تعرّض معبد للسيخ في العاصمة الأفغانية كابول، أمس الأربعاء، لهجوم دموي أدى إلى مقتل 25 شخصاً كانوا فيه وإصابة ثمانية آخرين بجروح وإنقاذ 80. وقبل أن يتبنّى تنظيم "داعش" الهجوم، سرت تكهنات وأقاويل بشأن الجهة المنفذة. غير أن التنظيم وضع حداً لما نقلته بعض القنوات الأفغانية استناداً إلى مصادر استخباراتية من أن شبكة "حقاني" الموالية لحركة "طالبان" قد شنّت الهجوم. مع العلم أن الاستخبارات الأفغانية سبق أن تلقت معلومات بتخطيط الشبكة لشن الهجوم على السفارة الهندية، بسبب وقوف نيودلهي مع كابول في التطورات الأخيرة، تحديداً الأزمة السياسية بين الرئيس الأفغاني أشرف غني ومنافسه عبد الله عبد الله، فإثر إعلان الخارجية الأميركية خفض مساعداتها لأفغانستان، أجرى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي اتصالاً بغني، يهنئه على الفوز، ويعده بمواصلة الدعم.
وبغض النظر عن ضحايا الهجوم والتساؤلات حول استهداف الأقلية السيخية في الوقت الراهن، فإن الهجوم لا يختلف كثيراً عن الهجمات التي تشهدها الساحة الأفغانية عموماً، لكن الظرف الذي وقع فيه الهجوم وهجمات "داعش" عموماً، مهم جداً، فهي ناقوس خطر، ليس فقط لمستقبل أفغانستان بل لعملية المصالحة الأفغانية برمتها، ذلك إذا كان الهدف إحلال الأمن في أفغانستان والقضاء على الحرب في هذا الجزء الأهم من المعمورة، أما إذا كان الهدف فقط إخراج الولايات المتحدة من المأزق، حينها سيتم تفعيل سيناريوهات أخرى.
كما أن مثل هذه الهجمات تضعف مهمة "طالبان" في حال خروج القوات الأميركية وفقاً لاتفاقهما في 29 فبراير/شباط الماضي، ذلك لأن واشنطن تدّعي بأن "طالبان" ستقوم بتصفية الجماعات المسلحة، لا سيما "القاعدة" و"داعش"، بعد خروج قواتها من أفغانستان. وقبل أيام عندما أعلنت الحركة القضاء على التنظيم في أكبر معاقله في شرق أفغانستان، إقليم كنر، رحّب المبعوث الأميركي للمصالحة زلماي خليل زاد بذلك، مصنفاً إياه بـ"وفاء طالبان بالوعود التي قطعتها على نفسها، وهو العمل ضد كل من يوجه التهديد للولايات المتحدة وحلفائها". وأثار تصريح خليل زاد استياء الحركة، فأكد المتحدث باسم المكتب السياسي لـ"طالبان"، سهيل شاهين، أن الحركة تقاتل "داعش" منذ خمسة أعوام وفق استراتيجيتها، محذّراً من أن يعطي أحد لحربها على "داعش" صبغة أخرى.
كما يثبت هجوم أمس أن ما ادّعته "طالبان" أخيراً عن القضاء على "داعش"، كما فعلت الحكومة الأفغانية أكثر من مرة سابقاً، ليس صحيحاً، وأن التنظيم موجود ويسعى لخطف الأضواء بالتزامن مع انعقاد الاجتماع الثاني بين مفاوضي "طالبان" والحكومة الأفغانية عبر تقنية "فيديو كونفيرنس" بخصوص إطلاق سراح أسرى الطرفين، وهي العقبة الأساسية في وجه المرحلة الثانية من عملية السلام من الحوار الأفغاني ـ الأفغاني.
وعلى الرغم من التفاؤل الكبير لإزالة العقبات في وجه الحوار بين الأطياف الأفغانية ما قد يوصل جهود المصالحة إلى بر الأمان، إلا أن استمرار مثل هذه الهجمات يخيب آمال الأفغان بانتهاء الحرب، حتى ولو تعهّدت "طالبان" بالقضاء على "داعش" بعد مصالحتها مع الولايات المتحدة، لأن الحركة معروفة بقتالها الشرس في جبهات الميدان، وباستهداف خصمها بشتى أنواع العمليات، لكن هل يمكنها مواجهة انتحارييي "داعش" في المستقبل، وفق ما يطرحه البعض؟
كما أن هجمات "داعش" تطرح تساؤلات أيضاً حول خروج القوات الأميركية والدولية من أفغانستان، في ظل استمرار الحرب والتصعيد، لا سيما إذا كان ذلك يشكل خطراً ولو في المستقبل البعيد للولايات المتحدة وحلفائها من أفغانستان. مع العلم أنه سبق لخليل زاد أن كشف لقناة "طلوع" المحلية قبل أيام، أن الولايات المتحدة لم تأخذ إذن أحد للدخول إلى أفغانستان ولا تحتاج أن تأخذ إذناً من أحد عند الخروج، وهي باقية في حال استمرار الخطر، وهجمات "داعش" تشير إلى أن الخطر موجود، رغم أن الاتفاق مع "طالبان" أساسه خروج القوات الأجنبية والأميركية من أفغانستان. ولا شك أن وجود "داعش" في أفغانستان وهجماته يهدّد المصالحة الأفغانية، ويشكل ورقة ضغط على الولايات المتحدة التي تريد الخروج من المأزق.