نظرة إلى منهجية النقاش بين المؤمن والملحد

12 ابريل 2018
+ الخط -
يحتدم الصراع بين الإيمان والإلحاد، خاصة في السنوات القليلة الماضية، وقد تم نقل الصراع إلى ساحات العلم والفكر، ما سلط الضوء أكثر على هذه المسألة كأنها صراع الحق والباطل، وقد كنت في الآونة الأخيرة من المتابعين الشغوفين للمناظرات العلمية أو السياسية وغيرها التي تأخذ أحياناً في أطرافها شخصيات عدة تمثل أو تعبّر عن جانب الإلحاد، وفي الطرف المقابل بعض الشخصيات التي تعبر عن تيار الإيمان، وقد لفتني في تلك المناظرات ذكاء الملحد وسرعة بديهته وقوة شخصيته في بعض الأحيان وقدرته المذهلة على التعبير عن آرائه بوضوح ومنطقية وقرب إلى الأذهان.

بينما المؤمن يعكس في كثير من الأحيان في هذه المناظرة شخصية ضعيفة مترددة غير واضحة في أفكارها وتوجهاتها أو هجومية عدائية منفرة وغير قادرة على التعبير السليم والمنطقي عن أفكارها.


ولا أقول هنا دائماً، بل أؤكد أن هذا السيناريو يتكرر، ولكنه ليس القاعدة العامة، ما جعلني وغيري من المتابعين نطرح السؤال الآتي: هل الملحد أذكى من المؤمن؟

إذا أردنا الإجابة عن هذا السؤال بطريقة منطقية فستكون الإجابة: لا، وذلك لأن المؤمنين من مسيحيين ومسلمين ويهود وبوذيين وغيرهم من أتباع الديانات السماوية وغير السماوية المختلفة يشكلون النسبة الكبرى في هذا العالم، بينما يمثل الملحدون ما نسبته 11% فقط من سكان العالم، لذا فإن المقارنة من هذا المنظور النسبي تعني أن النسبة الكبرى قد تحتوي على عدد أكبر من الأذكياء، فمن شبه المستحيل أن يكون أغلبية أذكياء البشر من ضمن هذه الفئة القليلة.

ولكن إذا أردنا أن نقارن من ناحية الإسهام العلمي والفكري والأدبي والفلسفي وغيرها من الجوانب التي يحسب لها حساب كبير في تاريخ الحضارة الإنسانية، فسوف نجد أن للملحدين نصيباً كبيراً، وقد يكون في السنوات القليلة الماضية النصيب الأكبر، فلو نظرنا إلى قائمة بأشهر العلماء الذين أثروا في الحركة الحضارية سوف نكتشف أنهم ملحدون، ومنهم علماء وفلاسفة تخطت شهرتهم الآفاق وتكررت أسماؤهم على كل لسان تقريباً مثل: ديموقريطس، أبيقور، إيفان بافلوف، سيغموند فرويد، كارل ساجان، نيل ديجريس تايسون، ستيفن هوكينج، وغيرهم من القدماء والمعاصرين.

أما في الطرف الآخر فسوف نجد أيضاً علماء وفلاسفة ومفكرين ومبدعين ولكنهم لا يشكلون نسبة كبيرة من النسبة الهائلة التي يأتون منها، والتي تمثل غالبية سكان الأرض أي نحو 89% من المؤمنين في العالم.

أما عن المجال الآخر للمقارنة والأقرب إلى عقلي فهو طبيعة المؤمن وطبيعة الملحد، فالمؤمن ينشأ ويتربّى ويكبر في ظل بيئة تعزز فيه الإيمان المطلق والتبعية والتصديق من دون تساؤل أو تشكيك أو نقد أو تفكير مستقل، وينشأ أيضاً وفي نفسه خوف من التجرؤ على السؤال لأنه يرى كيف يعامل أهله ومجتمعه من يخرج عن رأي الجماعة، ويبدأ بطرح الأسئلة التي تتعلق بالدين والله والكون والخلق وغيرها من الأفكار التي تعد محرمة في كثير من المجتمعات الدينية.

وأود التأكيد هنا على كلمة المجتمع الديني، لأن الأديان الحقيقية، سواء سماوية أو غير سماوية، برأيي هي التي تشجع على التفكير والتأمل والتدبر والوصول إلى الله من خلال العقل لا النقل، بينما للأسف انحرفت المجتمعات الدينية عن هذا الاتجاه الأصيل الذي يتماهى مع روح الإنسان وشغفه بالمعرفة، وربطت، بل غطّت الأديان برداء من الأعراف والتقاليد المجتمعية، ثم ادعت أن هذا هو الدين، ونظراً إلى التربية الأولى التي ترفض المساءلة والتشكيك فقد تنامت معدلات الجهل الديني وأصبح الناس يتبعون أدياناً وآلهة مبتدعة ويتخلون عن أغلى ما منحهم الله من نعم وهي نعمة العقل.

أما عن الملحد فهو برأيي يمثل الإنسان السوي بفطرته الأولى الذي يسعى للوصول إلى الحقيقة والمعرفة من خلال التدبر والتفكر واستخدام عقله، بدلاً من الجلوس والتكاسل والاعتماد على ما يلقنه المجتمع أو الأهل له.

ولو أتيحت له الفرصة كاملة لكي يفكر من دون قيود أو ضوابط، ومن دون خوف وتهديد، لوصل من دون مساعدة من أحد إلى الحقيقة الكبرى، وهي أن الله هو خالق ومدبر هذا الكون وما فيه، بالإضافة إلى وصوله حتماً وجملة وتفصيلاً إلى كثير من المعارف والعلوم التي سوف يستخدمها للنهوض بالبشرية ومساعدة أخيه الإنسان، وخير مثال على هذا ما حدث مع الدكتور والمفكر مصطفى محمود في رحلته من الشك والإلحاد إلى الإيمان المطلق المبني على البحث والتجريب والتفكير.
BD819782-9C47-4D0F-9BFC-A9D49732765A
نجوى أبو خاطر

حاصلة على شهادة البكالوريوس في الدراسات الإنكليزية وأعمل حاليا في مجال الترجمة. بدأت حياتي المهنية كناشطة شبابية ومتطوعة في مؤسسات ثقافية واجتماعية ثم عملت في مجال حقوق المرأة مع استمراريتي في مجال التطوع خاصة فيما يتعلق بدور الشباب في المجتمع.