أن "ضعف إدامة وتطوير الجاهزية القتالية والقدرات التقنية وأجهزة المراقبة والاتصالات لدى قوات "الحشد الشعبي" أمور مثلت أسباباً للحوادث التي استهدفتهم في الحويجة".
وأشار الخبير ذاته إلى أن "هذا التقصير يجب أن يُحاسب عليه القادة بتهمة الإهمال أولاً، فضلاً عن عدم تزويد عمليات "الحشد الشعبي" بالقدرة الجوية والطائرات".
وأفادت مصادر عسكرية عراقية، في وقت سابق، بأن سبع سيارات تابعة لاستخبارات مليشيا "الحشد" وقعت في"كمين غادر" لـ"داعش"، في منطقة السعدونية، مبينة أن عناصر التنظيم كانوا يرتدون زي الشرطة الاتحادية، مما سهّل عليهم عمليتهم، التي أدت إلى مقتل أكثر من 30 عنصراً من المليشيات، غالبيتهم من قوات "بدر" ولواء "علي الأكبر".