مع بدء موسم الأمطار، تزداد معاناة سكان العاصمة الموريتانية نواكشوط، بسبب عدم وجود نظام للصرف الصحي بالمدينة، التي يقدر سكانها بنحو مليون نسمة.
وتشهد العديد من أحياء العاصمة انتشار المستنقعات ومخلفات مياه الأمطار، ما جعل مناطق شبه مهجورة، كما هو حال حي بغداد، أحد أقدم وأهم أحياء نواكشوط، الذي هجره سكانه منذ سنوات بسبب ارتفاع منسوب تلوث المياه فيه.
ونجمت مخلفات كثيرة عن غياب نظام الصرف الصحي، مثل انتشار الأمراض الناتجة عن المستنقعات مثل الملاريا والحمى القلاعية وغيرها من الأمراض المرتبطة بالبعوض والتلوث.
ويحذر خبراء بيئة من غرق العاصمة ككل، بفعل ارتفاع منسوب مياه البحر، وهو جعل السلطات الموريتانية تلمح مراراً إلى أن وضع نظام للصرف الصحي بالمعايير الحديثة متعذر في نواكشوط بسبب موقعها غير المناسب.
ومنذ بداية تأسيس العاصمة الموريتانية في ستينيات القرن الماضي، بدأت محاولات إقامة نظام للصرف الصحي، إلا أن هذه المحاولات كانت محدودة وفشلت بسبب الاتساع المطرد للعاصمة جغرافيا وبشريا.
ويعتبر الباحث محمد لغظف أحمد، في دراسة له نشرت أخيراً، أن حالة الجفاف التي شهدتها موريتانيا خلال فترة الثمانينيات، وهي فترة توسع العاصمة، كانت محفزا للسلطات الموريتانية على تجاهل وضع نظام الصرف الصحي، وأنشأت شبكة أخرى عام 1981 لكنها لم تكتمل لغياب الدراسة ونقص التمويل. وفي تسعينيات القرن الماضي تم التعاقد مع شركة صينية أنشأت كيلومترين و300 متر من أنابيب يبلغ سمكها 25 سنتيمترا.
وأنشأت الحكومة سنة 2016 "المكتب الوطني للصرف الصحي"، وبدأ المشروع بتنفيذ عمليات لشفط المياه خاصة في المراكز المهمة بالعاصمة، إضافة إلى إنجاز دراسات حول نظام الصرف الصحي، ومع بدء دخول برنامج آفطوط الساحلي في الخدمة وتدفق كمية هائلة من مياه البحر المعالجة إلى شبكة المياه في العاصمة تفاقمت أزمة الصرف الصحي بسبب تهالك الشبكة.
وبحسب تصريح سابق لوزير المياه والصرف الصحي، إبراهيم ولد مبارك، على هامش تدشين مشروع شفط المياه، فإن "منشآت آفطوط الساحلي ضاعفت الكميات داخل شبكة التوزيع المتهالكة، ما ساهم في تعقيد إشكالية الصرف الصحي التي تعود أساسا إلى التحضر السريع في العاصمة وانعدام منشآت للصرف الصحي، ما جعل جل أحياء المدينة الواقعة في المناطق المنخفضة معرضة للفيضانات في كل خريف رغم الجهود المقامة بها لردم البرك والمستنقعات وشفط المياه بواسطة الأنابيب والصهاريج".
الحكومة الموريتانية وبعد أن ألغت عدة دراسات لإنشاء نظام للصرف الصحي بحجة تكاليفها الباهظة، وضعت أخيرا حجر الأساس لإنجاز شبكة للصرف الصحي عبر التعاقد مع شركة صينية، لكن المشروع يحتاج إلى سنوات لإنجازه.
ويتكون المشروع، بحسب معلوماته المنشورة خلال تدشينه، من شبكة تجميع المياه المطرية في المناطق المنخفضة عبر "مساحة تزيد على 15 كلم2، ويبلغ طول القنوات 34 كلم من الإسمنت المسلح، إضافة إلى وضع 14 كلم من أنابيب تحت الضغط مصنعة من الألياف الزجاجية يتراوح قطرها ما بين 1100 و1800 ملم، إضافة إلى إنجاز 4 محطات ضخ في لكصر وتفرغ زينة والميناء والسبخة".
وبحسب بعض الخبراء، فإن المشروع ليس شبكة للصرف الصحي، وإنما هو حل مؤقت في انتظار أن تتضح الصورة بشأن إنشاء عاصمة بديلة، وهو ما تتحدث عنه مصادر مقربة من الحكومة لأنه يتعذر إنجاز نظام للصرف الصحي في العاصمة لأسباب فنية وبيئية.