توقع كثيرون أن المدرب القادم لبايرن ميونخ لن يخرج بعيداً عن توماس توخيل، بعد تأكيدات الصحف الألمانية ووسائل الإعلام الصادرة من بافاريا، خصوصاً بعد تفرغ المدرب السابق لدورتموند وعدم وجود أي عرض رسمي آخر من أجله.
لذلك كانت النهاية المعروفة بأن توخيل هو مدرب بايرن المنتظر بعد إقالة كارلو أنشيلوتي، لكن إدارة النادي ضربت بهذه التوقعات عرض الحائط، لتتفق مع المدير الفني الخبير يوب هاينكس، في مفاجأة مدوية بعيدة تماماً عن المألوف، وستكون مهمة الرجل المعروف بلقب الثعلب، قصيرة ودقيقة ومحددة، بإنقاذ بايرن في الفترة الحالية حتى نهاية الفوز، قبل قدوم خليفته بالصيف المقبل.
درّب يوب فريق بايرن من قبل ثلاث مرات، المرة الأولى كانت في نهاية الثمانينيات، وحقق نسبة فوز وصلت إلى 55 %، بينما جاء كفترة مؤقتة في عام 2009 لمدة خمس مباريات، قبل أن يعود في 2011 ويصل إلى نسبة انتصارات ارتفعت نحو 76 %، ويبدو أن المهمة الرابعة هي الأخيرة له مع ميونخ بشكل خاص، والكرة الألمانية على وجه العموم.
الدفاع المتكامل
خاض يوب هاينكس تجربته الثالثة مع بايرن ميونخ عام 2011، بعد خلافته الهولندي لويس فان غال، وبدأت الولاية الجديدة بمجموعة من خيبات الأمل، بعد خسارة الدوري لصالح دورتموند بفارق ثماني نقاط كاملة، والسقوط أمام نفس الفريق في نهائي الكأس بنتيجة هدفين مقابل خمسة، ثم استمرار الحسرة بالهزيمة أمام تشيلسي في نهائي دوري الأبطال على ملعب الأليانز أرينا، ليخسر الفريق "البافاري" ثلاث بطولات دفعة واحدة، قبل أن ينفجر في الموسم الأخير للمدرب، ويحقق الثلاثية التاريخية عام 2013، بأداء ثابت ونتائج مبهرة وطريقة لعب مثالية إلى أقصى درجة.
سيطر دورتموند بعد كأس العالم 2010 على خريطة الكرة الألمانية، بعد أسلوب الضغط العكسي الذي طبقه المدرب يورغن كلوب، ليظهر فريقه وكأنه مجموعة ماكينات حقيقية، تخنق الخصم في نصف ملعبه، وتضغط طلباً للكرة في كل أرجاء المستطيل الأخضر، وبمجرد الحصول عليها، تبدأ المرتدة الخاطفة بأقل عدد من التمريرات العمودية، فيما عرف تكتيكياً وقتها بظاهرة "الغيغن بريسنغ".
وحصل هاينكس على المصل من مواطنه، لكن مع قدرات أعلى وخبرة أكبر، فالبايرن ضم أسماء مميزة كروبين وريبيري ومولر، رفقة شفاينشتايغر وماندزوكيتش والإسباني خافي مارتينيز، ليستخدم الطاقم التقني للفريق أسلوب الضغط القوي، لكن مع حماية مرماه أولاً من المرتدات الخطيرة، وحرمان خصومه من ميزة قطع الكرة بتقارب الخطوط وتقليل الفراغات المتاحة.
حصل بايرن على الإشادة من الجميع في النصف الثاني من موسم 2012-2013، مع هجومه الفتاك ودفاعه المتوازن، وأطلق خبراء اللعبة مصطلح "التكتيك المتكامل" لوصف طريقة لعب البافاري في آخر أيام هاينكس. ويعتبر هذا النموذج بمثابة المزيج بين دفاع المنطقة ودفاع الرجل لرجل، أي أن الفريق يلعب بضغط مرتفع لكن مع دفاع آمن، وهذا بالطبع يحتاج إلى لياقة حديدية، مع ثنائي ارتكاز على أعلى مستوى بدني، بالإضافة إلى أطراف تجيد التحول من الجناح إلى الوسط أثناء الضغط، ومهاجم لا يتوقف عن الحركة، لتحصل أسماء مثل مارتينيز، كروس وبعده شفايني، ثم روبين وريبيري وماندزوكيتش على الفرصة، ويصبح البايرن مرعب القارة العجوز بحق.
بايرن الماضي
خطف أريغو ساكي الأضواء من الجميع في نهاية القرن العشرين، حيث كان يطبق مع ميلان الرهيب نظام مصيدة التسلل، بفارق بين الدفاع والهجوم يصل إلى 25 متراً فقط، ما ساعده على تطبيق سياسة الضغط أمام منافسيه، لكن بعد تمديد الملعب وتغيير قوانين التسلل وتطور خطط اللعب، أصبح من المستحيل اللعب بفارق مسافة 25 متراً فقط، إلا في أضيق الظروف ومع بعض الفرق. وأضاف بايرن هاينكس إلى الضغط دفاعاً متأخراً.
أثناء مباراة برشلونة وبايرن في دوري الأبطال، أحد أشهر كلاسيكيات يوب، لعب هاينكس لعباً خانقاً برشلونة أمام مرماه، مستخدماً ريبيري، وروبين، وماندزوكيتش، وعندما يمرر دفاع برشلونة الكرة إلى خط الوسط، تجد الثنائي مارتينيز شفاينشتايغر في الانتظار. هذا الثنائي لم يتقدم تجاه نصف ملعب الكتلان، بل وقف في انتظار أي كرة تمر من ضغط الثلاثي الهجومي. وفي حالة تقدم لاعبي الارتكاز، يعود لاعب حر مثل ريبيري أو روبين إلى الوسط، ليقوم بالتغطية مكان زميله، هكذا حتى الوصول إلى النهائي وهزيمة دورتموند.
ورغم قوة بايرن في هذا الموسم، إلا أن البدايات لم تكن تبشر بهذه النهاية أبداً، فدورتموند كان المسيطر على الساحة المحلية مع كلوب، وبالتالي فإن حفاظ هاينكس على هذا النسق في حالة استمراره بعدها كان أمراً غير مضمون، لأن الجميع صار يحسب لفريقه ألف حساب، ولم يعد عامل المفاجأة متاحاً كالسابق. وبعد عودته من جديد بعد رحيل كارلو، فإن ضمان النجاح ليس بالأمر السهل، فمعظم عناصر بايرن صارت كبيرة بالسن، كالثنائي روبين وريبيري، مع اعتزال فيليب لام وانخفاض مستوى مولر، لذلك يحتاج الأمر إلى وقت للتكيف وإعادة المجموعة إلى المسار الصحيح.
ماذا بعد؟
أكد المدرب السابق أوتمار هيتسفيلد بأن هاينكس خيار مناسب لبايرن، فالرجل يعرف بيئة بافاريا جيداً، ويستطيع لم شمل الفريق، وتجهيز البيت من الداخل قبل قدوم المدير الفني الجديد. وتؤكد المصادر القريبة من النادي بأن أولي هونيس كسب من جديد معركته ضد رومينيغه، في سبيل فرض السطوة الكاملة على مفاتيح النادي الألماني، فكارل هاينز أراد توماس توخيل من البداية، لأنه حر بلا عقد، ويملك نسبة نجاح لا بأس بها مع ماينز ودورتموند، لكن هونيس كان له رأي آخر، بضرورة الوصول إلى ناغلزمان مدرب هوفينهايم الحالي.
يعتقد رئيس بايرن بأن توخيل لن ينجح معهم، لأنه صاحب شخصية عنيدة جداً، ولديه تاريخ حافل من الصدام مع الإدارات التي تعامل معها، لذلك لم يستمر طويلاً مع بروسيا، رغم فوزه بالكأس في موسمه الأخير، وربما تعود الخلافات مرة أخرى عند توليه قيادة حامل اللقب، مع تدخل الإدارة في الأمور الرياضية، ووضع كلمتها داخل سوق الانتقالات، وبالتالي ساءت المفاوضات بين الجانبين، وتأكد كل طرف أن الارتباط الحالي سيكون ضااً، سواء لتوماس أو لبايرن.
يريد هونيس التعاقد المستقبلي مع يوليان ناغلزمان، الشاب الصغير الذي أبهر الجميع بنجاحاته وانتصاراته مع هوفينهايم، وتشكيله عقدة حقيقية أمام بايرن أنشيلوتي في أكثر من مواجهة. ومع استحالة التعاقد الحالي لارتباط المدرب بعقد مع ناديه، فإن الفكرة ستكون سهلة وعملية بالصيف المقبل، لذلك جاء قرار الاتفاق مع يوب هاينكس، ليتولى زمام الأمور لفترة لن تزيد عن تسعة أشهر، قبل أن يترجل ويعطي الفرصة لبديله.
نقطة أخرى أيضاً لم يلتفت إليها كثيرون، تخص الوضع السيئ لإدارة بايرن ميونخ أمام الصحافة والجماهير، بعد الرهان على كارلو أنشيلوتي، ثم إقالته بعد أقل من عام ونصف العام، في حدث غريب وغير معتاد بالنسبة لهم، لتصبح شعبيتهم على المحك أمام الجميع. ونتيجة الشعبية الجارفة التي يتمتع بها هاينكس بالنسبة للجمهور والأنصار، فإن عودته تعني فرض حالة من الهدوء والاطمئنان داخل جدران النادي، في انتظار ما ستسفر عنه هذه الخطوة غير المتوقعة.