نقابات تعليم الجزائر المستقلة تهزم الحكومة

25 فبراير 2018
تظاهرة نقابية في العاصمة الجزائرية (رياض كرامدي/ فرانس برس)
+ الخط -

تتنافس أكثر من عشر نقابات ناشطة في قطاع التربية والتعليم في الجزائر للسيطرة على ذلك القطاع. وكان تقرير نشرته وزارة العمل الجزائرية قبل نحو أسبوع، قد ذكر أنّ 13 منظمة نقابية تعمل في قطاع التربية الوطنية مستفيدة من الدستور الذي يمنح الحقّ في تأسيس النقابات، لكنّ الفواصل الرئيسة بين هذه النقابات تحدّدها مواقفها إزاء قضايا المدارس والبرامج وتسيير المؤسسات التربوية والأساتذة والمعلّمين والعمّال.

منذ تكريس الحق النقابي وحرية تأسيس النقابات، تزايد عدد النقابات المستقلة وهدفها الرئيس كسر احتكار العمل النقابي الذي هيمنت عليه "الفدرالية الوطنية لعمّال التربية" التابعة لـ"الاتحاد العام للعمّال الجزائريين" الموالي للسلطة بشكل كامل. فهي سايرت كل الحكومات ولم تحقق أيّ مكاسب للأساتذة والمعلّمين على مدار سنوات، في حين نجحت النقابات المستقلة خلال فترة وجيزة في السيطرة على قطاع التعليم واستقطاب مجموع العاملين في القطاع التعليم، سواء الأساتذة أو المعلّمين أو الموظفين الإداريين أو العمّال البسطاء في المؤسسات التربوية.

ويُعدّ "المجلس الوطني المستقل لأساتذة التعليم الثانوي والتقني" أكبر النقابات التي تحاول التصدّي منذ نحو عقد من الزمن للحكومة، وذلك نتيجة تأثيره في قطاع التربية والتعليم واستقطابه الأساتذة والمعلّمين في صفوفه، بالإضافة إلى مواقفه المتشددة مع الحكومة وتحقيقه مكاسب مهنية واجتماعية لصالح هؤلاء. وهذا التنظيم النقابي المستقل تأسس في إبريل/ نيسان 2003 وبقي يعمل لمدّة أربعة أعوام من دون ترخيص رسمي، ونفّذ إضراباً تاريخياً غير مسبوق في عام 2004 من أجل الحصول على "الاعتماد"، في حين واجه حملات شرسة وأساليب للتخويف من مضايقات إدارية وعمليات توقيف وعزل (من العمل) لبعض قياداته وملاحقات قضائية، إلى جانب اتهامات لقيادته بالارتباط بحزب جبهة القوى الاشتراكية أقدم حزب معارض في البلاد. في النهاية، ونتيجة الضغط الكبير الذي مارسه هذا التنظيم المعروف باسم "كنابست"، أجبر الحكومة على الترخيص له.

ويأتي "الاتحاد الوطني لعمّال التربية والتكوين" المعروف باسم "أنباف" والمقرّب من التيار القومي، كثاني أكبر نقابات قطاع التعليم في الجزائر، إذ أدّى دوراً بارزاً في تحقيق جملة من المطالب العمالية بسبب مواقفه الحازمة تجاه الحكومة. وعُرف هذا التنظيم النقابي بكشفه لخطط وزارة التربية إزاء ما يعدّه "فرنسة البرامج" و"تغريب المقررات التربوية" وإفراغها من القيم الحضارية وتقليص الساعات المخصصة للغة العربية والتربية الإسلامية. وفي المركز الثالث لجهة التأثير النقابي على الأرض، تحلّ "النقابة الوطنية لعمّال التربية والتكوين" المعروفة باسم "ساتاف"، يتبعها "المجلس الوطني الموسع لأساتذة الثانوي والتقني" المقرّب من التيار التقدمي، والذي كان قد عقد اتفاق هدنة مع وزيرة التربية الوطنية نورية بن غبريط، وشارك في صياغة مناهج التعليم قبل أن يراجع مواقفه وينضم إلى تكتل النقابات المعارضة للوزارة.


وتشمل النقابات المستقلة كذلك، كلّا من "النقابة الوطنية لعمّال التربية" و"مجلس ثانويات الجزائر العاصمة" الذي كان يُعرف باسم "كلا" قبل أن يصبح "سلا ". وهذا التنظيم الأخير أسّسه النقابي اليساري الراحل عصمان رضوان، لكنّ نشاطه ظل في سنواته الأولى محصوراً جغرافياً في نطاق العاصمة الجزائرية، قبل أن يتحوّل إلى نقابة تمثيلية لكلّ الثانويات في الجزائر. لكنّ حضوره خارج العاصمة يبقى ضعيفاً نوعاً ما.

في الجهة المقابلة، تصطفّ ثلاث نقابات موالية للحكومة ووزارة التربية الوطنية، وهي "الفدرالية الوطنية لعمّال قطاع التربية" التابعة للاتحاد العام للعمّال الجزائريين. وتتماهى هذه الفدرالية مع مواقف الحكومة ووزارة التربية بالكامل، ولا تعارض أيّ قرارات أو توجهات تتخذها الوزارة. يُذكر أنّها فقدت قوتها على الأرض قبل عقد من الزمن، وقد تفاقم ضعفها عند انتزاع تسيير أموال الخدمات الاجتماعية الخاصة بالأساتذة والمعلّمين منها لصالح النقابات المستقلة التمثيلية. وتتوافق الفدرالية مع "النقابة الوطنية لأساتذة التعليم الابتدائي" التي تنشط في المدارس الابتدائية و"النقابة الوطنية للأسلاك المشتركة والعمّال المهنيين لقطاع التربية"، وهي نقابة تمثل العمّال البسطاء وموظفي المخابر والأعوان العاملين في المؤسسات التعليمية.

لكنّ الحكومة لم تنجح على الرغم من محاولاتها الكثيرة في دفع النقابات المؤيدة لها إلى صدارة الساحة النقابية، بسبب فقدانها المصداقية النقابية وضعف مواقفها إزاء قرارات الحكومة وخياراتها. ويرى متابعون للشأن النقابي في الجزائر أنّ الحكومة حاولت في البداية تعويم العمل النقابي في قطاع التربية لمنع توغّل أيّ نقابة مستقلة في القطاع، غير أنّ التقارب الكبير في المواقف بين النقابات المستقلة قلب سحر الحكومة عليها.


ويتساءل مراقبون عن جملة العوامل التي دفعت بالنقابات المستقلة إلى تصدّر المشهد في الساحة النقابية لقطاع التعليم، بعد عقود من تجربة نقابية فاشلة موالية للحكومة احتكرت فيها السلطة التمثيل النقابي. بالنسبة إلى المتابع للنشاط النقابي في الجزائر نور الدين بوخمخم، فإنّ "التحوّل الحاسم في مسار نجاح النقابات المستقلة وسيطرتها على الساحة التربوية منذ 15 عاماً، أتى من خلال سحب عملية تسيير أموال الخدمات الاجتماعية من منظومة الفساد التي كانت تمثلها المركزية النقابية - الاتحاد العام للعمّال الجزائريين - وأذرعها، وإسناده إلى هيئات منتخبة وتمثيلية، بالتالي حرمان منظومة الفساد من إحدى أبرز أدوات تدجين العمل النقابي وقمعه وشراء الذمم". ويلفت بوخمخم لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "أموال الخدمات الاجتماعية هي حصيلة اشتراكات الأساتذة والموظفين والعمّال في قطاع التعليم، والتي تخصص للخدمات ذات الطابع الاجتماعي كالقروض ومخصصات العلاج والمساعدة في أداء الحج والعمرة والعطل الصيفية وغيرها". ويتحدّث بوخمخم عن "عامل لافت ثانٍ في نجاحات النقابات المستقلة، وهو تصدّر النساء قيادة الحراك النقابي، وعدم الاكتفاء بالمواقع الخلفية، الأمر الذي أدّى إلى سقوط رهانات السلطة في موت العمل النقابي المستقل، بعدما هيمنت المرأة على الوظيفة العمومية". إلى ذلك، يضيف الباحث في علم الاجتماع ناصر جابي "وجود قيادات نقابية نجحت في كسب معركة الرأي العام ودفعه إلى تفهّم مواقف النقابات وإضراباتها، حتى ولو أدّت الإضرابات الأخيرة إلى إزعاجه نظراً إلى طبيعة القطاعات التي تشملها مثل قطاع الصحة وقطاع النقل وكذلك التعليم".
دلالات