الصدفة وحدها قادتها إلى الشارع أو الحرية. نكيسا محب، التي تجيد صناعة الورد، اختارت بيع أزهارها في الشارع وبات هذا سر سعادتها.
في فترة ما بعد الظهر غالباً، يتجمعن حولها في المكان الذي اعتادت الجلوس فيه قرب ميدان تجريش في شمال العاصمة طهران. غالبية زبائنها من النساء. كثيرات يشترين منها الورد والأكاليل التي تصنعها بيديها. يسألنها عن أحوالها وحياتها وبداية عملها كبائعة ورد.
نكيسا محب هي بائعة الورد الإيرانية الشابة التي باتت أشهر من نار على علم. يسميها البعض أميرة تجريش، نسبة للمكان الذي تجلس فيه. يعرفه أهالي طهران جيداً، ويحرص من يزور المدينة على المرور به، وخصوصاً أنه يجمع ما بين البازار الشعبي والأسواق الحديثة. هي أيضاً تجمع ما بين الحداثة والتقاليد وإن على طريقتها. تتميز بملابسها وطريقة بيعها للورد. يبدو أنها تتماشى مع صيحات الموضة وإن كانت تحرص على الزي الإيراني التقليدي، حتى تبدو وكأنها خرجت من إحدى الحكايات.
تقول نكيسا إنها غدت نجمة. مذ كانت صغيرة، حلمت بأن تُطبع صورها على أغلفة المجلات. ويبدو أن بيعها الورد بسبب ظروفها قد ساعدها على تحقيق ما كانت تصبو إليه. لا تعتبر نفسها بائعة جوالة عادية، بل تشعر بأنها رمز للإيرانيات الحالمات والطموحات.
هذه الفتاة الكردية عاشت طفولتها مع عائلتها في منطقة تشالوس في شمال البلاد، وهي المنطقة المعروفة بطبيعتها الخلابة. ولدت عام 1988 في عائلة مكونة من خمسة أفراد. كان والدها مهندساً معمارياً، وقد أحبت والدتها الأعمال اليدوية وأتقنتها، فكان أن أحبت نكيسا الفنون. تقول إنها تحب الأزياء وتجيد العزف على الغيتار، وقد تعلمت صناعة الورد مذ كانت صغيرة. تحب التمثيل وشاركت في ثلاثة أفلام إيرانية، وكانت تدرس الرياضيات في الجامعة إلا أنها لم تستطع المتابعة بسبب ظروفها المادية. توفي والدها وكانت مضطرة للانتقال إلى مدينة طهران للبحث عن فرصة عمل، وقررت البقاء فيها لتعيل نفسها وتتابع دراستها.
اقترحت عليها صديقتها صناعة الورد وبيعها. أحبت الفكرة هي التي تجيد الأمر. في البداية كانت صديقتها ترافقها، قبل أن تتابع العمل لوحدها، وقد وجدت في الأمر متعة. قبل ثلاث سنوات، نزلت الشارع لأول مرة لبيع الورد. قبل ثلاث سنوات، نزلت الشارع لبيع الأزهار الطبيعية والصناعية. تعرضت لمضايقات كثيرة، وخصوصاً أنها كانت تحسب على الباعة الجوالين. كانت تعمل من دون ترخيص قانوني لكن شهرتها وتزايد عدد زبائنها جعلاها تستمر في عملها على الرغم من اعتراض بعض الجهات الرسمية أحياناً. إلا أنها باتت اليوم جزءاً من صورة ميدان تجريش.
مع تزايد عدد زبائنها، بدأت الاعتماد أكثر على مواقع التواصل الاجتماعي، علماً أنها وسيلة جيدة للإعلان والدعاية على حد قولها. بات لديها متابعون كثر. ولأنها تضطر للبقاء في منزلها أحياناً لصناعة الورد والأكاليل، لا تستطيع التواجد يومياً في الموقع نفسه، وصارت تحدد مواعيد ثابتة على صفحتها على "فيسبوك".
ما زالت والدتها تساعدها حتى اليوم، وانضمت إليها شقيقاتها، وبتن يعلّمن نساء أخريات في قريتهن على صناعة الورد، لتبيعها جميعها. وحول ردة فعل الشارع الإيراني، وخصوصاً أنها فتاة متعلمة وليست فقيرة، تلفت إلى أن الإيرانيات دعمنها بشكل لافت وقد أحببن جرأتها، وشجعنها على الاستمرار حين عرفن قصّتها. وبالنسبة للرجال، تقول إن كثيرين لم يتقبلوا الفكرة، وقد تعرضت لمضايقات أحياناً. مع ذلك، نجحت في عملها وحققت شهرة لم تكن تتوقعها، ما جعل هذا الواقع يتغير كثيراً.
ترى في عملها هذا فرصة للتعبير عن نفسها. تقول إنها تحب الموضة واختيار الملابس المختلفة والجميلة. تشعر أن الورد يمثلها، والبيع للمارة في الشارع يمنحها شعوراً بالحرية. تحصل بائعة الورد هذه على مردود لا بأس به من عملها، علماً أن صناعة الورد والأكاليل تحتاج إلى مواد أولية. لكن دعم الناس ساعدها كثيراً، وها هي تجمع المال في محاولة لإكمال دراستها الجامعية.
تذكر أن تجربتها كانت سيئة في السابق، وقد جربت العمل في مهن أخرى. عملت بائعة في أحد المحلات، ومدرّسة، إلا أنها لطالما سعت لأن تكون حرة في عملها. وقد منحها عملها الحالي هذا الشعور، وربما أكثر. ترى أن سعادة المرأة تعدّ سبباً لتطوّر وتقدم المجتمعات، لافتة إلى أن سر سعادتها يكمن في حريتها وتحقيق طموحاتها وممارسة العمل والهواية التي تحب. ترى أن الإيرانيات قادرات على تحقيق الكثير، لكن عليهن العمل على عيش تجربتهن الخاصة وتجاوز مشقات الحياة وإيجاد عمل مناسب من دون الاتكال على الآخرين. وتلفت إلى أنها نجحت بعض الشيء، وقد تلونت حياتها، مثل الأزهار.
اقــرأ أيضاً