03 يوليو 2019
نقاط من الحبر على سيل من الدم
لا فكرة يمكن تدوينها لتفي سيل الدم السوداني، المسفوك عشية عيد الفطر، حقه من القداسة، ولكن بعضاً من نقاط الحبر قد تنفع، لصوغ مساهمةٍ متواضعةٍ، تفسر ما حدث، وتشخص خلفيات التجرؤ عليه، في مجموعة ملاحظاتٍ واستنتاجات، هذه أبرزها:
أولاً: تعاظم قدرة الأنظمة الديكتاتورية الفاسدة التي حكمت البلدان العربية، طوال العقود الستة أو السبعة التي أعقبت الاستقلال عن قوى الاستعمار الأوروبي، على أن تعيد إنتاج نفسها بوجوه وأقنعة جديدة، في المواجهة مع الانتفاضات الشعبية، وتعالي استعداد الجنرالات الذين تربّوا في أحضان الرؤساء الحاليين أو المخلوعين، لاستخدام كل وسائل القوة، وأولها الجيوش الوطنية، والأجهزة الأمنية، وصولاً إلى ارتكاب المذابح الجماعية، في سبيل الاحتفاظ بالسلطة، إن لم تنفع أساليب المناورة والاحتيال، لتحقيق هذا الغرض.
ثانياً: اتضاح عمق العداء لنداءات الحرية، في سلوك قيادة الثورات المضادّة، ومركزها أبو ظبي، عبر مسارعتها، ومعها الظهيران السعودي والمصري، إلى استقبال قادة المجلس العسكري السوداني، ودعمهم بمساعداتٍ مالية ضخمة، ثم دعوة رئيسهم، عبد الفتاح البرهان، وهو الذي لا يملك أي شرعية دستورية، ليحتل مقعد بلاده في القمتين، العربية والإسلامية اللتين استضافتهما السعودية على أرض مكة المكرمة، قبل أن يرجع إلى الخرطوم، لينفّذ ما بدت كأنها خطة أقرّها مضيفوه، لفض الاعتصام أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة، بعنف أسقط عشرات القتلى ومئات الجرحى، وأعاد التذكير بمذابح أخرى، ارتُكبت تحت رعاية الجهات نفسها، قدر ما عكس إصرار هذا الحلف الإقليمي على وأد أحلام الشعوب، في السودان كما في اليمن ومصر وليبيا، فضلاً عن فلسطين.
ثالثاً: سقوط منطق اتهام الإسلام السياسي بإثارة الفوضى، وتحميله مسؤولية العنف والإرهاب في العالم العربي، ذلك أن المعتصمين السودانيين السلميين الذين فضّ العسكر اعتصامهم، وسفكوا دم مئات منهم، برعاية إماراتية سعودية شبه مكشوفة، لم يكونوا من الإسلاميين، أو من "جماعة الإخوان الإرهابية"، وفق تعبير بلطجية الإعلام المصري، بل إن "قوى الحرية والتغيير" التي قادت حراكهم الشعبي، ومثّلتهم في المفاوضات مع المجلس العسكري، تضم خليطاً متعدّداً من النقابيين المهنيين المستقلين وأعضاء الأحزاب القومية واليسارية والليبرالية التي ليس بينها أي حزبٍ ذي توجه إسلامي، في حين تقول السير الذاتية للجنرالات الذين يفاوضونهم، ويحظون بدعم أبو ظبي والرياض والقاهرة، إنهم ما كانوا لينالوا رتبهم الرفيعة في نظام حكم الرئيس المخلوع عمر البشير، لو أنهم لم يكونوا جزءاً من حزب المؤتمر الوطني، وقبله الجبهة الإسلامية التي أطاحت التجربة الديمقراطية عام 1989.
رابعاً: تخاذل المجتمع الدولي، أو تواطؤه، مع الأنظمة الحاكمة ضد الشعوب المستضعفة، للحفاظ على مصالح القوى العظمى المتحكّمة فيه. لقد تذكّر الناس، وهم يرون التنديد الأميركي والأوروبي والأممي، بمذبحة الخرطوم، أنهم سمعوا كلاماً مشابهاً، بعد انقلاب الجنرال عبد الفتاح السيسي على الرئيس المصري المنتخب، محمد مرسي، وارتكابه مذبحةً مروعة ضد المعتصمين في ميداني رابعة العدوية والنهضة، لكن الدول الغربية الكبرى سرعان ما استقبلته، وفرشت السجاد الأحمر تحت قدميه، لتُبرم معه الصفقات التجارية والسياسية، بوصفه زعيماً موثوقاً، ومن دون أن تعير ألوف المعتقلين السياسيين في سجونه أي اهتمامٍ يوازي تشدّقها باحترام حقوق الإنسان، أو يحفظ لصدقيتها شيئاً من ماء الوجه.
خامساً: تزايد الشكوك بوجود أيادٍ إسرائيلية خفية في المساعي الرامية إلى إجهاض أي محاولة تغيير يشهدها العالم العربي، واستخدام النفوذ الصهيوني، على المستوى الدولي، لعرقلة أي تحرّكٍ شعبي قد يبشر بولادة تجربة ديمقراطية في بلاد الاستبداد الممتدة بين الخليج العربي والمحيط الأطلسي.
سادساً: اطمئنان قوى الثورة المضادة إلى تآكل مبدأ التضامن القومي، وتكريس انكفاء الشعوب العربية، كل على أزماته الداخلية، حتى باتت المذابح بحق أي شعب، وكذلك الاعتداءات الإسرائيلية التي يتعرّض لها الفلسطينيون ومقدساتهم، تمر، غالباً، من دون أن تحظى بتفاعل أي شعبٍ آخر.
أولاً: تعاظم قدرة الأنظمة الديكتاتورية الفاسدة التي حكمت البلدان العربية، طوال العقود الستة أو السبعة التي أعقبت الاستقلال عن قوى الاستعمار الأوروبي، على أن تعيد إنتاج نفسها بوجوه وأقنعة جديدة، في المواجهة مع الانتفاضات الشعبية، وتعالي استعداد الجنرالات الذين تربّوا في أحضان الرؤساء الحاليين أو المخلوعين، لاستخدام كل وسائل القوة، وأولها الجيوش الوطنية، والأجهزة الأمنية، وصولاً إلى ارتكاب المذابح الجماعية، في سبيل الاحتفاظ بالسلطة، إن لم تنفع أساليب المناورة والاحتيال، لتحقيق هذا الغرض.
ثانياً: اتضاح عمق العداء لنداءات الحرية، في سلوك قيادة الثورات المضادّة، ومركزها أبو ظبي، عبر مسارعتها، ومعها الظهيران السعودي والمصري، إلى استقبال قادة المجلس العسكري السوداني، ودعمهم بمساعداتٍ مالية ضخمة، ثم دعوة رئيسهم، عبد الفتاح البرهان، وهو الذي لا يملك أي شرعية دستورية، ليحتل مقعد بلاده في القمتين، العربية والإسلامية اللتين استضافتهما السعودية على أرض مكة المكرمة، قبل أن يرجع إلى الخرطوم، لينفّذ ما بدت كأنها خطة أقرّها مضيفوه، لفض الاعتصام أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة، بعنف أسقط عشرات القتلى ومئات الجرحى، وأعاد التذكير بمذابح أخرى، ارتُكبت تحت رعاية الجهات نفسها، قدر ما عكس إصرار هذا الحلف الإقليمي على وأد أحلام الشعوب، في السودان كما في اليمن ومصر وليبيا، فضلاً عن فلسطين.
ثالثاً: سقوط منطق اتهام الإسلام السياسي بإثارة الفوضى، وتحميله مسؤولية العنف والإرهاب في العالم العربي، ذلك أن المعتصمين السودانيين السلميين الذين فضّ العسكر اعتصامهم، وسفكوا دم مئات منهم، برعاية إماراتية سعودية شبه مكشوفة، لم يكونوا من الإسلاميين، أو من "جماعة الإخوان الإرهابية"، وفق تعبير بلطجية الإعلام المصري، بل إن "قوى الحرية والتغيير" التي قادت حراكهم الشعبي، ومثّلتهم في المفاوضات مع المجلس العسكري، تضم خليطاً متعدّداً من النقابيين المهنيين المستقلين وأعضاء الأحزاب القومية واليسارية والليبرالية التي ليس بينها أي حزبٍ ذي توجه إسلامي، في حين تقول السير الذاتية للجنرالات الذين يفاوضونهم، ويحظون بدعم أبو ظبي والرياض والقاهرة، إنهم ما كانوا لينالوا رتبهم الرفيعة في نظام حكم الرئيس المخلوع عمر البشير، لو أنهم لم يكونوا جزءاً من حزب المؤتمر الوطني، وقبله الجبهة الإسلامية التي أطاحت التجربة الديمقراطية عام 1989.
رابعاً: تخاذل المجتمع الدولي، أو تواطؤه، مع الأنظمة الحاكمة ضد الشعوب المستضعفة، للحفاظ على مصالح القوى العظمى المتحكّمة فيه. لقد تذكّر الناس، وهم يرون التنديد الأميركي والأوروبي والأممي، بمذبحة الخرطوم، أنهم سمعوا كلاماً مشابهاً، بعد انقلاب الجنرال عبد الفتاح السيسي على الرئيس المصري المنتخب، محمد مرسي، وارتكابه مذبحةً مروعة ضد المعتصمين في ميداني رابعة العدوية والنهضة، لكن الدول الغربية الكبرى سرعان ما استقبلته، وفرشت السجاد الأحمر تحت قدميه، لتُبرم معه الصفقات التجارية والسياسية، بوصفه زعيماً موثوقاً، ومن دون أن تعير ألوف المعتقلين السياسيين في سجونه أي اهتمامٍ يوازي تشدّقها باحترام حقوق الإنسان، أو يحفظ لصدقيتها شيئاً من ماء الوجه.
خامساً: تزايد الشكوك بوجود أيادٍ إسرائيلية خفية في المساعي الرامية إلى إجهاض أي محاولة تغيير يشهدها العالم العربي، واستخدام النفوذ الصهيوني، على المستوى الدولي، لعرقلة أي تحرّكٍ شعبي قد يبشر بولادة تجربة ديمقراطية في بلاد الاستبداد الممتدة بين الخليج العربي والمحيط الأطلسي.
سادساً: اطمئنان قوى الثورة المضادة إلى تآكل مبدأ التضامن القومي، وتكريس انكفاء الشعوب العربية، كل على أزماته الداخلية، حتى باتت المذابح بحق أي شعب، وكذلك الاعتداءات الإسرائيلية التي يتعرّض لها الفلسطينيون ومقدساتهم، تمر، غالباً، من دون أن تحظى بتفاعل أي شعبٍ آخر.