نموذج سيّئ

07 أكتوبر 2015

هولاند مع محمد السادس في زيارته المغرب (20 سبتمبر/2015/Getty)

+ الخط -
زار الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، الأسبوع الماضي، المغرب، ورافقته وجوه فرنسية من أصل مغربي، نجحت في السياسة والأدب والإعلام، ليقول للرأي العام: نموذجنا الفرنسي في إدماج المهاجرين ناجح، ودليلي هؤلاء من أصل مغربي: وزيرة التعليم نجاة بلقاسم، كاتبة دولة مكلفة بالمدينة مريم الخمري، وقبلهما رشيدة داتي كانت وزيرة عدل، وها هو الطاهر بنجلون أديب فرنسي ينحدر من أسرة مغربية، والكوميدي جمال الدبوز الذي نال شهرة كبيرة في بلاد موليير، وقد ولد في حي هامشي، من أسرة مغربية مهاجرة. 

لا تعكس الصورة التي جاء الرئيس الفرنسي يسوقها للمغاربة والعرب، وهو وسط أبناء مهاجرين مشهورين وناجحين في فرنسا، الحقيقة، بل هي استثناء يؤكد القاعدة، فالنموذج الفرنسي في إدماج المهاجرين في نسق الدولة ومعمارها السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي هو الأسوأ، ولا يقارن مع أميركا بلاد المهاجرين بامتياز، ولا مع بريطانيا التي تعترف بتنوع مواطنيها وتقبل بهم أفراداً ومجموعات، ولا حتى مع النموذج الألماني الذي يدافع عن المساواة والحريّة .
البلاد الذي يعترف فيها 42% من الفرنسيين أنهم ينظرون إلى المواطنين المغاربة والجزائريين والتونسيين الحاملين جوازات سفر فرنسية عرباً لا فرنسيين، والبلاد التي تنشئ وزارة للهوية الوطنية على عهد ساركوزي، لأنها تخاف على عذريتها من الدخلاء، ليست نموذجاً في إدماج المهاجرين. والبلاد التي يقول فيها الشباب العربي والمسلم من الجيل الثالث، في استطلاعات رأي فرنسية، إن أسماء محمد وعمر وخالد عائق كبير يحول دون ولوج أصحابها إلى سوق العمل، والدولة التي يصل فيها عدد العاطلين من الشبّان المسلمين في الضواحي المهمشة إلى 50%، فيما لا تتجاوز النسبة 20% وسط الفرنسيين، من العمر نفسه والوسط نفسه، هذه بلاد لا يمكن أن تسوّق نموذجاً لاندماج المهاجرين.
ثلاثة أسباب تجعل الفرنسيين فاشلين في سياسة إدماج المهاجرين. أولاً: فرنسا تطلب من المهاجرين الذوبان في ثقافتها ولغتها وعاداتها، ولا تطلب منهم الاندماج، والفرق كبير بين الأمرين. وقد نما هذا العائق في استيعاب المهاجرين وكبر، بسبب تفكير مركزي يحيط بالعقل الفرنسي، ويتوهمه أصحابه نموذجاً مثالاً على الآخرين أن يتبعوه. إنها فرنسا الثورة، فرنسا العلمانية، فرنسا الفرنكفونية، وفرنسا الإمبراطورية التي كانت تحكم العالم مع بريطانيا قرنين. ثانياً: لا تجربة لفرنسا في الهجرة، وعدد الفرنسيين خارج بلدهم الأضعف في العالم (من بين 66 مليون فرنسي اليوم 1،5 مليون يعيشون خارج بلادهم، ونصفهم في الاتحاد الأوروبي). إذن، لا توجد ثقافة للهجرة في البلاد، وفرنسا بلاد استقبال أكثر منها بلد مصدّر للهجرة.
ثالثاً: لم تكن الهجرة إلى فرنسا، أوائل القرن الماضي، اختياراً للمهاجرين، بل طلباً من فرنسا، وأحياناً بطريقة قسرية وعنيفة. ولمّا دخلت الحربين العالميتين، الأولى والثانية، عمدت فرنسا إلى تجنيد الأهالي من الجزائر وتونس والمغرب والسنغال، للقتال مع جيوشها. ولمّا انتهت الحرب، وجّهت مئات آلاف المغاربيين للعمل في المصانع والمناجم والأعمال الشاقة، لإعادة بناء فرنسا التي دمرتها الحرب العالمية الثانية، فنتجت علاقة متوترة بين المهاجر العربي وفرنسا. هو ينظر إليها مستعمراً، وهي تراه جندياً أو عاملاً في مهمة محددة، وسيعود إلى بلاده. ولهذا، لا حاجة لفهم لغته ودينه وثقافته. هكذا كبر الجيل الأول في جو من الخضوع وانتظار العودة إلى بلاده. ثم حاول الجيل الثاني أن يتفادى أخطاء الآباء والأمهات، ويقول إنه فرنسي، فدرس وتفوق، لكنه لم يأخذ المكانة التي يستحق في المجتمع الفرنسي. أما الجيل الثالث الذي حمل ثقافة الجيل الأول وامتعاض الجيل الثاني، فرد بقوة على تهميشه، وقلب الطاولة، متسلحاً بعنف الإقصاء وبموجة الأصولية الجهادية التي استغلت مشكلاته وأزماته، وحولته إلى لغم قابل للانفجار في المجتمع الفرنسي الذي لم يقبل إدماج والده وجده.
A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.