تشعر الباحثة الإيطالية في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، فرانتشيسكا زابي، بالقلق الشديد من ازدياد مخاطرة القاصرين المصريين بحياتهم للهجرة غير الشرعية إلى بلادها، إذ يصبحون تحت رحمة المهربين، كما أن العديد منهم يموت غرقاً في البحر المتوسط، خلال محاولتهم للبحث عن حياة أفضل، تضمن لهم حقوقهم الأساسية، في حياة كريمة.
تؤكد فرانتشيسكا أن حادث لجوء الطفل المصري، أحمد فؤاد مرعي، إلى إيطاليا بعد معاناته خلال محاولة الهجرة غير الشرعية، لن يكون الأخير، وتتابع قائلة لـ"العربي الجديد": "أحمد الذي يبلغ عمره 13 ربيعاً، لجأ إلى إيطاليا في محاولة لعلاج شقيقه، لم يكن ليهرب من بلاده، لو كانت مصر تضمن الاستشفاء الطبي للجميع، أحمد غامر بحياته لإنقاذ حياة فرد من عائلته".
تزايد معدلات هجرة القاصرين المصريين
في الأشهر السبعة الأولى من عام 2016 وصل 11 ألف قاصر غير مصحوب بأهله إلى إيطاليا، وفقا لإحصاءات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، وهو ما يمثل أكثر من ضعف هذا الرقم مقارنة مع نفس الفترة من عام 2015، إذ وصل إلى إيطاليا في الفترة ذاتها نحو خمسة آلاف قاصر "غير مصحوب"، ويحظى القاصرون المصريون غير المصحوبين بنصيب الثلث من بين الرقم السابق، إذ يبلغ عددهم 3500 قاصر، "بينما لقي العشرات حتفهم، ولم يتم انتشال جثثهم من عرض البحر"، كما يقول ريكاردو نوري، الناطق الرسمي باسم منظمة العفو الدولية في إيطاليا متابعا لـ"العربي الجديد"، إن "منظمة العفو تدعو إلى اعتماد طرق قانونية وآمنة لضمان دخول طالبي اللجوء إلى أوروبا، وخصوصا تلك الحالات الضعيفة من القصر، والتي تحتاج إلى الحماية الإنسانية، وجمع شمل الأسرة".
ثلاثة أنواع من القاصرين يلجأون إلى روما
يتمتع الطفل القاصر الأجنبي الذي يدخل التراب الإيطالي، حتى لو كان لجوؤه غير قانوني، بكل الحقوق التي نصت عليها الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل الصادرة في عام 1989، والتي تنص، على إعطاء الأولوية لما يصطلح عليه بـ "مصلحة الطفل"، وفقا لما يؤكده محمد باهي، المستشار القانوني لدى المكتب الدولي للخدمات القانونية، بتورينو.
يقول باهي لـ"العربي الجديد"، "القانون الإيطالي يقسم الأطفال القاصرين الأجانب إلى "قاصر مقبول وهو الذي يتجاوز سنه ست سنوات، ودخل إيطاليا في إطار برامج التضامن التي تقوم بها المؤسسات أو الجمعيات أو الأسر مؤقتاً في التراب الإيطالي"، و"قاصر مصحوب"، ويتم تعهده من طرف أقاربه المقيمين بصورة قانونية في حدود الدرجة الثالثة، ثم "قاصر غير مصحوب وليس له مرافق"، وهؤلاء ليس لهم أقارب بالغون يمكنهم أن يكونوا مسؤولين قانونيا عنهم".
وتتكفل إدارة الحريات المدنية والهجرة بوزارة الداخلية الايطالية بإدارة وحماية القاصرين الإيطاليين. أما بالنسبة لباقي القاصرين من الجنسيات الأخرى ومنها المصريون، فتتكفل بهم المديرية العامة للهجرة وسياسات التكامل، التابعة لوزارة العمل والسياسات الاجتماعية، كما أوضح باهي الحاصل على إجازة وماجستير في القانون بجامعة يوهانس غوتنبرغ في ألمانيا.
ولفت المستشار باهي إلى أن التعليم يأتي في المقام الأول بالنسبة للحقوق الممنوحة للقاصرين المصريين وغيرهم من الأجانب في إيطاليا، قائلا "جميع الأطفال الأجانب، حتى من لا يوجد لديهم تصريح إقامة، لهم الحق في أن يكونوا مسجلين في جميع المستويات التعليمية"، وتأتي الرعاية الصحية، في المقام الثاني من حيث الحقوق الممنوحة للقاصرين، إذ يلزم القانون الإيطالي المؤسسات الوصية على الأطفال الأجانب القاصرين بضرورة تسجيلهم لدى هيئة الخدمات الصحية الوطنية".
أحمد ومقتل ريجيني
شغلت قضية مخاطرة الطفل المصري أحمد بحياته، من أجل محاولة علاج شقيقه أشرف مرعي، المصريين والإيطاليين على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة أنها تزامنت مع تداعيات حادثة مقتل الباحث الإيطالي في القاهرة جوليو ريجيني، والتي لم تنته حتى اللحظة، إذ أثارت رحلة أحمد من محافظة كفر الشيخ، شمال مصر، حتى ميناء إيمبيدوكلي، تعاطف الإيطاليين مع معاناته هو وشقيقه المريض بنقص الصفائح الدموية، في ظل عجز العائلة عن توفير الأموال المطلوبة لعلاجه، والتي تناهز 30 ألف جنيه مصري، (ما يقارب أربعة آلاف يورو)، "بينما دخل الأسرة السنوي لا يتعدى 22 ألف جنيه (ما يقارب ثلاثة آلاف يورو)"، كما قال أحمد عند وصوله، وفق إفادات من مركز استقبال المهاجرين بجزيرة لامبيدوزا، بعدما عثر مع الطفل على كيس بلاستيكي بداخله الوصفات العلاجية لشقيقه، خوفاً من تبللها أو ضياعها بسبب ماء البحر ورطوبته، خلال رحلة الموت.
وكان إعلان ستيفانيا سكّاردي، نائبة رئيس جهة توسكانا المكلفة بالصحة (المنتمية للحزب الديمقراطي الذي يقود الحكومة)، على صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي عن نداء إنساني للتعاطف مع أحمد، قد أدى إلى تجاوب رئيس الحكومة ماتيو رينزي، وأعضاء الحزب الديمقراطي، المنتخبين في جهة توسكانا ومدينة فلورنسا، بتنسيق مع مؤسسة مستشفيات مايير، ومركز كاريدجي، لإطلاق حملة وطنية، وفتح حساب بنكي لدعم أحمد وعائلته.
وفي مساء يوم الجمعة 19 أغسطس/آب جرى تنظيم حفل صغير لأحمد بفلورنسا، مباشرة بعد وصوله إلى مطار المدينة المهيّأ للرحلات الخاصة، قادماً من مطار فونتاناروسّا، جنوباً، في رحلة خاصة، رافقه فيها مساعدون اجتماعيون، وممثلون للشرطة، والمستشار البلدي دجوفانّي بيتّاريني، (صديق ماتيو رينزي، رئيس الوزراء)، والذي كان يمثل عمدة فلورنسا الحالي، داريو نارديلّو.
ويقول عمدة فلورنسا نارديلّو لـ"العربي الجديد"، "مرحبا بأحمد في فلورانسا. قطع أحمد المتوسط من مصر إلى هنا، كان حقا شجاعا وقويا. أتمنى أن تتمكن وشقيقك من العودة للضحك واللعب معاً، لأن هذا ما يجب أن يفعله الصغار في أي بلد، ليكونوا سعداء".
ويمنع الفصل السابع من مدونة السلوك الصحافي في إيطاليا، الحديث الصحافي مع أحمد أو تصويره، إذ تشترط المدونة ترخيصاً من الوالدين أو ولي الأمر، ويؤكد محمد شاهين، القيادي في المنتدى الإيطالي المصري بإيطاليا، أنه "من الصعوبة بمكان المقارنة بين ما حدث مع ريجيني في القاهرة وبين ما حدث مع الطفل المصري، إنها مقارنة بين الفاشية والديمقراطية، مقارنة بين الإنسانية وشريعة الغاب".
اعتداء على قصّر مصريين في إيطاليا
أثناء إنجاز التحقيق وثق معد التحقيق اعتداء تعرض له ثلاثة قاصرين مصريين، في بلدة كاتانيا، بجزيرة صقيلية، من طرف ثلاثة إيطاليين عنصريين شباب، إذ انهالوا بالضرب بعصا بيسبول وكعب مسدس عليهم، ما أدى إلى نقلهم إلى مستشفى "غاريبالدي نيزيما".
ولأن مناطق الجنوب الإيطالي تتحمل العبء الأكبر في هجرة القاصرين غير المصحوبين، فقد ناقش مجلس الشيوح الإيطالي في أغسطس/آب الجاري مقترحاً بتعديل القانون المتعلق بنظام بنية استقبال القاصرين، لتخفيف الضغط على محافظات باليرمو، وبوزالو وميسينا وريجيو كالابريا، بسبب ما قد يخلفه الاكتظاظ من تداعيات على مستوى أداء دور رعاية الأطفال، أو وقوع حوادث ضد هؤلاء اللاجئين مثلما جرى للقصّر المصريين الباحثين عن وطن.