نكتة الجزائريين مضحكة ولاذعة

06 فبراير 2016
العلاقة بين الجنسين تفرض نكاتها اليوم (باسكال باروت/Getty)
+ الخط -
تزدهر روح النكتة في الشارع الجزائري، بالرغم من الظروف الصعبة. وترصد النكتة تحولات المجتمع المختلفة، بما يجعل منها مرآة تعكس هواجس الجزائريين منذ عهد الاستقلال

يرفق الجزائري كل ضحكة عميقة بعبارة "ربنا يجيب الخير". فكأنّ الضحك من أسباب المصائب والشرور المحتملة لديهم. ومع ذلك، لا يخلو لقاء بين جزائريين من النكات. فيسأل أحدهم الآخر: "هل من جديد لديك؟"، ليُفهم من السؤال مباشرة: "هل من نكتة جديدة؟".

يتناقض الجزائريون كثيراً بهذا الخصوص بين طبيعتين، الحزن والفرح، والضحك والبكاء. وهي الحالات المرتبطة بثنائية أخرى هي الموت والحياة، والدنيا والآخرة. فالجزائري يتوقف فجأة عن التنكيت إذا سمع الأذان مثلاً، ثم يكمل التنكيت بعد انتهائه، أو يتوقف لدى دخوله إلى المسجد ويكمل بعد خروجه منه.

النكتة في تحولاتها وتوجهاتها المختلفة، تشكل مرآة حقيقية تعكس تحولات وتوجهات المجتمع الذي تسود فيه. وفي الجزائر يمكن رصد التحولات التي حصلت في الشارع منذ الاستقلال الوطني عام 1962 من خلال النكات السائدة.

كان التوجه السياسي العام في السنوات التي تلت الخروج الفرنسي، منصبّاً على رهان البناء الوطني. وتمت الدعوة إلى هذا البناء انطلاقاً من تكريس صورة الجزائري الذكي والقوي، في مقابل صورة الفرنسي الساذج والضعيف. يومها هيمنت نكات "جحا الجزائري" و"جحا الفرنسي".

ومع بداية ثمانينيات القرن العشرين، أعلنت النكتة الجزائرية تمردها، أي خروجها من مختبرات السلطة إلى مختبرات الشعب، من حيث مصدر التوجيه. وقد حصل الأمر نفسه في مجال القصيدة والأغنية ومن ذلك أغاني "الراي". فباتت النكتة تتوجه إلى السلطة الحاكمة نفسها، عوض السلطة الاستعمارية سابقاً. يومها سيطر على الشارع إطلاق النكات على الرئيس.

وشكّل الرئيس الشاذلي بن جديد الذي حكم البلاد ما بين 1979 و1992، مادة رئيسية للنكتة الجزائرية في هذه الفترة. والسذاجة التي اتسم بها "جحا الفرنسي" التصقت بالرئيس هذه المرة. وهو ما شكل من جهة أخرى تلميعاً جيداً لصورة كلّ ما هو فرنسي، بإزاحة ما يدل على ذاكرته الاستعمارية، على حساب الإساءة لصورة كل ما هو وطني.

استقالة الرئيس الشاذلي التي كانت بوابة للعنف المسلح في الجزائر، جعلت النكتة الخاصة به تختفي تماماً، لتحلّ محلها نكتة تنقل صفة السذاجة إلى مدينة تسمى معسكر، وتبعد عن الجزائر العاصمة بـ482 كيلومتراً غرباً. يومها بات الجزائريون جميعاً لا يتداولون إلاّ نكات الإنسان المعسكري، تماماً كما ينكّت الأردنيون على سكان مدينة طفيلة، وينكّت الفلسطينيون على أهل الخليل، والسوريون على أهل حمص، والفرنسيون على البلجيكيين.

لقد نافست النكتة المعسكرية أخبار الموت العبثي الذي كان مهيمناً خلال العشرية السوداء، في الانتشار والتأثير. والجميل في الأمر أنّ سكان معسكر أنفسهم شاركوا في البازار وأدلوا بدلوهم، ولم يبدوا حرجاً من الغباء الذين وصفوا به. فكأنهم تطوعوا ليضحكوا الجزائريين في زمن الموت، علماً أن مدينتهم غالباً ما تحتكر المرتبة الأولى في مستويات التعليم المختلفة. كذلك، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ مدينة معسكر كانت عاصمة الأمير عبد القادر مؤسس المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي عام 1832.

هذه الروح المرحة والمتسامحة لسكان معسكر، شكرهم عليها الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة، في أحد خطاباته التلفزيونية. فكان ذلك، مع أسباب موضوعية أخرى، بداية لانسحاب النكتة المعسكرية من المشهد، وحلول نكتة جديدة، تتميز بأكثر من توجه، وتطال أكثر من شريحة اجتماعية.

في هذا الإطار، يلاحَظ استفحال النكتة الجنسية، وتلك التي تخص شريحة الحشاشين، وشرائح أخرى من المجتمع مثل المدرسين والأئمة والأساتذة الجامعيين.

يقول الباحث في علم الاجتماع الثقافي عمار بن طوبال إنّ انتشار النكات الجنسية بشكل واسع عادة ما يكون نتيجة لتحولات مجتمعية تجعل القيم الأخلاقية ترتخي ويخفّ تأثيرها الموجه للسلوك الفردي. وهذه الحالة التي تزدهر في ظلها أخلاق طارئة تكون نتيجة طبيعية لانهيار سلم القيم في مجتمعات ما بعد الأزمة.

ويضيف بن طوبال في حديثه لـ"العربي الجديد" أنه في ظل هذا الجو المتشنج والمتراوح ما بين قيم تناضل من أجل البقاء، وقيم تحارب من أجل الوجود، تولد المفارقة بين ما هو كائن وما يجب أن يكون، وهي المفارقة التي تشكل جوهر النكتة وأساس وجودها الاجتماعي.

ويتابع شرحه: "النكتة الجنسية بمختلف أنواعها تزدهر في مجتمع اهتزت فيه القيم الناظمة للعلاقة ما بين الجنسين، وتغيرت فيه النظرة الحادة والنمطية لكل جنس على حدة، فنكات الأنانيش (وهي صفة يطلقها الجزائريون على الفتيان المتأنثين) لم تبرز إلا بعدما بات الأشخاص المثليون يعبّرون عن وجودهم بشكل علني في المجتمع الذي صار مضطراً للتعامل معهم في البيت والمدرسة والشارع وعبر وسائل الإعلام لكن من دون أن يتقبل وجودهم بشكل سلس وطبيعي".

من جهة أخرى، يبرر بن طوبال تعرض رجال التعليم والدين للتنكيت في الآونة الأخيرة، بكونها "خطوة انتقامية من هذه الشريحة التي أوغلت في المطالبة بتحسين ظروفها لتحقق مكاسب كثيرة ألحقتها بالطبقة المرتاحة مالياً، على حساب مصالح التلاميذ وتحصليهم العلمي". ويعلق على ذلك: "لقد حدث نوع من الإمعان الشعبي في تجريد المدرسين ورجال الدين من الهالة القدسية التي كانوا يحظون بها حتى وقت قريب".

اقرأ أيضاً: حرب الأزقّة.. معارك عدم التجانس في الجزائر