نوّاب لبنان يكرّسون ديكتاتوريتهم ويمدّدون لأنفسهم اليوم

05 نوفمبر 2014
القاعة العامة لمجلس النواب (علي فواز)
+ الخط -
ستذكر كتب التاريخ أنّه في حين كانت شعوب المنطقة العربيّة تخرج في الشوارع مطالبة بالحريّة والديمقراطيّة، كانت السلطة السياسيّة في لبنان تضرب واحداً من مظاهر الديمقراطيّة القليلة في البلاد، أي العمليّة الانتخابيّة. يُقرّ النواب اللبنانيّون، اليوم الأربعاء، تمديداً ثانياً لولاية مجلس النواب، لمدة سنتين وسبعة أشهر، ليستمر النواب المنتخبون في يونيو/حزيران 2009 لولاية واحدة من أربعة أعوام، في ممارسة وظيفتهم ــ التي لم يُمارسوها بشكل فعلي ــ لولاية ثانية من أربعة أعوام أيضاً. وقد سبق هذا التمديد، تمديد أول لمدة سنة وخمسة أشهر.
تُبرر القوى السياسية هذا التمديد بالأوضاع الأمنيّة، وبعدم الرغبة في الوصول إلى فراغ نيابي يُضاف للفراغ الرئاسي الذي يعيشه البلد منذ 165 يوماً. لكنّ نظرة سريعةً لأداء هذا المجلس النيابي، تُبرز حجم الفشل. فإضافةً إلى عدم انتخاب رئيس للجمهوريّة، لم يُقرّ المجلس أياً من القوانين الأساسيّة والضرورية. لم يُنجز قانوناً جديداً للانتخابات النيابيّة ولا موازنةً للبلد الذي يعيش من عام 2005 من دون موازنة. كما أنّ مجلس النواب فشل في عقد جلسات دوريّة. وفي عهد هذا المجلس، أرسل حزب الله قواته للقتال إلى جانب النظام السوري، وانتشر الأمن الذاتي في البلد، وسيطر مسلحون إسلاميون متشدّدون على مناطق حدوديّة، وعلى قلوب الناس وعقولهم.
أكثر مشهد سريالي سيُشاهده اللبنانيون اليوم، هو إقرار مشروع قانون التمديد الذي رفعه النائب نقولا فتوش. ومن نسيه؟ فتوش الذي اعتدى على موظفة في قصر العدل بالضرب لأنها لم تُسايره. وفتوش، الذي شطبت نقابة المحامين اسمه عن لوائحها، ما يعني حرمانه من حقّ ممارسة المهنة. نقولا فتوش هذا، وليس غيره، هو صاحب مشروع قانون التمديد، الذي سيُقرّ اليوم. لا يحتاج الأمر لأكثر من هذا المشهد ليُدرك اللبنانيون إلى أين وصل الحال بهم.
وسبق جلسة التمديد هذه، خفض بعض مستويات التوتّر المذهبي والسياسي في البلد، عبر خطاب أمين عام "حزب الله" حسن نصرالله، الذي دعا لحوار وطني من أجل انتخاب رئيس للجمهوريّة، وأعلن انفتاح حزبه على الحوار مع تيار المستقبل. وقد أشاد نصرالله بدور تيار المستقبل في الاشتباكات، التي دارت شمال لبنان، بين الجيش اللبناني ومسلحين متشددين. ورأى نصرالله أنّ هذا التيار ومواقف "القيادات السنيّة" وأهل طرابلس ساهموا في منع الأمور من التفاقم شمالاً.

والأبرز في خطاب نصرالله، كان تسميته مرشح الحزب للانتخابات الرئاسيّة، إذ ذكر للمرة الأولى إسم رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون.
ولاقى العونيون موقف نصرالله هذا، سريعاً. وبحسب مصادر عونية، سيُشارك نواب التيار في جلسة التمديد، وإن لم يُحسم القرار نهائياً بالتصويت أو عدمه، إلا أنّ المشاركة بحدّ ذاتها تُعتبر تأييداً ضمنياً للتمديد. وقالت مصادر عونيّة لـ"العربي الجديد"، إنّ "الجنرال (ميشال عون) لا يُريد أن يتحمّل مسؤولية الدم السنيّ ــ الشيعيّ، لذلك فهو لن يخوض معركةً لرفض التمديد".
وأعلن حزب الكتائب، مساء أمس، رفضه التمديد وأنّ نوابه لن يشاركوا في الجلسة. أما القوات اللبنانيّة التي وجدت نفسها وحيدة في هذه المعركة، فقد طرح رئيسها سمير جعجع مبادرةً موجهةً للأحزاب المسيحيّة، تهدف لانتخاب رئيس "بما أن هناك نصاباً في مجلس النواب". لكنّ "القوات" التي "تمانع" التمديد شكلياً، تخسر المزيد من الثقة بينها وتيار المستقبل.
وإذا كان مسؤولون في تيار المستقبل "يتهكّمون" على مبادرة القوات اللبنانية، فإن أحدهم أبلغ "العربي الجديد"، أنّ قيادة التيار لا تزال تدرس مبادرة نصرالله الحوارية بتأنٍ، و"لن تستعجل الحكم عليها".
ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ قانون التمديد الذي سيُقرّ، يُمكن الطعن فيه لأسباب كثيرة، أبرزها عدم احترام الحكومة للمهل القانونيّة. لكن الطعن الذي قُدم أمام المجلس الدستوري، في التمديد الأول، سقط بسبب تطيير نصاب جلسات المجلس الدستوري، الذي يُعد في لبنان أعلى سلطة قضائيّة تملك الحقّ في إبطال القوانين في حال عدم دستوريّتها.
إذاً، يستعيد لبنان اليوم، للمرة الثانية، بعضاً من إرث الحرب الأهليّة. فتمديد ولاية المجلس النيابي لم يجرِ إلا في الحرب؛ في وقت كان لبنان قد استعاد فيه مظاهر أخرى من مظاهر الحرب، كالخطف والأمن الذاتي وضعف الدولة. وقد أدانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" التمديد. وقال نائب مدير مكتبها في الشرق الأوسط وشمال افريقيا نديم حوري، إنّه "لا يوجد وقت مناسب لإجراء الانتخابات في لبنان، لكن الانتخابات جرت عامي 2005 و2009؛ أما فشل السياسيين في إقرار قانون جديد للانتخابات والاتفاق على رئيس للجمهورية، لا يُبرر حرمان المواطنين من حقّهم في الانتخاب". كما سيشهد لبنان اليوم تحركاً شبابياً، لن يكون حاشداً، رفضاً للتمديد.