نغوجي وا ثِيُنْغو: أي فريق تختار أيها الكاتب؟

05 اغسطس 2019
(نغوجي وا ثِيُنْغو)
+ الخط -

يضمّ عمل الكاتب الكيني نغوجي وا ثِيُنْغو (1938) "الكتّاب في السياسة: إعادة إشراك قضايا الأدب والمجتمع" مجموعة من المقالات التي كتبها بين عامي 1970 و1980 وتعكس بعض القضايا التي شغلته في سبعينيات القرن الماضي، والتي يمكن تلخيصها في سؤال واحد: ما علاقة الأدب بالحياة؟ سؤال شغل وا ثِيُنْغو وقاده إلى حقول شتى من الثقافة إلى التعليم واللغة والأدب والسياسة.

وخلال ذلك نتعرّف على بعض من يوميات الكاتب في نقاشاته في جامعة نيروبي التي كان يعمل بها، أو انغماسه في الحياة الثقافية وعلاقته بالعمال والفلاحين في ليمورو. بالنسبة إلى وا ثِيُنْغو حمل عقد السبعينيات تغيرات كبيرة في بلاده، وحين مرّ منها كان قد اتخذ قراره بأن يتحوّل من أستاذ إلى تلميذ لدى الفلاحين والعمال. وكانت النتيجة هجرة فكرية قام بها وا ثِيُنْغو من كلية الأدب ومن الثقافة الأفروسكسونية معيداً التواصل مع جذوره الوطنية والتقاليد المحلية، ومعيداً أيضاً قراءة الأدب الوطني والثقافة الشعبية المتجذرة في كينيا.

بترجمة عهود المخيني، صدر مؤخراً هذا الكتاب بالعربية عن داري "الروافد الثقافية" و"ابن النديم". يصدّر الكاتب عمله بإهداء إلى الشاعر الكوري كيم شي ها، أحد أبرز شعراء كوريا الجنوبية، والذي سُجن لمدة 39 عاماً نتيجة لأفكاره السياسية وقصائده التي كانت تستفز النظام. كما يهدي العمل أيضاً إلى كل كتّاب كينيا وإلى أي مكان آخر رفض أهله الخوف والصمت اللذين تفرضهما ما يُسميه "الثقافة الكولونيالية الجديدة".

يلفت الكاتب إلى أن ذاك التغيير الذي حدث في السبعينيات، انعكس بشكل كبير على كتاباته، وكان قد بدأ تلك الفترة في كتابة روايته "أزهار الدم" بالإنكليزية كما أنجز ثلاثية مسرحية بعنوان "محاكمة ديدان كيماتهي" المستلهمة من سيرة الثائر النيروبي الذي سجنته القوات الكولونيالية البريطانية في كينيا في الخمسينيات وأعدم سنة 1957.

وفي ذلك العقد، عاش الكاتب نفسه تجربة الاعتقال والسجن. بعض المقالات التي يتضمنها الكتاب كانت موجهة لأساتذة الأدب في المؤسسات الأكاديمية في نيروبي سنة 1973 والتي كانت تتناول تدريس الأدب في المدارس، وبعض المقالات تتناول المسرح ولغته في كينيا، والمعركة الأيديولوجية بين مناصري الإمبريالية الثقافية ومن يناصرون الثقافة الوطنية الكينية والتي كانت تؤثر بشكل مباشر على العمل المسرحي.

شهدت الفترة نفسها اغتيال السياسي الاشتراكي الكيني جي. إم. كاريوكي. وشهدت اعتقال مئات العمال والكتّاب والطلاب والمثقفين الوطنيين، وكان القلق كبيراً من صعود اليمين السياسي في كينيا. وحين كتب وا ثِيُنْغو هذه المقالات كان يأمل من خلالها مواصلة الصراع من أجل ثقافة وطنية تعكس اهتمامات كينيا وتقف في وجه المصالح الإمبريالية وانعكاساتها على الثقافة التي تتبنى الخطاب الغربي.

يشير صاحب "النهر الفاصل" إلى أنه لا ينبغي النظر إلى الصراع في كينيا بمعزل عمّا يحدث في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية بل وفي العالم بأكمله. فصراع الشعب الكيني ضد الهيمنة الغربية في الاقتصاد والسياسة والثقافة هو جزء مكمل وكفاح مماثل لما تعيشه بلدان العالم الثالث في كل مكان، لذلك نجد الكاتب يتناول في مقالاته كوريا الجنوبية وأميركا اللاتينية كي يُظهر ذلك الرابط الذي يجمع بين صراعات هذه الشعوب المختلفة.

يقول وا ثِيُنْغو إنه أطلق على عمله عنوان "الكتّاب في السياسة" لأن الأدب لا يستطيع الهروب من الأيديولوجية والطبقية والسياسات الاقتصادية التي تصوغ الحياة اليومية. بالنسبة له فإن الكاتب ليس لديه خيار في أن يكون متورطاً في السياسة سواء أكان مدركاً لذلك أم لا. لكن ما يمكن للكاتب أن يختاره حقاً هو إلى أي جانب من المعركة ينتمي، هل هو في صف الشعوب أم أنه في صف من يحكمون الشعوب. وما لا يمكن للكاتب أن يقوم به وفقاً لـ وا ثِيُنْغو هو أن يكون محايداً. كل كاتب هو كاتب في السياسة. والسؤال الذي يطرح في هذه المقالات يتوجه إلى أي سياسة ينتمي الكاتب وسياسة من؟

يأتي كتاب وا ثِيُنْغو في ثلاثة أجزاء، في الأول يتناول الأدب والتعليم والصراع من أجل ثقافة وطنية ويضمنه عدة مقالات: "الأدب والمجتمع"، "الأدب في المدارس"، "الثقافة الكينية: الصراع الوطني من أجل البقاء"، كما يتضمن مقالات تحت عناوين: "أصفاد من أجل مسرحية"، "العودة إلى الجذور"، "حاشية: عن الحاضر".

أما الجزء الثاني فيتناول الكتّاب في السياسة وفيه مقالات عن جي. إم. كاريوكي ومقال بعنوان "يولد من جديد: ماو ماو بدون أغلال" ومقال آخر بعنوان "تويجات الحب". أما بالنسبة إلى الجزء الأخير الذي يعنونه بـ"ضد الاضطهاد السياسي"، فنقرأ فيه مقالات عن الاضطهاد في كوريا الجنوبية وصراع الشعب الكوري الذي يعتبره صراع كل الشعوب المضطهدة ومقالاً بعنوان "السارق والمسروق" يتناول فيه تجارب من الأدب الأفروأميركي.

في تجربة ترجمة كتاب وا ثِيُنْغو التفاتة إلى حقول لطالما تجاهلتها دور النشر العربية بوصفها كتابات ينتجها الهامش، إذ تنشغل دور النشر والمؤسسات العربية بالعموم في تقديم الفكر الغربي منحازة إلى الهيمنة الثقافية الغربية التي يصارعها وا ثِيُنْغو منذ بداياته، ومن جهة أخرى، فإن النقاشات التي يطرحها، وعلى الرغم من كونها تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، إلا أنها تبدو راهنة تماماً، خصوصاً في العالم العربي، حيث أن سؤال التحرر الثقافي من الكولونيالية بقي غير محسوم، ولعلّ البلاد العربية تمثّل فضاء لهذا الصراع حيث تقاوم العربية اللغات الأجنبية في قطاعات عدة وتراوح الكتابات بين بحث عن الأصالة وبحث عن تقليد نماذج غربية.

يُذكر أن الكتاب صدر أول مرة عام 1981 وفي عام 1997 أعاد مؤلفه طباعته مضمّناً إياه مقالات أخرى كتبها ضمن حملة للدفاع عن ناشطين نيجيريين من بينهم كين سارو وياو.

دلالات
المساهمون