في روايته "ملائكة في سماء يهودا"، التي صدرت في أواسط ثمانينيات القرن الماضي، رسم الكاتب الإسرائيلي، دانييل كارلي، واقعاً متخيلاً لما ستكون عليه إسرائيل بعد عقود عدة، وتوقع أن يهيمن أتباع التيار الديني الصهيوني على الحكومة والجيش، فيعمدون إلى وضع رؤيتهم الخلاصية موضع التنفيذ، ويقيمون "دولة الشريعة"، ويسارعون إلى تدمير المسجد الأقصى، ويعيدون بناء الهيكل الثالث على أنقاضه، ويطردون الفلسطينيين في شاحنات إلى الدول العربية.
إسرائيل التي كانت عند صدور هذه الرواية تحت هيمنة نخبة سياسية علمانية، باتت الآن تقترب بشكل كبير من الواقع الذي تخيله كارلي، وبوتيرة لم يتصورها.
وإن كان أتباع التيار الديني الصهيوني قد شكّلوا في ثمانينيات القرن الماضي 2 في المئة فقط من الضباط في التشكيلات القتالية وألوية النخبة والوحدات الخاصة، فقد باتوا يشكلون حالياً ما بين 35 و40 في المئة من هؤلاء الضباط بحسب "صحيفة إسرائيل اليوم" في 15-11-2013.
ولما كان التيار الديني الصهيوني في حكومات إسرائيل المتعاقبة، والذي كان يمثله حزب "المفدال" يؤدي دوراً ثانوياً في إدارة شؤون الكيان الصهيوني، فإن هذا التيار بات يؤدي دوراً مركزياً وحاسماً في تحديد السياسات الداخلية والخارجية.
ومما لا شك فيه أن أكثر ما يعكس الدور المتعاظم لهذا التيار، هو التأثير الطاغي لوزير الاقتصاد، وزعيم "البيت اليهودي"، ثالث أكبر حزب في الائتلاف الحاكم، نفتالي بينيت، والذي يمثل هذا التيار.
لا خلاف في إسرائيل على أن تهديدات بينيت بالانسحاب من الحكومة، هي التي أجبرت بنيامين نتنياهو، على لفظ "خطة الاطار" التي قدمها وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، والتي يكاد يجمع المعلقون في إسرائيل على أنها "أهم وأشمل وصفة تخدم مصالح الكيان الصهيوني الإستراتيجية".
ومن أجل قطع الطريق على أية تسوية، عمد بينيت، أصغر وزراء الحكومة سناً (41 عاماً)، إلى إرساء حقائق استيطانية تسدل الستار على فكرة حل الدولتين، من خلال التعاون مع وزير الإسكان، أوري أرئيل، الرجل الثاني في "البيت اليهودي".
ولم يتردد بينيت، في إحراج نتنياهو، الذي تعهد أمام كيري ببناء 1000 وحدة سكنية فقط خلال 9 أشهر، وهي الفترة التي تم تحديدها لاستنفاذ المفاوضات مع السلطة الفلسطينية. وقد حرص كل من بينيت وأرئيل على بناء 13858 وحدة، كما دلل على ذلك تقرير صدر أخيراً عن حركة "السلام الآن" الإسرائيلية.
ويتميز بينيت بالغيظ عندما يدعو أحد ما لإقامة دولة فلسطينية، إذ قال أكثر من مرة إن "قيام دولة فلسطينية غرب نهر الاردن سوف يجلب على إسرائيل 100 عام من الصراع غير المنتهي، وإغراقها بملايين اللاجئين الفلسطينيين، فضلاً عن اتساع العزلة الدولية".
وعلى الرغم من أن اللغة العبرية فقيرة بتراكيبها ومفرداتها، فإن بينيت، المولود لوالدين هاجرا من الولايات المتحدة بعد انتهاء حرب 1967، يجتهد في توظيفها لإبراز مراميه السياسية، فتجميد الاستيطان، بالنسبة له، هو "تجميد للدماء في عروق الإسرائيلية والصهيونية".
ويدفع بينيت بحماسة نحو تبني الحلول العسكرية الأكثر قسوة في التعامل مع العرب والفلسطينيين. وخلال جلسة للحكومة، دعا إلى تصفية قضية الأسرى الفلسطينيين من خلال قتلهم بدل اعتقالهم.
وعندما أبدى بعض زملائه استهجاناً، رد بينيت بالقول: ما المشكلة في قتل العرب؟ لقد قتلت في حياتي الكثير منهم" (هارتس،7-9-2013).
ويقود بينيت تياراً صهيونياً آخذ بالاتساع، ومستعد لخوض غمار حرب دينية من دون تردد، ويدعو لتفعيل السيادة الإسرائيلية على الحرم القدسي الشريف، وتقاسم مواعيد الصلاة بين اليهود والمسلمين مؤقتاً، على أن يتم بعد ذلك نقل مسؤولية الإشراف على الحرم من دائرة الأوقاف الإسلامية إلى وزارة الأديان الإسرائيلية.
وبصفته وزيراً لشؤون القدس في الحكومة، يحل بينيت ضيفاً رئيساً في الندوات التي ينظمها "معهد جبل الهيكل"، الذي يرأسه الحاخام يسرائيل أرئيل، وهي المؤسسة التي تدعو لتدمير الأقصى وبناء الهيكل على أنقاضه. ولا يتورع بينيت عن وصف العرب بمصطلحات عنصرية، فالعرب في نظره ليسوا أكثر من "شظية في المؤخرة".
وعندما سُئل في لقاء إذاعي عن ردة فعله المباشر في حال التقى بالرئيس الفلسطيني، محمود عباس في غرفة، رد قائلاً: "سأنسّبه للبيت اليهودي وأطلب منه بعد ذلك أن يصنع لي فنجان قهوة".
لكن على الرغم مما تقدم، فإن مراحل حياة بينيت القصيرة تعكس الفرق بين البيئة التي يوفرها النظام السياسي في الكيان الصهيوني، وتلك التي توفرها أنظمة الاستبداد في العالم العربي.
فبينيت المولود عام 1972، خدم ضابطاً في وحدتين مختارتين، ومنذ تسريحه من الجيش عام 1996، أسس واحدة من أكثر شركات التقنية المتقدمة نجاحاً في إسرائيل، وأدار بعد ذلك شركات أخرى في المجال نفسه، وعمل مستشاراً لشركات مختلفة، وخدم في ديوان نتنياهو عندما كان زعيماً للمعارضة، حين أشرف على صياغة برنامجه الانتخابي في مجال التعليم.
وبعد تركه ديوان نتنياهو، أصبح مديراً عاماً لمجلس المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية. وفي منتصف عام 2012، شكل حزب "البيت اليهودي"، الذي خاض الانتخابات للمرة الأولى عام 2013، وأصبح ثالث أكبر شريك في ائتلاف نتنياهو.