بالتزامن مع هجمات متجددة لتنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش"، استهدفت قوات الجيش المصري في محافظة شمال سيناء، شرقي مصر، أخيراً، كانت مدينتا الشيخ زويد والعريش في المحافظة تشهدان خلال الساعات الماضية اختطاف عدد من المواطنين على يد التنظيم، واعتقال آخرين من قِبل الأمن المصري، في تطورات ميدانية تنهي العام الحالي بالشكل نفسه الذي بدأ فيه، من دون أي تغيّر يذكر، وسط خيبة أمل تصيب المواطنين مع بداية كل عام ونهايته، نتيجة الوعود التي يتلقونها من المسؤولين الحكوميين والأمنيين بشأن إنهاء معاناتهم، من دون تحقيق ذلك.
وفي التفاصيل الميدانية، قالت مصادر قبلية وشهود عيان لـ"العربي الجديد"، إنّ مجموعة مسلحة من "ولاية سيناء" اقتحمت، ليلة الخميس - الجمعة، قرية قبر عمير، جنوب مدينة الشيخ زويد، واختطفت منها عدداً من المواطنين، وأصابت مواطنَين آخرين بحجة تعاونهما مع الأمن، جرى نقلهما إلى مستشفى العريش العام لتلقي العلاج اللازم. وكشفت المصادر أنّ أفراد التنظيم حذروا خلال اقتحام القرية كل من يتعاون مع الأمن المصري بتعرضه لمصير مشابه لهؤلاء.
وسبق اقتحام القرية، اعتقال الأمن المصري اثنين من أبرز النشطاء السياسيين والاجتماعيين في محافظة شمال سيناء، من دون توضيح أسباب ذلك أو مكان احتجازهما. وقالت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، إنّ قوة أمنية تابعة لمباحث قسم ثالث العريش اعتقلت الناشط السيناوي إبراهيم الكاشف، من "كافيتريا الحرية" التي يديرها في حي المساعيد، واقتادته إلى جهة غير معلومة. وفي وقت لاحق، قامت مديرية أمن شمال سيناء باعتقال الناشط الاشتراكي السيناوي أشرف الحفني، من منزله إلى جهة غير معلومة كذلك، وفق المصادر نفسها. وكان آخر ما كتبه الحفني عبر صفحته على موقع "فيسبوك"، قبل القبض عليه بنحو 24 ساعة: "علينا أن نجيب عن سؤال لماذا يجب أن لا نعترف بإسرائيل".
وبالتزامن مع عمليات الاختطاف، وقعت فجر أمس، الجمعة، اشتباكات عنيفة بين قوات الأمن المصري وتنظيم "ولاية سيناء" في مدينة رفح بمحافظة شمال سيناء. وبحسب مصادر قبلية تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإنّ انفجارات عنيفة سُمع دويها في مدينة رفح، بعد منتصف ليل الخميس، بالإضافة إلى سماع دوي إطلاق نار، موضحةً أنّ اشتباكات وقعت بين قوات الجيش ومجموعات عسكرية تابعة للتنظيم في المدينة، وسط أجواء المنخفض الجوي الذي يضرب المحافظة. وأشارت المصادر إلى أنّ دوي الانفجارات وإطلاق النار سُمع في مناطق واسعة من سيناء ومدينة رفح الفلسطينية، وأنّ الاشتباكات تركزت في المناطق الشمالية لرفح، خصوصاً القريبة من الساحل، فيما شهدت المنطقة قصفاً جوياً مكثفاً من قبل الطيران المصري بعد ساعات من وقوع الهجمات برفح، من دون أن يبلغ عن وقوع إصابات بشرية أو مادية.
وبحسب المصادر، فإنّ مدينة رفح شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في الهجمات من قبل "ولاية سيناء" خلال الأسابيع القليلة الماضية، على الرغم من أنها باتت شبه خالية من السكان. إذ استهدف التنظيم عدداً من المواقع والكمائن العسكرية والآليات المتحركة في غالبية مناطق المدينة، ما أدى لوقوع خسائر بشرية ومادية فادحة في صفوف قوات الجيش والشرطة. وهو ما يشير إلى بقاء قوة التنظيم في المدينة، على الرغم من أن تهجير سكانها جاء بحجة القضاء على الإرهاب وطرده خارجها، إلا أنّ السكان تم تهجيرهم مع بقاء التنظيم صامداً فيها، بالإضافة إلى بقية مدن محافظة شمال سيناء، كالشيخ زويد والعريش وبئر العبد، التي باتت جميعها مسرحاً لهجمات التنظيم.
وفي تعقيب على ذلك، قال الناشط السياسي زهدي جواد، لـ"العربي الجديد"، إنّ هذه التطورات الميدانية "تأتي مع اقتراب انتهاء عام 2019، لتؤكد على أنه لم يختلف عن سابقيه، لجهة الظروف الأمنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية. فالمحافظة لا تزال في حالة أزمة شاملة منذ الانقلاب العسكري، والمواطنون في كل الأحوال هم الضحية للهجمات التي يشنها ولاية سيناء والأمن المصري على حد سواء". ورأى جواد أنّ اعتقال النشطاء البارزين من مدينة العريش، "يمثّل سابقة خطيرة، لكتم أي صوت ينادي بضرورة تلبية حاجات المواطنين الصامدين في المحافظة، على الرغم من كل الظروف سابقة الذكر"، لافتاً إلى أنّ "حالة من الغضب تسود في أوساط المواطنين نتيجة عمليات الاختطاف الأخيرة للنشطاء".
وأوضح جواد أنّ "خيبة الأمل باتت مسيطرة على المشهد في سيناء، نتيجة انتهاء عام 2019 وبقاء الأوضاع على حالها، على الرغم من الإعلان منذ بداية هذا العام، أنه سيكون عام القضاء على الإرهاب في سيناء. إلا أنّ الواقع يشير إلى تمدد الإرهاب، واستمرار تضرر المواطنين من سياسات الأمن وتصرفات تنظيم داعش الإرهابي". وأكّد أنّ "كل مؤسسات الدولة باتت مقصرة في تعاملها مع ملف سيناء من كافة النواحي: الأمنية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والصحية والتعليمية، وهذا بشهادة المسؤولين الحكوميين في المحافظة". ورأى الناشط السياسي نفسه أنّ "نهاية عام 2019 لا تبشر بالخير في استقبال العام الجديد، ما يزيد الإحباط لدى المواطنين، وذلك يستدعي تغييراً عاجلاً في السياسات الحكومية في التعامل مع سيناء، بدلاً من الخطابات الفارغة حول تنمية المحافظة، وتحسين الأوضاع المعيشية فيها، من دون وجود أي رصيد لهذه الوعود على أرض الواقع، على الرغم من مرور كل هذه السنوات على سوء الوضع".