نهب كابلات تعز... عصابات منظمة تدمر خدمة الاتصالات بالمدينة المحاصرة

19 فبراير 2018
نهب منظم لكابلات الاتصالات في تعز (العربي الجديد)
+ الخط -
يحذر نائب مدير مؤسسة الاتصالات السلكية واللاسلكية في محافظة تعز جنوب غربي اليمن أحمد المعاين من استمرار نهب كابلات الاتصالات في المدينة خوفا من خروج خدمة الاتصالات والإنترنت عن المدينة بشكل كلي، إذ توقفت الخدمة في أجزاء واسعة من المناطق الشرقية والجنوبية لتعز، بعد نهب كابلات اتصالات وإنترنت 14 حياً فيها، بينما تضررت 21 كابينة اتصالات، و1860 مقسماً و458 عمودا بقيمة 197242 دولارا، وفقا لتقرير رصد أضرار النزاع المسلح على الخدمات العامة في تعز، الصادر عن فريق بحثي من مؤسسة المورد لتنمية وحقوق الإنسان والصندوق الوطني للديمقراطية ومؤسسة تمدين شباب في 20 يناير/ كانون الثاني 2018، والذي كشف عن خروج 36 ألف خط اتصالات وإنترنت عن الخدمة بشكل كامل جراء أعمال التخريب والنهب التي طاولت كبائن وكابلات الاتصالات الإنترنت.

وتتنوع الكابلات المنهوبة بين كابلات رئيسية يتراوح طولها بين 400 و6046 متراً، وكابلات فرعية يتراوح طولها بين 6213 و18957 مترا وفقا للتقرير ذاته.


من حي الثورة كانت بداية النهب

بدأت عملية إحراق ونهب أول كابينة تابعة للمؤسسة العامة للاتصالات السلكية واللاسلكية في حي الثورة شمالي شرق مدينة تعز في 20 يوليو/تموز 2016 بحسب وثيقة صادرة عن مؤسسة الاتصالات في محافظة تعز مذيلة بتوقيع مدير عام المؤسسة عبدالقدوس الشامي، موجهة إلى محافظ محافظة تعز في الحكومة الشرعية تضمنت أن "جماعة مسلحة قامت بإحراق ونهب الكابينة رقم 76 الكائنة في حي الثورة شمال شرقي المدينة، سعة 900 خط رئيسي و1100 خط فرعي ما تسبب بتلفها بالكامل".

وتعد هذه الوثيقة ضمن 16 وثيقة حصل عليها معد التحقيق، كلها تكشف نهب الكابلات وكبائن الاتصال والإنترنت في محافظة تعز، إذ توالت عملية السطو والتخريب في كبائن وكابلات ومعدات الاتصالات في مناطق شرق المدينة، ومنها حي الجحملية شرقي المدينة بعد تلقي المؤسسة العامة للاتصالات شكوى من سكان الحي تتضمن انقطاع خدمة الإنترنت والاتصالات عن المنطقة في 19 سبتمبر/أيلول 2016، وتبين للفريق الهندسي التابع للمؤسسة الذي باشر الانتقال إلى المكان أن الكابينة رقم 109 تعرضت للسرقة، إلى جانب الكابلات الموجودة في المبنى القديم التابع للمؤسسة بالنقطة الرابعة شرقي مدينة تعز بحسب مذكرة موجهة من مدير عام المؤسسة إلى محافظ تعز، مطالبة السلطة المحلية الشرعية بالتوجيه للجهات ذات الاختصاص بالتحري ومتابعة الجناة وتقديمهم للعدالة، وإلزامهم بالتعويضات والخسائر المالية التي لحقت بالمؤسسة نتيجة العمل التخريبي الذي استهدف المال العام، كما تضمن بلاغ المؤسسة ذاتها قيام مجموعة من الأشخاص في أغسطس/ آب 2016 بسرقة كابل هوائي خاص بمؤسسة الاتصالات في منطقة محزف بمديرية صبر الموادم جنوبي المحافظة سعته 200 خط، وفي أكتوبر/تشرين الأول 2016 قامت مجاميع مسلحة بتفكيك أبراج المؤسسة في موقع جبل العروس أعلى قمة في صبر، كما تم بيع الأبراج من قبل المجاميع المسلحة وفق مذكرة مدير عام المؤسسة عبدالقدوس الشامي الموجهة إلى محافظ محافظة تعز السابق علي المعمري، وتعرضت الكابينة B15 وكابلات الاتصالات في جولة سنان حارة النهضة وعصيفرة شمالي المدينة في 23 أغسطس/آب 2017 لسرقة كابلات رئيسية وفرعية وتعطل جراء ذلك 100 خط، وفي يناير 2018 قامت عصابات مسلحة بنهب كابلات الاتصالات المدفونة تحت الأرض، ونهب بطاريات كهربائية خاصة لتقوية شركة الاتصالات "يمن موبايل" في مناطق وادي القاضي، وسوق ديلوكس، الى جانب نهب 24 بطارية كهربائية تابعة للشركة في منطقة المسبح وسط المدينة، وهي مناطق خاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية، وهو ما يؤكده تقرير رصد أضرار النزاع المسلح على الخدمات العامة في تعز، والذي أوضح أن الجماعات المسلحة تقوم بعمليات نهب منظمة من خلال استخراج كابلات الاتصالات من المناهل المدفونة تحت سطح الأرض في المناطق الشرقية ووسط مدينة تعز، وبيع هذه الكابلات كنحاس، ولم يتبق سوى المنهل رقم 40 وإذا ما تم نهبه، فسيتم القضاء على خدمة الاتصالات والإنترنت بشكل كلي على مدينة تعز بحسب المهندس المعاين.

النحاس بعد استخراجه ووضعه في مدرجات ميدان الشهداء (العربي الجديد)


الكابلات في محلات بيع النحاس

نفذت قوات الأمن اليمنية في 27 يناير/كانون الثاني الماضي حملة مداهمات على محلات بيع وشراء النحاس بحسب قائد الحملة الأمنية المقدم نبيل الكدهي، والذي قال لـ"العربي الجديد" إن "الحملة الأمنية داهمت 11 محلا لبيع النحاس في مناطق الجهة الغربية للمدينة "بئر باشا، والحصب، ووسط المدينة" الواقعة تحت سلطة الحكومة الشرعية، من إجمالي 20 محلاً في شرق وغرب المدينة، مضيفا أنهم تمكنوا من إلقاء القبض على 12 شخصاً من عمال المحلات، بينهم أربعة متهمين رئيسين يقومون ببيع النحاس من مدينة تعز في محافظات أخرى، كما توصلت الحملة لمخازن سرية تابعة للمتهمين في منطقة الحصب غرباً".

ويملك المتهمون عددا من المخازن التي تحتوي على معدن النحاس المستخرج من كابلات الاتصالات والإنترنت التي وجدت في تلك المحلات، وتم تحريزها ونقلها إلى مخازن إدارة البحث الجنائي وفقا للمقدم الكدهي.


وجاءت الحملة تنفيذا للتوجيهات التي أصدرها محافظ محافظة تعز أمين أحمد محمود في اجتماع اللجنة الأمنية الذي عقد في 25 يناير/كانون الثاني الماضي إلى وكيل محافظة تعز لشؤون الدفاع والأمن اللواء عبدالكريم الصبري، مطالبا فيها بسرعة ضبط الجناة الذين قاموا بنهب الكابلات والتحقيق معهم، وإحالتهم بشكل عاجل للنيابة العامة لمحاكمتهم حتى ينالوا جزاءهم الرادع وفقا للمركز الإعلامي التابع لإدارة شرطة أمن المحافظة.

وبحسب المهندس أحمد المعاين فإن مؤسسة الاتصالات في تعز كانت قد تقدمت بالعديد من البلاغات إلى الجهات المختصة بقيام عصابات منظمة متخصصة بتخريب خدمات الاتصالات، وسرقة الكابلات، إلا أنه لم يتم القضاء على تلك الظاهرة التي استهدفت البنية التحتية في المدينة، بسبب عدم تمكن الحملة الأمنية من الوصول إلى منطقة سوق الصميل شرقي مدينة تعز لمداهمة محلات بيع النحاس التي تتبع أحد المتهمين الأربعة، والذي فرّ إلى منطقة الحوبان الواقعة شرق المدينة تحت سيطرة الحوثيين بحسب المقدم الكدهي.



عصابات نهب الكابلات

طالبت قيادات تابعة لفصائل في مقاومة مدينة تعز بالإفراج عن المتهمين بنهب الكابلات لدى الجهات الأمنية وفقا لتأكيد المقدم الكدهي، مفسرا مطالبة تلك القيادات بالإفراج عن المتهمين بتورط تلك القيادات في المقاومة بعملية نهب وبيع الكابلات في المدينة، وهو ما يؤكده العقيد سليمان بجاش (اسم مستعار حفاظا على سلامته الشخصية)، والذي قال لـ"العربي الجديد" إن عصابات نهب الكابلات تستخدم مدرعات وأطقما عسكرية تابعة لفصائل من المقاومة الشعبية وسيارات إسعاف ومركبات صهاريج الماء، مضيفا أن الأماكن المخصصة لإحراق الكابلات بعد سرقتها لاستخراج النحاس منها تتم في ميدان الشهداء والساحة الخلفية للبريد العام وكلية الآداب الواقعة شرق مدينة تعز.


تتطابق هذه المعلومات مع إفادة نائب مدير الاتصالات أحمد المعاين، والتي تتضمن أن "عملية نزع الكابل تتم عن طريق ربطه بخبطة من الحديد النوع اللين، ثم سحبها بمدرعات وأطقم تابعة لفصائل المقاومة تستخدم في عملية سحب الكابلات من تحت الأرض بعد عملية قطعها.



وتتراوح أرباح العصابات من الصفقة الواحدة، من بيع كابلات الاتصالات بين 19 و30 مليون ريال بحسب المقدم نبيل الكدهي الذي اطلع على دفاتر حسابات بعض المحتجزين من بائعي النحاس، وهو ما يؤكده المهندس أحمد المعاين، مشيرا إلى أن العصابات تربح 8 ملايين في أقل صفقة بيع للكابلات.

ويباع الكيلو الواحد من النحاس بـ 5 آلاف ريال (ما يعادل 11 دولاراً) وفقا لرصد معد التحقيق لدى مرافقته للحملة الأمنية.

مكان إحراق الكابلات بعد استخراج النحاس (العربي الجديد)


عجز حكومي لإصلاح الضرر

ويؤكد تقرير رصد أضرار النزاع المسلح على الخدمات العامة في تعز أن عملية النهب لكبائن وكابلات الاتصالات والإنترنت تسبب بخسائر مالية لمؤسسة الاتصالات، الأمر الذي جعلها غير قادرة على إعادة التأهيل في الوقت الراهن، ولا يوجد في مخازنها كابلات، وتحتاج إلى كابلات جديدة لإعادة تأهل المناطق المتضررة للخدمة بحسب المهندس المعاين، مشيرا إلى أن مؤسسة الاتصالات طلبت من السلطة المحلية توفير دعم مالي للعمال والمهندسين بغرض إعادة تشغيل المناطق الشرقية، على أن تتحمل المؤسسة المواد لإعادة الخطوط الخارجة عن الخدمة، وإصلاح 21 كابينة و18600 خط طاولها النهب والتخريب بتكلفة 5 ملايين و200 ألف ريال (ما يعادل 11100 دولار)، وفقا لتقرير صادر عن فريق هندسي من مؤسسة الاتصالات صدر في 26 أغسطس/آب 2017، لكن المسؤولين في مكتب وزارة المالية في تعز اعتذروا مرتين عن دفع المبلغ، رغم أن السلطة المحلية في المحافظة وجهت المالية بصرف المبلغ المطلوب بحسب المهندس أحمد المعاين نائب مدير مؤسسة الاتصالات ورئيس الفريق الهندسي، الأمر الذي يجعل أهالي تعز محاصرين بين سندان مليشيات الحوثي التي تقصفهم ليل نهار، ومطرقة فصائل تابعة للمقاومة الشعبية تنهب ما تبقى من إمكانيات المدينة.