تقدمت العشرينية الأردنية هبة خاطر إلى وظيفة إدارية ضمن كادر عمل في أكاديمية للدورات التدريبية بالعاصمة عمان بعد بحث عن وظيفة عبر إعلانات الصفحات المختصة، لكن الفرصة كانت مشروطة بالخضوع لدورة تدريبية لمدة أربعة أيام يتمرن فيها الفريق الذي اختير على فنون التواصل والتسويق للدورات التي تعقدها الأكاديمية، ووافقت هبة أملاً في الحصول على أول وظيفة لها عقب التخرج.
لم تنتهِ فترة التدريب بانقضاء أيام الدورة، فقد امتدت إلى شهرين إضافيين، تولت خلالهما هبة قسماً إدارياً بمسمى مديرة التطوير والتدريب، وعملت بدوام يومي من التاسعة صباحاً وحتى الخامسة مساءً، دون الحصول على أي مستحقات، فقط وعود براتب جيد عندما تثبت كفاءتها في العمل وتكتسب كل المهارات اللازمة، كما كان يخبرها المدير، لكن ذات الحال امتدّ إلى ثلاثة أشهر، عملت هبة فيها بشكل فعلي، لكن دون أجر، ما دفعها إلى ترك العمل في النهاية، كما تقول، مضيفة: "كنت في شوق لإنهاء دراستي الجامعية ومعاونة عائلتي، لكنني وجدت نفسي ضحية أشخاص جشعين".
ما حدث مع هبة ظاهرة متفشية تقع بحق موظفين جدد، إذ تمارس الإدارة الخدعة ذاتها على الجميع، ثم تستغني عن خدماتهم عندما تبدأ مطالبتهم براتب وحقوق، وتجيء بغيرهم لتقوم بتشغيلهم بالطريقة ذاتها، وهو ما تؤكده حالة ديانا سلمان (25 عاماً)، التي كان من الصعب عليها الاستمرار في عمل كامل دون مقابل يغطي نفقاتها واحتياجاتها، موضحة أنها بحثت طويلاً عبر الإنترنت عن عمل في مجال اختصاص الهندسة المدنية الذي أنهت دراسته عام 2016، ولم تجد، فتقدمت إلى وظائف في التسويق والعلاقات العامة، وعندما قُبلت لدى مركز لتدريس اللغات، أعلموها أنها ستعمل لمدة ثلاثة أشهر متدربةً، بدوام يومي من الساعة 8:30 صباحاً وحتى السادسة مساءً، دون أجر أو أي مستحقات.
اقــرأ أيضاً
ما جرى لهبة وديانا يشبه معاناة اثني عشر شاباً وشابة وثّقت مُعدّة التحقيق تجاربهم في التعرض للتحايل وتشغليهم تحت غطاء التدريب داخل ستّ مؤسسات مختلفة، في مخالفة واضحة لقانون العمل الأردني وانتهاك لحقوق العاملين، إذ يعرّف القانون العامل بأنه "كلُّ شخص ذكراً كان أو أنثى يؤدي عملاً لقاء أجر ويكون تابعاً لصاحب العمل وتحت إمرته ويشمل ذلك الأحداث ومن كان قيد التجربة أو التأهيل".
كيف يقع التحايل؟
يقع التحايل بأسلوبين: الأول عبر استغلال أصحاب العمل لفترة التجربة القانونية التي يمنحها القانون لهم، وتحويلها إلى فترة تدريبية يتملصون في خلالها من دفع مستحقات العامل، بينما يتمثل الأسلوب الثاني بتشغيل العاملين تحت مسمى متدربين إلى حين إثبات الكفاءة، تهرباً من أداء حقوقهم. وفقاً لما يوثقه التحقيق.
وكفل قانون العمل الأردني رقم (8) لعام 1996 وتعديلاته "استخدام أي عامل قيد التجربة، وذلك للتحقق من كفاءته وإمكاناته للقيام بالعمل المطلوب، ويشترط في ذلك ألّا تزيد مدة التجربة في أي حالة من الحالات على ثلاثة أشهر، وألّا يقلّ أجر العامل قيد التجربة عن الحد الأدنى المقرر للأجور"، وفقاً لما نصت عليه الفقرة (أ) من المادة (35) في قانون العمل.
لكنّ أصحاب العمل يستغلون فترة التجربة إن كان لديهم سوء نية بالتحايل على العاملين، بتشغيل العامل خلالها كمتدرب، بحسب مدير مديرية التفتيش في وزارة العمل الأردنية عدنان ربابعة، موضحاً أنه بمجرد الاتفاق على التشغيل بين الطرفين، يجب توقيع عقد العمل، وتكون الأشهر الثلاثة الأولى للتجربة، بحيث يتأكد فيها المدير أو صاحب العمل من كفاءة العامل، وللأخير كافة حقوقه من أجر وإجازات وبدل على العمل الإضافي خلال فترة التجربة، وبعد انتهائها يقرر صاحب العمل الاستمرار بتشغيل العامل حتى ينتهي عقده إن كان محدداً، أو إنهائه إن أبدى عدم التزام أو عدم امتلاكه الكفاءة المطلوبة للوظيفة.
وإذا طلبت المؤسسة من الموظف الجديد بدء العمل لمدة محددة تحت التدريب على المهمات المطلوبة قبل توظيفه، دون أجر وأي حقوق، وكررت ذلك مع كل العاملين، فهي تتبع التحايل ومخالفة القانون كسياسة، وفقاً للربابعة.
وهذا ما حدث فعلياً مع هبة، كذلك واجه يزيد عزّت (23 عاماً) الواقع ذاته عندما تقدم لعمل في مكتب للسياحة والسفر بمدينة الزرقاء (شرق عمّان)، حيث أبلغه مدير المكتب خلال المقابلة أنه سيبدأ بالعمل متدرباً لمدة ثلاثة أشهر، دون أن يحصل في الشهر الأول على أي أجر، بينما سيتقاضى في الشهرين الثاني والثالث بدل المواصلات، على أن يصبح موظفاً أساسياً بداية الشهر الرابع.
ورغم امتلاك يزيد شهادة من أحد مكاتب السياحة والسفر تفيد بأنه أنهى فترة تدريبية لمدة شهرين، وذلك بعد تخرجه من قسم السياحة والآثار العام المنصرم، لكن المكتب الجديد لم يعرها اهتماماً، لكونه يعتمد سياسة خاصة به في تشغيل العاملين، وكما علم يزيد من موظفي المكتب أنهم عملوا جميعاً كمتدربين بذات الطريقة بدايةً، قبل أن يجري تثبيتهم.
ويمضي العاملون فترة التجربة دون أجرٍ أو اشتراك في الضمان الاجتماعي الذي يعدّ إلزامياً أيضاً، إن قررت الشركة أو المؤسسة أن تطلق عليها فترة تدريبية قبل التوظيف، حتى تتملص من أي توابع قانونية للعامل خلال الأشهر الثلاثة الأولى، علماً أن الفقرة (ج) من المادة (35) في قانون العمل تقضي بأن "تحسب مدة التجربة ضمن مدة خدمة العامل لدى صاحب العمل".
ويؤكد مدير بيت العمال الأردني (منظمة غير ربحية) المحامي حمادة أبو نجمة أن ما تقوم به تلك المؤسسات غير قانوني، فالشخص يعتبر عاملاً من الناحية القانونية، بمجرد أن يؤدي عملاً لجهة أو شخص، ما دام في عمله يخضع لإشراف الجهة التي يعمل فيها، وتابعاً لإدارتها، ويجب أن ينال أجراً مقابل عمله، مهما كانت مسمياته (راتب، أو مكافأة، أو مخصصات، أو بدلات)، وبذلك تكون العلاقة بين الطرفين علاقة عمل، وخاضعة لأحكام قانون العمل، بغضّ النظر عن العبارات المستخدمة في علاقتهما، موظف أو متدرب أو غير ذلك.
ولا مخرج لأصحاب العمل المتورطين في المخالفة، فالمادة الرابعة من قانون العمل في الفقرة (ب) تقضي بأنه "يعتبر باطلاً كل شرط في عقد أو اتفاق، سواء أبرم قبل هذا القانون أو بعده، يتنازل بموجبه أي عامل عن أي حق من الحقوق التي يمنحها إياه هذا القانون".
ضوابط فترة التدريب
لم يتضمن قانون العمل الأردني أي أحكام أو ضوابط لفترة التدريب، ما عدا التدريب المهني الذي تفصّل أحكامه المواد (36/37/38) من القانون ذاته. ويؤكد مدير التفتيش في وزارة العمل أن عقد التشغيل يختلف عن اتفاق التدريب، وبعض المهن التي تحتاج إلى ممارسة وتدريب لغايات استكمال المؤهل العلمي كالقانون والصحافة، يقصد دارسوها مؤسسات أو مكاتب تعمل في ذات الاختصاص للتدرّب فيها، دون أن يقع عليهم التزام بدوام يومي، ولا تقع عليهم أي مسؤوليات، لأن الهدف من وجودهم التعلم فقط.
أما قيام مؤسسة بتعبئة الشواغر لديها بتوظيف عامل أو عاملة تحت مسمى متدرب/متدربة، لفترة محددة النهاية أو مفتوحة، فهو تحايل على القانون، وهضم لحقوق العاملين، تترتب عليه إحالة صاحب العمل على المحاكمة، بعد أن يتثبت المفتش من وجود علاقة عمل تتضمن إشرافاً وتبعية بين العامل وصاحب العمل، وقد تملص الأخير من تقديم حقوق العامل، ستجبره المحكمة حينئذ على دفع كل المستحقات بأثر رجعي للعامل، بالإضافة إلى غرامة تراوح ما بين 500 دينار (700 دولار) وتصل حتى 1000 دينار (1410 دولارات أميركية) عن كل حالة وفقاً لمدير التفتيش.
وتعتمد الوزارة في الكشف عن التجاوزات على الشكاوى بدرجة أساسية، إلى جانب الجولات التفتيشية الدورية التي تنفذها فرق التفتيش على المؤسسات في القطاعات كافة، كما يوضح الناطق باسم الوزارة محمد الخطيب، مؤكداً ضرورة تبليغ العامل عن أي انتهاك وتقديم شكوى لأقرب مديرية تفتيش لتحصيل حقه، لأن الوزارة لا تمتلك سوى 230 مفتشاً لن يتمكنوا من ضبط التجاوزات دون تبليغ.
لكن لا يُلجأ إلى مديريات العمل وتقديم شكاوى، بحسب مسؤول قسم الشكاوى في وزارة العمل بلال المجالي، ويرجع المجالي ذلك إلى ضعف الوعي لدى العاملين بحقوقهم وطرق تحصيلها، وخاصة حديثي التخرج.
ويعطي القصور الرقابي المؤسسات والشركات المخالفة فرصة للاستمرار بسياساتها، حتى أصبح التحايل على العاملين تحت غطاء التدريب ظاهرة شائعة في الأردن، وفقاً لمدير المرصد العمالي أحمد عوض، موضحاً أن المشكلة تكمن في اختلال موازين القوى، إذ تعجز الجهات المعنية عن إجبار أصحاب العمل على تطبيق القانون، وحماية العاملين الذين دفعتهم البطالة المتزايدة إلى المهادنة والقبول بتعليمات أصحاب العمل.
ويكشف عوض من خلال رصد أشكال المخالفات في سوق العمل أن هناك مؤسسات "تعتاش" على سياسة التحايل على العاملين، لدرجة أنها لا توظّف عاملين بتاتاً، بل تأتي بهم كمتدربين لشهر أو اثنين، ثم تستبدلهم من خلال إعلان وجود شواغر جديدة. ولا تقتصر تبعات ذلك على ضياع الأجر فقط، بل تمتد لآثار نفسية تتمثل بالإحباط لدى الباحثين عن عمل نتيجة التغول على حقوقهم، بالإضافة إلى استقواء أصحاب العمل والتوسع في مخالفاتهم لروح القانون، ويتطابق هذا مع ما يوثقه التحقيق على مدار شهرين من البحث والتقصي، أظهرت أن هذا التجاوز القانوني يتفشى في قطاع العلاقات العامة والتسويق، بالإضافة إلى شركات التأمين ومكاتب السياحة والسفر.
ورصدت معدة التحقيق خلال شهر سبتمبر/أيلول المنصرم 15 إعلاناً على موقعي (واحة الوظائف والسوق المفتوح) المتخصصين بنشر فرص العمل، وثقت عبرها المخالفات القانونية المتعلقة بتوظيف العاملين، والتي ترتكبها شركات ومؤسسات في القطاع الخاص، إذ تقوم بتعبئة شواغر لديها من خلال الإعلان عن حاجتها لمتدربين أو متدربات، باشتراط مؤهلات ومهارات محددة تتناسب والاختصاص المعلن عنه، أو اشتراط العمل تحت التدريب حتى تقرر المؤسسة موعد تثبيته كموظف.
وفي ظل تفشي الظاهرة، تنفي وزارة العمل مسؤوليتها عن متابعة الإعلانات المنشورة على هذه الصفحات، كونها "ليست ضمن اختصاصها"، كما يقول المتحدث باسم الوزارة محمد الخطيب لـ"العربي الجديد".
مواجهة
اختارت معدة التحقيق ثلاث مؤسسات وثقت استخدامهم للتدريب كغطاء لهضم حقوق موظفيهم، ووثقت ردودهم على مخالفتهم لقانون العمل الأردني.
في المكتب السياحي الذي عمل فيه يزيد عزّت، ويفضل عدم ذكر اسمه تجنباً للنزاعات القانونية، يقول مدير المكتب إن "إخضاع العاملين لفترة تدريبية شرط أساسي للتوظيف، لأن العامل يأتي لا يفقه شيئاً"، مشيراً إلى أنه يمضي الشهور الثلاثة الأولى تحت المراقبة ليتقرر تثبيته أم لا، ولدى مواجهته بمخالفة ذلك لقانون العمل الذي ينص على إعطاء العامل كافة حقوقه خلال فترة التجربة تذرع بأنه يقدم للعاملين خبرة "بشكل مجاني" قبل أن يوظفهم!. ولم يختلف ردّ مدير شركة للسياحة والسفر واجهته معدة التحقيق بمخالفة إجراءات التوظيف لديه استناداً للقانون، إذ يعمد إلى تعبئة الشواغر بالتشغيل تحت مسمى متدربين، واكتفى بردّ مختصر بقوله "بكفي احنا بندربهم وبندفعلهم شيء رمزي".
لم تنتهِ فترة التدريب بانقضاء أيام الدورة، فقد امتدت إلى شهرين إضافيين، تولت خلالهما هبة قسماً إدارياً بمسمى مديرة التطوير والتدريب، وعملت بدوام يومي من التاسعة صباحاً وحتى الخامسة مساءً، دون الحصول على أي مستحقات، فقط وعود براتب جيد عندما تثبت كفاءتها في العمل وتكتسب كل المهارات اللازمة، كما كان يخبرها المدير، لكن ذات الحال امتدّ إلى ثلاثة أشهر، عملت هبة فيها بشكل فعلي، لكن دون أجر، ما دفعها إلى ترك العمل في النهاية، كما تقول، مضيفة: "كنت في شوق لإنهاء دراستي الجامعية ومعاونة عائلتي، لكنني وجدت نفسي ضحية أشخاص جشعين".
ما حدث مع هبة ظاهرة متفشية تقع بحق موظفين جدد، إذ تمارس الإدارة الخدعة ذاتها على الجميع، ثم تستغني عن خدماتهم عندما تبدأ مطالبتهم براتب وحقوق، وتجيء بغيرهم لتقوم بتشغيلهم بالطريقة ذاتها، وهو ما تؤكده حالة ديانا سلمان (25 عاماً)، التي كان من الصعب عليها الاستمرار في عمل كامل دون مقابل يغطي نفقاتها واحتياجاتها، موضحة أنها بحثت طويلاً عبر الإنترنت عن عمل في مجال اختصاص الهندسة المدنية الذي أنهت دراسته عام 2016، ولم تجد، فتقدمت إلى وظائف في التسويق والعلاقات العامة، وعندما قُبلت لدى مركز لتدريس اللغات، أعلموها أنها ستعمل لمدة ثلاثة أشهر متدربةً، بدوام يومي من الساعة 8:30 صباحاً وحتى السادسة مساءً، دون أجر أو أي مستحقات.
ما جرى لهبة وديانا يشبه معاناة اثني عشر شاباً وشابة وثّقت مُعدّة التحقيق تجاربهم في التعرض للتحايل وتشغليهم تحت غطاء التدريب داخل ستّ مؤسسات مختلفة، في مخالفة واضحة لقانون العمل الأردني وانتهاك لحقوق العاملين، إذ يعرّف القانون العامل بأنه "كلُّ شخص ذكراً كان أو أنثى يؤدي عملاً لقاء أجر ويكون تابعاً لصاحب العمل وتحت إمرته ويشمل ذلك الأحداث ومن كان قيد التجربة أو التأهيل".
كيف يقع التحايل؟
يقع التحايل بأسلوبين: الأول عبر استغلال أصحاب العمل لفترة التجربة القانونية التي يمنحها القانون لهم، وتحويلها إلى فترة تدريبية يتملصون في خلالها من دفع مستحقات العامل، بينما يتمثل الأسلوب الثاني بتشغيل العاملين تحت مسمى متدربين إلى حين إثبات الكفاءة، تهرباً من أداء حقوقهم. وفقاً لما يوثقه التحقيق.
وكفل قانون العمل الأردني رقم (8) لعام 1996 وتعديلاته "استخدام أي عامل قيد التجربة، وذلك للتحقق من كفاءته وإمكاناته للقيام بالعمل المطلوب، ويشترط في ذلك ألّا تزيد مدة التجربة في أي حالة من الحالات على ثلاثة أشهر، وألّا يقلّ أجر العامل قيد التجربة عن الحد الأدنى المقرر للأجور"، وفقاً لما نصت عليه الفقرة (أ) من المادة (35) في قانون العمل.
لكنّ أصحاب العمل يستغلون فترة التجربة إن كان لديهم سوء نية بالتحايل على العاملين، بتشغيل العامل خلالها كمتدرب، بحسب مدير مديرية التفتيش في وزارة العمل الأردنية عدنان ربابعة، موضحاً أنه بمجرد الاتفاق على التشغيل بين الطرفين، يجب توقيع عقد العمل، وتكون الأشهر الثلاثة الأولى للتجربة، بحيث يتأكد فيها المدير أو صاحب العمل من كفاءة العامل، وللأخير كافة حقوقه من أجر وإجازات وبدل على العمل الإضافي خلال فترة التجربة، وبعد انتهائها يقرر صاحب العمل الاستمرار بتشغيل العامل حتى ينتهي عقده إن كان محدداً، أو إنهائه إن أبدى عدم التزام أو عدم امتلاكه الكفاءة المطلوبة للوظيفة.
وإذا طلبت المؤسسة من الموظف الجديد بدء العمل لمدة محددة تحت التدريب على المهمات المطلوبة قبل توظيفه، دون أجر وأي حقوق، وكررت ذلك مع كل العاملين، فهي تتبع التحايل ومخالفة القانون كسياسة، وفقاً للربابعة.
وهذا ما حدث فعلياً مع هبة، كذلك واجه يزيد عزّت (23 عاماً) الواقع ذاته عندما تقدم لعمل في مكتب للسياحة والسفر بمدينة الزرقاء (شرق عمّان)، حيث أبلغه مدير المكتب خلال المقابلة أنه سيبدأ بالعمل متدرباً لمدة ثلاثة أشهر، دون أن يحصل في الشهر الأول على أي أجر، بينما سيتقاضى في الشهرين الثاني والثالث بدل المواصلات، على أن يصبح موظفاً أساسياً بداية الشهر الرابع.
ورغم امتلاك يزيد شهادة من أحد مكاتب السياحة والسفر تفيد بأنه أنهى فترة تدريبية لمدة شهرين، وذلك بعد تخرجه من قسم السياحة والآثار العام المنصرم، لكن المكتب الجديد لم يعرها اهتماماً، لكونه يعتمد سياسة خاصة به في تشغيل العاملين، وكما علم يزيد من موظفي المكتب أنهم عملوا جميعاً كمتدربين بذات الطريقة بدايةً، قبل أن يجري تثبيتهم.
ويمضي العاملون فترة التجربة دون أجرٍ أو اشتراك في الضمان الاجتماعي الذي يعدّ إلزامياً أيضاً، إن قررت الشركة أو المؤسسة أن تطلق عليها فترة تدريبية قبل التوظيف، حتى تتملص من أي توابع قانونية للعامل خلال الأشهر الثلاثة الأولى، علماً أن الفقرة (ج) من المادة (35) في قانون العمل تقضي بأن "تحسب مدة التجربة ضمن مدة خدمة العامل لدى صاحب العمل".
ويؤكد مدير بيت العمال الأردني (منظمة غير ربحية) المحامي حمادة أبو نجمة أن ما تقوم به تلك المؤسسات غير قانوني، فالشخص يعتبر عاملاً من الناحية القانونية، بمجرد أن يؤدي عملاً لجهة أو شخص، ما دام في عمله يخضع لإشراف الجهة التي يعمل فيها، وتابعاً لإدارتها، ويجب أن ينال أجراً مقابل عمله، مهما كانت مسمياته (راتب، أو مكافأة، أو مخصصات، أو بدلات)، وبذلك تكون العلاقة بين الطرفين علاقة عمل، وخاضعة لأحكام قانون العمل، بغضّ النظر عن العبارات المستخدمة في علاقتهما، موظف أو متدرب أو غير ذلك.
ولا مخرج لأصحاب العمل المتورطين في المخالفة، فالمادة الرابعة من قانون العمل في الفقرة (ب) تقضي بأنه "يعتبر باطلاً كل شرط في عقد أو اتفاق، سواء أبرم قبل هذا القانون أو بعده، يتنازل بموجبه أي عامل عن أي حق من الحقوق التي يمنحها إياه هذا القانون".
ضوابط فترة التدريب
لم يتضمن قانون العمل الأردني أي أحكام أو ضوابط لفترة التدريب، ما عدا التدريب المهني الذي تفصّل أحكامه المواد (36/37/38) من القانون ذاته. ويؤكد مدير التفتيش في وزارة العمل أن عقد التشغيل يختلف عن اتفاق التدريب، وبعض المهن التي تحتاج إلى ممارسة وتدريب لغايات استكمال المؤهل العلمي كالقانون والصحافة، يقصد دارسوها مؤسسات أو مكاتب تعمل في ذات الاختصاص للتدرّب فيها، دون أن يقع عليهم التزام بدوام يومي، ولا تقع عليهم أي مسؤوليات، لأن الهدف من وجودهم التعلم فقط.
أما قيام مؤسسة بتعبئة الشواغر لديها بتوظيف عامل أو عاملة تحت مسمى متدرب/متدربة، لفترة محددة النهاية أو مفتوحة، فهو تحايل على القانون، وهضم لحقوق العاملين، تترتب عليه إحالة صاحب العمل على المحاكمة، بعد أن يتثبت المفتش من وجود علاقة عمل تتضمن إشرافاً وتبعية بين العامل وصاحب العمل، وقد تملص الأخير من تقديم حقوق العامل، ستجبره المحكمة حينئذ على دفع كل المستحقات بأثر رجعي للعامل، بالإضافة إلى غرامة تراوح ما بين 500 دينار (700 دولار) وتصل حتى 1000 دينار (1410 دولارات أميركية) عن كل حالة وفقاً لمدير التفتيش.
وتعتمد الوزارة في الكشف عن التجاوزات على الشكاوى بدرجة أساسية، إلى جانب الجولات التفتيشية الدورية التي تنفذها فرق التفتيش على المؤسسات في القطاعات كافة، كما يوضح الناطق باسم الوزارة محمد الخطيب، مؤكداً ضرورة تبليغ العامل عن أي انتهاك وتقديم شكوى لأقرب مديرية تفتيش لتحصيل حقه، لأن الوزارة لا تمتلك سوى 230 مفتشاً لن يتمكنوا من ضبط التجاوزات دون تبليغ.
لكن لا يُلجأ إلى مديريات العمل وتقديم شكاوى، بحسب مسؤول قسم الشكاوى في وزارة العمل بلال المجالي، ويرجع المجالي ذلك إلى ضعف الوعي لدى العاملين بحقوقهم وطرق تحصيلها، وخاصة حديثي التخرج.
ويعطي القصور الرقابي المؤسسات والشركات المخالفة فرصة للاستمرار بسياساتها، حتى أصبح التحايل على العاملين تحت غطاء التدريب ظاهرة شائعة في الأردن، وفقاً لمدير المرصد العمالي أحمد عوض، موضحاً أن المشكلة تكمن في اختلال موازين القوى، إذ تعجز الجهات المعنية عن إجبار أصحاب العمل على تطبيق القانون، وحماية العاملين الذين دفعتهم البطالة المتزايدة إلى المهادنة والقبول بتعليمات أصحاب العمل.
ويكشف عوض من خلال رصد أشكال المخالفات في سوق العمل أن هناك مؤسسات "تعتاش" على سياسة التحايل على العاملين، لدرجة أنها لا توظّف عاملين بتاتاً، بل تأتي بهم كمتدربين لشهر أو اثنين، ثم تستبدلهم من خلال إعلان وجود شواغر جديدة. ولا تقتصر تبعات ذلك على ضياع الأجر فقط، بل تمتد لآثار نفسية تتمثل بالإحباط لدى الباحثين عن عمل نتيجة التغول على حقوقهم، بالإضافة إلى استقواء أصحاب العمل والتوسع في مخالفاتهم لروح القانون، ويتطابق هذا مع ما يوثقه التحقيق على مدار شهرين من البحث والتقصي، أظهرت أن هذا التجاوز القانوني يتفشى في قطاع العلاقات العامة والتسويق، بالإضافة إلى شركات التأمين ومكاتب السياحة والسفر.
ورصدت معدة التحقيق خلال شهر سبتمبر/أيلول المنصرم 15 إعلاناً على موقعي (واحة الوظائف والسوق المفتوح) المتخصصين بنشر فرص العمل، وثقت عبرها المخالفات القانونية المتعلقة بتوظيف العاملين، والتي ترتكبها شركات ومؤسسات في القطاع الخاص، إذ تقوم بتعبئة شواغر لديها من خلال الإعلان عن حاجتها لمتدربين أو متدربات، باشتراط مؤهلات ومهارات محددة تتناسب والاختصاص المعلن عنه، أو اشتراط العمل تحت التدريب حتى تقرر المؤسسة موعد تثبيته كموظف.
وفي ظل تفشي الظاهرة، تنفي وزارة العمل مسؤوليتها عن متابعة الإعلانات المنشورة على هذه الصفحات، كونها "ليست ضمن اختصاصها"، كما يقول المتحدث باسم الوزارة محمد الخطيب لـ"العربي الجديد".
مواجهة
اختارت معدة التحقيق ثلاث مؤسسات وثقت استخدامهم للتدريب كغطاء لهضم حقوق موظفيهم، ووثقت ردودهم على مخالفتهم لقانون العمل الأردني.
في المكتب السياحي الذي عمل فيه يزيد عزّت، ويفضل عدم ذكر اسمه تجنباً للنزاعات القانونية، يقول مدير المكتب إن "إخضاع العاملين لفترة تدريبية شرط أساسي للتوظيف، لأن العامل يأتي لا يفقه شيئاً"، مشيراً إلى أنه يمضي الشهور الثلاثة الأولى تحت المراقبة ليتقرر تثبيته أم لا، ولدى مواجهته بمخالفة ذلك لقانون العمل الذي ينص على إعطاء العامل كافة حقوقه خلال فترة التجربة تذرع بأنه يقدم للعاملين خبرة "بشكل مجاني" قبل أن يوظفهم!. ولم يختلف ردّ مدير شركة للسياحة والسفر واجهته معدة التحقيق بمخالفة إجراءات التوظيف لديه استناداً للقانون، إذ يعمد إلى تعبئة الشواغر بالتشغيل تحت مسمى متدربين، واكتفى بردّ مختصر بقوله "بكفي احنا بندربهم وبندفعلهم شيء رمزي".
بينما جاء ردّ مسؤولة أكاديمية للتدريب في عمان، قامت بتشغيل فتاتين وثقت معدة التحقيق تجربتهما بالعمل في السكرتاريا، بأن أقرت أن لا توظيف مباشر لديهم، مشيرة إلى أنها تعتمد هذه السياسة منذ 7 سنوات، جربت خلالها شبانا وشابات كثر في وظائف إدارية، واشترطت عليهم إتمام 3 شهور تحت التجربة غير مدفوعة، قبل الحديث في التوظيف، متذرعة بأن تطبيقها للقانون واعتبار فترة التجربة من ضمن فترة العمل أدت إلى تراخي الموظفين في إثبات كفاءتهم فكانت النتيجة فشلاً ذريعاً، على حدّ قولها.