يبدو أن استكمال آخر مراحل التأسيس في تونس وتتويجها بانتخابات تشريعية ورئاسية، واحترام الآجال الدستورية والشروع في تشكيل الحكومة، كان له الأثر الكبير في تقييم عدد من أعضاء مجلس نواب الشعب، الذين تحدثت إليهم "العربي الجديد"، لأربع سنوات من الثورة.
فقد اختفت نبرات التشنج والتجاذب والتشكيك، التي غلبت على الفترة الانتقالية والتأسيسية، وحل مكانها تثمين المكتسبات التي حققها الشعب التونسي دون أن ينساق لمربع الدموية والحرب الأهلية والفوضى العارمة، وجاءت الآراء متقاربة من كامل الطيف السياسي التونسي على اختلاف انتماءاتهم ومواقعهم في الخارطة السياسية الجديدة.
الأمين العام لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، النائب عماد الدائمي، قال لـ"العربي الجديد": "أربع سنوات مرت على سقوط نظام بن علي، شهدنا خلالها أحداثا عديدة وتطورات مثيرة، فالمرحلة الانتقالية التي عاشتها البلاد، أثبتت قدرة التونسيين على التأقلم مع أوضاعهم وعلى الخروج في آخر اللحظات من الأزمات الكبرى، التي أدت إليها تجاذبات سياسية وفكرية وأيديولوجية لن تتوقف مطلقا".
وأضاف الدائمي أن "التونسيين قد تمكنوا طوال هذه الفترة، على الرغم من كل الهزات ومحاولات التعطيل من قبل اللوبيات النافذة المرتبطة بالثورة المضادة، من إنجاز الدستور وتأسيس العدالة الانتقالية وبعث الهيئات التعديلية في مختلف المجالات".
وأكد أن "الإنجاز الأكبر، كان الحفاظ على استقرار البلاد وعدم انتكاسها لسيناريو "انقلاب" مثل مصر، أو "الحرب الأهلية" مثل سورية أو "الاحتراب الداخلي" مثل اليمن أو الفوضى الشاملة مثل "ليبيا"، وبالتالي تمكّنا من الحفاظ على النموذج التونسي الذي يحمل بذرة النجاح وإمكانيات التقدم نحو تأسيس ديمقراطية حقيقية".
أما رئيس كتلة حركة النهضة بمجلس نواب الشعب، النائب نور الدين البحيري، فقد بيّن لـ"العربي الجديد" أنه "ما يحسب لهذه الفترة الانتقالية هو أن الانتخابات مثلت انتصارا واستكمالا لآخر مسارات التأسيس، فلأول مرة في تونس يتم نقل السلطة بطريقة سلمية وحضارية، واسترجاع التونسي لحقه في تقرير مصيره، وهو تتويج لهدف من أهداف الثورة، وهي شرف لكل التونسيين في هذه الغابة العربية التي أحرقت أشجارها ولم يبق فيها راية يرفع فيها شعار الديمقراطية، لتبقى فيها شجرة تونس وثورتها وشجرة الخيار الديمقراطي لشعبها".
صعوبات وتحديات
وفي ذات السياق قال رئيس كتلة حزب الاتحاد الوطني الحر، النائب محسن حسن، إن "المرحلة الانتقالية كانت صعبة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، لكن كان هناك نجاح على المستوى السياسي، وبالتالي لا بد من أن ننجح على بقية المستويات التي لم يحالفها الحظ بأن تتخطى المصاعب، وهذا لا يتم إلا إذا ركزنا على الوحدة الوطنية بين مختلف الأطراف السياسية، فتونس في حاجة إلى السلم الاجتماعي نظرا لحجم التحديات المرفوعة".
وهو ما أكدته أيضا النائبة عن حزب نداء تونس، بشرى بالحاج حميدة، التي ذكرت لـ"العربي الجديد" أن "تونس عرفت ظروفا صعبة جدا على مدى أربع سنوات، ارتكب فيها الكثير من الأخطاء وخلفت أول ما خلفت ظاهرة الإرهاب والخطاب السياسي الإقصائي، إلى جانب تدهور الوضع الاقتصادي"، واستطردت حميدة "لكن صراحة على المستوى السياسي بقينا على مدى عقود ننتظر فيها حلم التداول السلمي للسلطة والتعددية الحزبية والسياسية بمجلس نواب الشعب".
وأضافت أن "ما يحسب حقيقة في هذه الفترة الانتقالية، هو الدور الذي لعبته المرأة التونسية أثناء الثورة وبعدها، وبالتالي فهن يعتبرن أن المرحلة القادمة هي مرحلة الاعتراف بدورهن من خلال تكريس مبدأ التناصف في المشهد السياسي".
وأوضح رئيس حزب الحركة الوطنية، النائب التوهامي العبدولي، أن أهم ما "يمكن نقده في السنوات الأربع من الثورة، هو حالة الركود والقصور السياسي عن أداء المهمات الحقيقية التي رافقت الحكومات الماضية، خاصة حكومة الترويكا، بسبب عدم دراية من كانوا فيها بالعمل الإداري والسياسي، فتوقفت تونس لمدة ثلاث سنوات، وبناء عليه توقف الإنتاج، ولكننا تجاوزنا مرحلة الخطر بما أن تونس حققت العديد من المكاسب، وننتظر استكمال بقية المطالب خاصة المتعلقة بالمناطق المهمشة والداخلية".
من جهته أكد النائب عن حركة النهضة، العجمي الوريمي، أن "الأربع سنوات كانت مهمة وثرية ومشوقة، تحملنا خلالها المسؤولية ونجحنا في رفع تحدياتها بوضع الأسس ومعالم طريق المستقبل، فبدأنا الآن بجني ثمار الجهد الجماعي بعد كتابة الدستور وبعث هيئات دستورية وتعديلية منتخبة".
غير أنه لا يعتبر "الوضع كارثيا كما يروّج له العديد من الناس، فصوروه على أنه وضع منهار وميؤوس منه، بل إن لتونس كل مقومات النجاح وتدارك المصاعب، شريطة التعاون والتوافق وتكريس مبدأ الوحدة الوطنية".
في ذات السياق قال النائب عن التحالف الديمقراطي، محمود البارودي إن "الكثير من المكاسب تحققت في الفترة الانتقالية، من ذلك حرية التعبير والتنظم وحرية العمل والنشاط السياسي والانعتاق من مخالب الديكتاتورية، لكن في نفس الوقت كان هناك احتقان اجتماعي ومصاعب أمنية وتحديات لمقاومة الإرهاب والتطرف".
وبيّن البارودي أنه "كانت هناك تحديات اقتصادية عميقة لمجابهة ظاهرة البطالة التي تفاقمت بعد الثورة، كما أن إمكانيات وآليات الإنتاج وخلق الثورة تبددت وانعكست سلبا على حياة المواطن اليومية، ولذلك فالتقييم ينبغي ألا يتغافل عن المسائل السلبية التي يمكن تجاوزها، ولكن المكاسب التي تحققت بعد الثورة جدّ إيجابية، وتتطلب تكثيف الجهود للمحافظة عليها وإيجاد الحلول، بخاصة لمكافحة ظاهرة الإرهاب وإنقاذ اقتصاد البلاد".