نهاية الهدنة السورية:مذبحة الهلال الأحمر بتوقيع النظام ورعاية روسيا

20 سبتمبر 2016
خرق النظام الهدنة منذ الإعلان عنها (يوسف كرواشان/فرانس برس)
+ الخط -
شاء كل من النظام السوري وروسيا أن ينهيا أسبوع الهدنة السورية، التي ارتكب خلال أيامها السبعة، نظام الأسد، 254 خرقاً لها، بأبشع الجرائم، وسط صمت دولي ممدَّد له، غير عابئ لا بضمانات وزير الخارجية الأميركي جون كيري، ولا بقلق وغضب مسؤولي الأمم المتحدة؛ ففور حلول السابعة من مساء أمس الاثنين، وهو الموعد المفترض لانتهاء الهدنة التي رفضت دمشق وموسكو التمديد لها، ارتكبت طائرات قالت مصادر المعارضة إنها سورية وروسية، مجازر في الأحياء الخاضعة لسيطرة المعارضة بحلب وكذلك في ريف حلب، فأوقعت في غضون ساعتين، 32 قتيلاً مدنياً، 22 منهم من متطوعي الهلال الأحمر السوري. وقد استهدفت غارات، قافلة لعشرين شاحنة كانت متوقفة في بلدة اورم الكبرى في ريف حلب الغربي، وهي تابعة لمنظمات دولية كانت قد وصلت ظهراً إلى البلدة وتم استهدافها أثناء توقفها أمام مركز للهلال الاحمر السوري بحسب رئيس المرصد السوري لحقوق الانسان، رامي عبد الرحمن. واعترفت الأمم المتحدة بتعرض القافلة للقصف في بلدة اورم الكبرى. وقال المتحدث باسم الامم المتحدة في نيويورك ستيفان دوجاريك: "علمنا أن قافلة تعرضت للقصف ونحاول الحصول على مزيد من المعلومات". وكان المتحدث باسم مكتب الامم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية في مدينة غازي عنتاب التركية، دايفيد سوانسون، قال لوكالة "فرانس برس" صباح الاثنين إن قافلة مساعدات مشتركة تحمل طحيناً ولوازم صحية ومستلزمات أخرى في طريقها إلى بلدة اورم الكبرى لإيصال المساعدات إلى 78 ألف شخص يقيمون في البلدة ومحيطها.
وحتى منتصف ليل الاثنين ــ الثلاثاء، لم تكن قد صدرت إدانات دولية باستثناء قلق عبر عنه بيان أرسلته مندوبة لمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، اقتصر على القول: "غضبنا من هذا الهجوم. القافلة كانت نتاج عملية طويلة من الموافقات والاستعدادات لمساعدة مدنيين في عزلة". وقبل مجزرة المساعدات، شنت مقاتلات النظام السوري غارات رمت فيها البراميل المتفجرة على أحياء حلب الشرقية المحاصرة، كما قصفت مدفعية النظام حي العامرية. وبدا أن هناك من صدّق كلام كيري عن دخول مرتقب للمساعدات إلى ريف حلب والمدينة مساء الاثنين، وفهمه على أنه بمثابة ضمانات من دولة عظمى، ليتبيّن أن الكلام الأميركي لا يردع بأي شكل النظام وراعيه الروسي لمواصلة ارتكاب المجازر.


هكذا انقضت الهدنة السورية، التي تم الإعلان عنها في الثاني عشر من شهر سبتمبر/أيلول الماضي، رسمياً أمس الاثنين، وسط إجماع على فشلها، بعدما انقضى أسبوع كامل على بدئها من دون تحقيق أي من أهدافها المعلنة. فالهدنة الهشة، التي امتدت سبعة أيام شابتها خروقات كثيرة من قبل قوات النظام وروسيا. كما فشلت في تأمين دخول المساعدات إلى المناطق التي تحاصرها قوات النظام، وبالتالي فتح المجال لتطبيق أهم البنود المعلنة للاتفاق الأميركي الروسي الخاص في سورية والمتمثل بإنشاء غرفة عمليات عسكرية موحدة بين الجانبين الأميركي والروسي لمحاربة تنظيمي "الدولة الإسلامية" (داعش) وجبهة فتح الشام (النصرة سابقاً) بسورية، بعد تحقيق ما سمّاه الروس بـ"الفصل بين المعارضة المعتدلة وقوات فتح الشام". وهو ما أشار إليه بوضوح أمس وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، بقوله إن "شروط التعاون الأميركي الروسي بشان سورية لم تتوفر بعد". على الرغم من ذلك، بدا أمس الاثنين، أن الولايات المتحدة، مدعومة من فرنسا، تحاول إنعاش الاتفاق ككل ولو اصطناعياً.

في المقابل، عكست التصريحات الروسية وتلك الصادرة عن النظام السوري نعياً مباشراً لهذا الاحتمال، خصوصاً في ما يتعلق بالهدنة، ولا سيما بعدما بادر جيش النظام السوري، عصر مساء أمس الاثنين، للإعلان عن انتهاء سريان الهدنة ليبدأ بعدها بشكل مباشر بعمليات قصف استهدفت حلب. وأقرّ وزير الخارجية الأميركي، أمس، بأن وقف إطلاق النار في سورية مستمر لكنه هش، مشيراً إلى وجود اجتماعات أميركية روسية في جنيف لتقييم الموقف. وأشار إلى أن المساعدات الإنسانية ينبغي أن تصل إلى ثمانية مواقع أمس الاثنين، وأن هذا جزء أساسي من وقف إطلاق النار الذي تم التفاوض بشأنه مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قبل أكثر من أسبوع. بدوره، دخل وزير الخارجية الفرنسي، جان مارك آيرولت، على خط محاولة إنقاذ الاتفاق الأميركي – الروسي. وفيما أكد أنه "هش للغاية، والساعات الأخيرة تظهر ذلك"، عاد وأصر على أنه "يجب أن يبقي الاتفاق على بصيص أمل" مضيفًا "أنه الأساس الوحيد الذي يمكن للأسرة الدولية الاستناد إليه" لتسوية الأزمة في سورية.



من جهتها، كانت وزارة الدفاع الروسية، قد مهدت للمجازر المسائية بقولها إنها ترى أنه "لا معنى" لالتزام القوات الحكومية السورية بوقف إطلاق النار من جانب واحد بينما تتعرض للهجوم من متشددين لا يمكن للولايات المتحدة كبح جماحهم"، على حد وصفها. 
وأضاف اللفتنانت جنرال سيرجي رودسكوي، وهو مسؤول كبير في وزارة الدفاع، في إفادة مقتضبة إلى أنه "ما زال الجنود السوريون والمواطنون المسالمون يموتون. والسبب في هذا هو عدم تمتع الولايات المتحدة بأي نفوذ مؤثر على المعارضة السورية وعدم درايتها بالوضع الحقيقي على الأرض". ولفت إلى أنه "في ضوء عدم التزام المتشددين ببنود وقف إطلاق النار، فإننا نعتبر أن التزام القوات الحكومية السورية به من جانب واحد لا معنى له".

وفي استمرار للسياسة الروسية المعتمدة منذ الإعلان عن الهدنة، والقائمة على ادعاء التزام النظام بها مقابل اتهام المعارضة والولايات المتحدة بالمسؤولية عن إفشالها، أفادت وزارة الدفاع الروسية بأن "الجيش الأميركي أبلغها بأن من الصعب جداً التفرقة بين المعارضة المعتدلة والجماعات الإرهابية في سورية"، من دون أن يصدر أي توضيح أميركي حتى مساء أمس. وقالت إن "هناك معلومات عن اندماج وحدات من المعارضة السورية المعتدلة مع جماعات إرهابية واستعدادها لشن هجمات بالاشتراك معها". كما أفادت وزارة الدفاع الروسية أن مراقبيها على الأرض سجلوا 53 انتهاكاً لوقف إطلاق النار في سورية خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية.

وفي موازاة حملة إلقاء التهم على الأطراف الأخرى التي قادتها موسكو، كانت الوقائع الميدانية طوال الأيام الماضية كفيلة بإظهار كيف تعمدت روسيا، بالتعاون مع النظام السوري، تعطيل تطبيق الهدنة. وفي السياق، أعلن "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية"، أمس الإثنين، أن قوات النظام وسلاح الجو الروسي اخترقت الهدنة 254 مرة خلال أسبوعها الأول في 34 منطقة خاضعة لسيطرة المعارضة السورية في دمشق وريفها وحلب وإدلب (شمال) وحماة وحمص (وسط ) والقنيطرة ودرعا (جنوب). وأشار التقرير إلى أن الخروقات تمت عبر القصف الجوي والمدفعي والبراميل المتفجرة ومحاولات تقدم قوات النظام، وأن معظم المناطق التي تم استهدافها هي مناطق مدنية.

وكانت الخروقات الكثيرة والمتوالية قد عززت من عدم الثقة بإمكانية أن تتواصل الهدنة بشكل مستمر ولفترة طويلة، خصوصاً مع استئناف طائرات النظام السوري غاراتها الجوية على الأحياء التي تسيطر عليها المعارضة السورية بمدينة حلب، مساء يوم الأحد الماضي. كما تواصلت خروقات النظام السوري لنظام الهدنة، أمس الاثنين. وفي السياق ذاته أكدت مصادر في الدفاع المدني في سورية لوكالة "الأناضول"، مقتل 19 مدنياً وإصابة العشرات جراء الخروقات المذكورة للهدنة طوال أسبوع. وأشارت المصادر أن القتلى هم 10 في درعا، و4 في حمص و4 في إدلب، وقتيل في حلب.

ولم تقتصر أسباب عدم صمود الهدنة بسورية على الخروقات الكثيرة، إذ جاء فشل الأمم المتحدة بإدخال أي مساعدات إلى المناطق التي يحاصرها النظام السوري وعلى رأسها مناطق سيطرة المعارضة بحلب، ليضعف الثقة بتوفر أي إمكانية لأن تفسح الهدنة المجال لإيصال المساعدات للمدنيين المحاصرين. وبعد مرور سبعة أيام على انطلاق الهدنة بسورية لم تنجح شاحنات الأمم المتحدة التي تحمل المساعدات الإنسانية بالتوجه إلى داخل الأحياء التي تسيطر عليها المعارضة السورية بمدينة حلب. واستمر انتظار نحو ستين شاحنة على جانبي معبر باب الهوى الحدودي بين سورية وتركيا. ولم يمنح النظام السوري الأمم المتحدة الأذونات الخطية التي تسمح بمرور هذه الشاحنات على حواجزه المنتشرة على طريق الكاستلو شمال حلب، بعد أن أعلنت روسيا أن قوات النظام أعادت الانتشار على الطريق أخيراً خوفاً من استغلال المعارضة السورية انسحاب قوات النظام لمهاجمة الطريق واستعادة السيطرة عليه.

وبات الوضع الإنساني بمناطق سيطرة المعارضة المحاصرة في حلب يتردى بشكل مستمر بعد مرور أكثر من أسبوعين اثنين على إعادة قوات النظام السوري فرض الحصار على المدينة إثر نجاح قوات النظام باستعادة السيطرة على طريق الراموسة-خان طومان جنوب حلب والذي كانت قوات المعارضة قد كسرت من خلال سيطرتها عليه الطوق الذي فرضته قوات النظام على مناطق سيطرتها بالمدينة. وبدأت المواد التموينية بالغياب بشكل كامل من أسواق مدينة حلب، بعدما فقدت الخضراوات من الأسواق وقلت كميات الخبز التي تنتجها الأفران بحلب بشكل كبير كأثر لبدء أزمة نقص الطحين والمحروقات. ويضاف إلى ذلك نقص كبير في الأدوية والمواد الاستهلاكية الأخرى. وهو ما ينذر بكارثة إنسانية قد تطاول نحو ثلاثمئة ألف مدني محاصر بمناطق سيطرة المعارضة السورية في المدينة.

وبانتظار ما ستؤول إليه الأوضاع، أكدت مصادر في قوات المعارضة السورية المتمركزة في ريف حلب وريف إدلب، لـ"العربي الجديد" أنها لن تسكت على التدهور المستمر في وضع المحاصرين في المدينة. وأشارت إلى أن "فصائل المعارضة السورية لن تنتظر الأمم المتحدة للأبد من دون أن تنجح المنظمة بإدخال أي مساعدات إلى حلب". وبحسب المصادر فإن فصائل المعارضة تواصل تحضيراتها لعملية عسكرية كبيرة تهدف إلى كسر الحصار عن مناطق سيطرتها بحلب. ولفتت إلى أن التحضير لمثل هذه العملية يستغرق وقتاً ذلك أن عملية السيطرة على طريق الراموسة خان طومان والتي أفضت إلى فك الحصار عن حلب مطلع شهر آب/ أغسطس استغرق التحضير لها شهراً كاملاً.

ولم تفصح مصادر المعارضة السورية عن وجهتها المقبلة في عمليتها العسكرية الجديدة، إلا أن خياراتها تبدو محصورة بين مهاجمة طريق الكاستلو واستعادة السيطرة عليه، وبين محاولة استعادة زمام المبادرة في طريق الراموسة لفتحه من جديد نحو الأحياء المحاصرة في حلب.
ويبدو أن قوات المعارضة قد تفضل مهاجمة طريق الكاستلو، خصوصاً مع فشل الهدنة بتحويل الطريق إلى ممر إنساني إثر تعنت قوات النظام ورفضها الانسحاب من الطريق، بالإضافة إلى تمتع قوات المعارضة بالسيطرة على مناطق استراتيجية مهمة بمحيط طريق الراموسة كمشروع 1070 شقة قرب حي الحمدانية، الأمر الذي سيسمح لها بإشغال قوات النظام بشكل كبير جنوبي حلب، في الوقت الذي تشن فيه هجوماً على طريق الكاستلو شمالي حلب.