نفاق الديمقراطية الفرنسية والأميركية

27 يوليو 2014
+ الخط -


إسرائيل كيان استعماري، وجوده قائم على اغتصاب الأرض، ونهب الممتلكات، والهيمنة على المقدرات بالقوة والبطش والحديد والنار، وهي ليست بحاجة إلى ذريعة للاستمرار في العدوان أو إعادته. وغزة، منذ انسحاب المحتل منها، قبل تسع سنوات، لم تنعم يوماً بالحرية ولا بالحياة الطبيعية، وهي، يومياً، تحت وطأة الطلعات الجوية ووقع القنابل، وواقع التصفيات والاغتيالات للمقاومين والقادة، وإرهاب حصار جائر لم يعرف له التاريخ مثيلاً. غزة تعيش داخل مساحة ضيقة مغلقة من الجهات الأربع، ومحاصرة بريّاً وبحريّاً وجويّاً، وأغلب احتياجات الحياة الأساسية تدخل تحت الرقابة والتضييق، وأغلب شروط العيش غير متوافرة في الحد المطلوب. بينما العدو الصهيوني، يبحث، في كل مرة، عن ذرائع شن عدوانه، بل يختلقها، من أجل لجم قوى المقاومة وإرعاب المواطنين، واظهار سطوته، وظل، دائماً، يقدم الأسباب الواهية للاستهداف المُرَكِّز للمدنيين. أمام كل هذا، والمجتمع الدولي، خصوصاً الأوروبي والولايات المتحدة، المتواطئ مع الكيان الصهيوني، بل الراعي العلني لاحتلاله وعدوانه، متخصص على الدوام في تبرير الأعمال العدوانية الاحتلالية.

تترك الديمقراطيات الغربية دولة الاحتلال في الميدان بأريحية، لتصادر الأرض الفلسطينية وتدمرها، وتنهب الثروات، وتفتك بالمحاصيل الزراعية، وتسيء إلى المقدسات الدينية، وتمارس عمليات الإجرام والاختطاف، وهتك حرمات البيوت وحتى هدمها، والقتل المستمر. بينما أصحاب الديمقراطية وحقوق الإنسان لا يهمهم في الأمر شيء، باستثناء أمن إسرائيل. 
بكل صلف ووقاحة، تنحاز الأنظمة الأوروبية في معظمها، والولايات المتحدة معها، الى مصلحة تصديق الذرائع الإسرائيلية، وتختزل العدوان الدموي الصهيوني، في حملات دعائية، لوصم المقاومة بالإرهاب، وإظهار إسرائيل بمظهر دولة القانون والديمقراطية. ولا تلتفت الكاميرات والتحليلات الإعلامية للمؤسسات الغربية، إلا لإظهار فتياتٍ صهيونيات، والحديث عن حرمانهن من السباحة في الصيف بسبب صواريخ المقاومة، أو عدم قدرتهن على التنزه والذهاب إلى نوادٍ ليلية، أو تظهر الكاميرات عينها أطفالاً صارخين في خضمّ صدمة سقوط صواريخ المقاومة على مستعمراتهم، في مقابل تجاهل وتبرير وقح لقتل آلاف المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ في غزة. ويتم إظهار المنازل المهدومة على رؤوس ساكنيها، وكأنها مقرات لإرهاب يهدد العالم، وكذلك الحال مع أنقاض المدارس والمستشفيات والمساجد، ولا تلتقط العدسات الغربية مشاهد التشريد الحاشد لأهالي قطاع غزة.

في كل مرة، تقدم تبريرات مغالطة خبيثة، من قبيل "استعمال المقاومة المدنيين دروعاً بشرية"، و"استعمال المدارس والمستشفيات والمساجد لإخفاء صواريخ المقاومة والمقاومين"، وما هذه التنميطات التي تتكئ عليها آلة الإعلام الغربي، وتروجها إسرائيل، إلا افتراءات وادعاءات لتبرير الجريمة الصهيونية في حق الفلسطينيين. ويتم استعمال هذه الدعاية المضللة، في حين طال القتل حتى أعضاء منظمات الإغاثة الدولية، وشمل القصف الصهيوني سيارات الإسعاف وطواقمها، من دون نسيان الطواقم الصحافية التي ينكل بها، ويقتل أعضاءها.

مجزرة حي الشجاعية التي حصدت نحو 70 شهيداً، وأكثر من 300 جريح، أغلبيتهم الساحقة من الأطفال والنساء، فضحت المزاعم الباطلة بشأن وجود مقاومين في البيوت المقصوفة، ودعَّمها تصريح وزير الحرب الصهيوني الذي كشف المجزرة الوحشية ارتكبت لغاية "تأمين" سحب أحد الفرق العسكرية التي فتكت بها المقاومة. الجريمة في حق غزة تغني عن كل تعليق، وتنفي احترام اتفاقية جنيف حماية المدنيين، وتظهر جلياً استراتيجية الإبادة الصهيونية في حق المدنيين، وتبرز بوضوح الوحشية البربرية الصهيونية التي تتمتع بالحصانة الدولية، والدعم المادي والمالي والإعلامي والدبلوماسي الغربي.

لم تدخر الولايات المتحدة أي جهد، ولم تهمل أية سلطة من السلطات الواسعة التي في حوزتها، ولم تفوت أية فرصة لإثبات دعمها وانحيازها الكامل للمحتل، وتبرير عدوانه واعتداءاته. فرنسا التي سجلت مواقف إيجابية إزاء القضية الفلسطينية سابقاً، انقلبت هذه المرة، موغلة في الدعم المطلق للعدوان البربري للكيان الصهيوني على غزة. فرانسوا هولاند لم يكتف بدعم العدوان الذي انطلق بوحشية، بل أعطى إمضاء على بياض للمحتل، مدعماً كل عملياته العدوانية "اللاحقة". وزيادة على ذلك، منعت حكومة فالس التظاهرات الداعمة لغزة، وتعاملت معها بالقمع وسياسة القبضة الحديدية، وأججت مشاعر النقمة بين مواطنيها من ذوي الانتماء العربي والعرب المهاجرين، وحولت النزاع إلى داخلها، ثم ما لبثت أن دفعت برأس ديبلوماسيتها بعد غرق الكيان الصهيوني، وفشله في غزة، من أجل إنقاذه بالضغط لتمرير المبادرة المصرية المشبوهة، المصاغة على المقياس الإسرائيلي، ليلتحق به رأس الدبلوماسية الأميركية، للغرض نفسه.
فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة كانت أكثر الدول التي أجهضت قرارات الإدانة الأممية ضد المحتل، وتسامحت مع خرق، حتى القرارات "الناعمة" التي تحمل عليه التزامات، وداست على القانون الدولي، في جانبه المتعلق بحماية المدنيين، وحق المقاومة في الدفاع الشرعي، وتغاضت عن رفضه استقبال بعثات التحقيق الدولية، ما يجعل كل حديث عن "الشرعية الدولية" من باب النفاق الساطع، من دول تدّعي الديمقراطية، وترفع شعارات حقوق الإنسان.
الشعب الفلسطيني، منذ نهاية أربعينيات القرن العشرين، يتعرض للاحتلال والتهجير والتعذيب والإبادة وانتهاك مقدساته، والجرائم المرتكبة تصنف بموجب القانون الدولي في خانة جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، وهي الأفظع في سلم الجرائم، ولا يزال قادة الاحتلال وجنوده وشعبه المجرم، في أغلبه، خارج دائرة المتابعة والمحاسبة الدوليين، بعد خضوع محمود عباس لضغوط الولايات المتحدة، بخصوص الانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية، وبعد تحوير دول أوروبية تشريعاتها لاستثناء الجرائم الصهيونية من التبعات القضائية لديها.

تصنّف حركة حماس المقاومة المدافعة عن الأرض والدم والحق، زوراً وظلماً، أنها إرهابية، والمحتل يُدَعَّم وتُقْلَبُ المواقع، فيصبح في موقع "الدفاع عن النفس"، ويساوى في أبشع حكم بين الضحية والجلاد، وحتى المنظمات الحقوقية الدولية، الواقعة، في أغلبها، تحت هيمنة شركاء "إسرائيل"، لا تتحرك بالقوة والفاعلية المطلوبة، ووصل الحد إلى أذناب أميركا وفرنسا، من العرب المتصهينين. ومن هنا، بدأت كارثة أخرى.

BDD9CC42-D4D7-458B-BAF4-3A664E21B438
BDD9CC42-D4D7-458B-BAF4-3A664E21B438
شكري بن عيسى (تونس)
شكري بن عيسى (تونس)