نظام الكفالة في دول الخليج .. التعديلات والضغوط
ظهر نظام الكفالة في دول الخليج العربي مع بدايات ظهور النفط، وهو يضع المكفول تحت مسؤولية الكفيل، ووجد لتأمين استقدام العمالة الوافدة من الخارج. وبموجبه، تقيد حرية تنقل المكفول خارج البلد، وحريته في العمل لدى أي جهة أخرى، إلا بموافقة الكفيل، ما يثير انتقادات المنظمات الحقوقية. ففي وقت يرى فيه بعضهم أن النظام جيد لبيئة الأعمال وللحفاظ على حقوق أصحاب الأعمال، وكذلك للحفاظ على حقوق العمال أنفسهم، يرى آخرون فيه تجارة وتحكما في البشر، فنظام الكفالة يتيح للكفيل التحكم في حياة من يكفلهم، فيقرر أجورهم وأماكن عملهم وساعات العمل ومحلات السكن. ويستطيع أيضاً إبعاد أيٍ منهم عن البلاد من دون إبداء الأسباب. كما يستطيع الكفيل منع المكفول من السفر بحجز جواز سفره، وإنهاء عقد العمل ومنع العامل من البحث عن عمل آخر، ما يدفع عمالاً إلى الهروب من كافليهم، والالتحاق بما تعرف بالعمالة السائبة التي لا كفلاء لها، والتي تشكل بيئة خصبة للجريمة.
ووفق إحصاءات رسمية، يعمل في دول الخليج حاليا حوالي 17 مليون عامل أجنبي، من المتوقع أن يرتفع عددهم إلى ثلاثين مليونا عام 2018، خصوصاً مع التوسع في مشاريع البنية التحتية كثيفة العمالة.
وتزداد مخاوف مواطني دول الخليج من تزايد أعداد العمالة الأجنبية في بلادهم، وتأثيرها على التركيبة السكانية والعادات الاجتماعية. وكان تقرير دولي قد حذر من استفحال ظاهرة العمالة الأجنبية في دول مجلس التعاون الخليجي عامة. ووفقاً لتقرير أعدته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لدول غرب آسيا (الآسكوا) فإن سوق العمل في دول مجلس التعاون يعاني من مشكلة الاعتماد على العمالة الأجنبية الذي أدى إلى ارتفاع نسبة الأجانب إلى المواطنين. حيث بلغت نسبة الأجانب في دولة الكويت 67%، وفي الإمارات 76%، وفي قطر 74%، والبحرين 40%، والمملكة العربية السعودية 25%، وعُمان 23%.
واعتبرت اللجنة هذه النسبة مؤشراً خطراً، وخصوصاً في الإمارات، حيث بلغ التغير الديموغرافي حداً بات يمثل خطراً سياسياً، مشيرة إلى أن بعض الدول المصدرة للعمالة في الهند وشرق آسيا بدأت المطالبة بالحقوق السياسية، إلى جانب الحقوق النقابية والمهنية، لعمالتها.
وحذر التقرير أيضاً من أن تزايد تلك العمالة بات يؤثر سلباً على كل الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، إضافةً إلى ما تفقده تلك الدول من تحويلات، ما يشكل عبئاً على ميزان المدفوعات.
تخفيف القيود وبقاء "الكفالة"
لجأت دول مجلس التعاون الخليجي لمواجهة الضغوط التي تتعرض إليها من المنظمات الحقوقية الدولية إلى الإعلان عن نيتها إلغاء نظام الكفالة وإصلاح أنظمة العمل فيها، ففي منتصف شهر مايو/أيار من العام 2014، أعلنت وزارتا الداخلية والعمل في قطر، في مؤتمر صحافي، نية الحكومة اقتراح إدخال تعديلات على القوانين المتعلقة بشروط عمل العمال الوافدين، من أبرزها إلغاء نظام الكفالة واستبداله بعقد عمل، وإلغاء حق الكفيل في حجز جواز سفر العامل، والتخفيف من اشتراط موافقة الكفيل على سفر العامل. ووضع نظام يشدد على الشركات ضرورة وضع أجور العمال الوافدين في حساباتهم في البنوك.
وقدمت الحكومة القطرية، في شهر يونيو/حزيران الماضي، مشروع قانون، بديل عن قانون الكفالة، أسمته "نظام دخول وخروج الوافدين وإقاماتهم" إلى مجلس الشورى لمناقشته، بعد أن أجرت تعديلات على قانون العمل. وأقر مجلس الشورى القطري مطلع شهر يوليو/تموز الجاري مشروع القانون، وقرر رفع توصياته بشأنه إلى مجلس الوزراء، تمهيداً لاعتماد القانون وإصداره بمرسوم أميري.
وقد أصر المجلس على التوصيات التي أدخلها المجلس على نص القانون الأصلي، في جلسة له، وهي تعديلات غير ملزمة، حيث أوصى بزيادة المدة التي تسمح للعامل الوافد بالانتقال إلى عمل آخر إلى فترتين مماثلتين لمدة عقد العمل، في حال كان العقد محدد المدة، أو بعد مضي عشر سنوات على عمله مع صاحب العمل الأول، إذا كان العقد غير محدد المدة، وبعد موافقة الجهة المختصة ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية، في حين أن المادة في القانون نصت على مدة خمس سنوات فقط، لانتقال الموظف الوافد إلى عمل آخر.
كما أوصى المجلس بتعديل المادتين الخاصتين بخروج الوافدين ودخولهم إلى قطر، حيث اشترط مشروع القانون على الوافد للعمل، أو المستقدم، إبلاغ الجهة المختصة عن كل واقعة خروج من الدولة، قبل موعدها بثلاثة أيام عمل على الأقل. وأضيف إلى نص المادة "وعلى الوافد للعمل إخطار مستقدمه قبل إبلاغ الجهة المختصة بواقعة خروجه من الدولة المشار إليها في الفقرة السابقة. واستثناء من ذلك، يجوز للوافد للعمل، الخروج من الدولة فور إخطار المستقدم الجهة المختصة بذلك. وعلى اللجنة، في حالة حدوث ظرف طارئ للوافد للعمل، وبناء على الطلب الذي يقدمه لذلك أن تبت في طلب الخروج فور تقديمه. ويكون إبلاغ الوافد للجهات المختصة عن نيته السفر بديلا عما يعرف بـ "إذن الخروج" الذي كان يمنحه المستقدم "الكفيل"، للموظف الوافد. وأجازت تعديلات القانون لجوء الوافد إلى لجنة تظلمات خاصة بالوافدين، يصدر قرار بتشكيلها من وزير الداخلية للنظر، في حال جرى رفض طلبه بالسفر. ووفق نص المادة 50 من قانون دخول وخروج الأجانب، لن يدخل القانون الجديد حيز التنفيذ إلا بعد مضي سنة من إقراره بمرسوم أميري، ونشره في الجريدة الرسمية.
وأوصى مجلس الشورى الحكومة القطرية بالإيعاز إلى الجهة المختصة بحظر منح سمة دخول للعمل للوافد الذي سبق له الإقامة في الدولة للعمل، وأبعد منها لرفضه الاستمرار في العمل مع مستقدمه، إلا بعد مرور سنتين من تاريخ المغادرة، ويجوز للجهة المختصة استثناء بعض الحالات من تلك المدة، بناء على موافقة كتابية من المستقدم السابق، وعدم جواز انتقال الوافد للعمل أكثر من مرتين، للعمل لدى أصحاب عمل آخرين بخلاف من استقدمه لأول مرة.
خطوات خليجية
وكانت مملكة البحرين قد أعلنت، في شهر مايو/أيار 2009، إلغاء نظام الكفيل للعمالة الوافدة، ما سيسمح للعامل الأجنبي بالتنقل في سوق العمل، من دون أخذ موافقة الكفيل. وبموجب هذا القرار، فإن جلب العمال الأجانب بدأ يتم وفق تراخيص عمل مدة سنتين، وليس كفالة، كما أصبح في وسع العامل الانتقال، خلال هذه الفترة، إلى عمل آخر، لكن، ضمن ضوابط. ومن الاشتراطات التزام صاحب العمل الجديد الذي يود العامل الانتقال إليه، بنسبة البحرنة المقررة، وألا يكون قد صدر حكم قضائي نهائي بحق العامل، أو أن يكون قد خالف أحد بنود عقد العمل بينه وبين رب العمل.
وبدأت الكويت، في العام نفسه، أولى خطوات إلغاء نظام الكفيل، بقرارها إلغاء موافقة الكفيل على تحويل إقامة العامل إلى كفيل آخر، من دون إذن الكفيل الأول، بعد قضاء العامل فترة لا تقل عن ثلاث سنوات لدى الكفيل الذي يعمل لديه. وأعلنت دولة الإمارات، في نهاية عام 2010، عن بدء إلغاء "نظام نقل الكفالة" الذي كان يحظر على العامل في القطاع الخاص الانتقال من شركة إلى أخرى، من دون الحصول على موافقة صاحب العمل الأصلي. حيث سيتمكن العامل الأجنبي الذي ينتهي عقده أن يغيّر صاحب عمله، من دون انتظار المهلة القانونية ستة أشهر، بشرط أن يعمل الطرفان المتعاقدان على فسخ العقد بينهما "ودياً"، وأن يكون العامل قد عمل لدى صاحب عمله سنتين على الأقل. وفي حال عدم فسخ العقد ودياً، يمكن للعامل الانتقال إلى عمل جديد، إذا تخلّف صاحب العمل عن واجباته التعاقدية والقانونية، أو إذا ثبت أن العامل ليس مسؤولاً عن فسخ العقد.
وتسعى السعودية، مع نهاية العام الجاري 2015، إلى إجراء تعديل جوهري في الكفالة، كإلغاء حجز الوثائق وجوازات السفر لدى الكفيل وحرية التنقل داخل المملكة، من دون تقييد من الكفيل السعودي للعامل الوافد إلى أراضيها. كما ستشمل التعديلات إلغاء موافقة الكفيل على استقدام العامل أسرته، أو طلب التصريح له بالحج أو الزواج أو زيارة أحد أقاربه في منطقة أخرى داخل السعودية، وإلغاء أي مسؤولية شخصية للكفيل عن تصرفات العامل الوافد خارج إطار العمل. وكانت دراسة للجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في السعودية قد دعت، في دراسة لها عام 2008، السلطات السعودية إلى "إلغاء أحكام الكفالة وتصحيح العلاقة بين العمل والعامل الوافد"، واعتبرت أن إبقاء نظام الكفالة، أو الدفاع عنها، يتضمن بعض الصور التي تخالف قواعد الشريعة الإسلامية التي هي دستور للبلاد، وأنها تضع السعودية في الموضع المخالف لالتزاماتها الدولية التي تضمنتها الاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها، وهو ما يلزمها قانونياً بالتخلي عن الكفالة بشكلها الراهن.
ولم تعلن سلطنة عمان عن التوجه إلى إلغاء قانون الكفالة، أو اجراء تعديلات عليه، لكن وزارة القوى العاملة قالت إنها تدرس، مع الجهات المعنية، تحديد فترة زمنية أمام منشآت القطاع الخاص والعاملين، لتصحيح أوضاعهم، ومنها السماح بتنقل القوى العاملة الوافدة من منشأة إلى أخرى، وذلك في إطار الجهود التي تبذلها الوزارة لتنظيم سوق العمل. وقالت إنها لا تسعى إلى منع انتقال العمالة، وأن المنع يقتصر على القوى العاملة الوافدة التي تستقدم للعمل لدى صاحب عمل، ثم تغادر البلاد قبل انتهاء العامين، قصد العودة إلى العمل لدى صاحب عمل آخر، وذلك حسب التعميم الصادر عن شرطة عمان السلطانية، والذي نص بعدم عودته للعمل في السلطنة، إلا بعد مضي سنتين. ومن جانب آخر، للعمال المخالفين لقانون العمل والمسرّحين، فلا يسمح لهم بالعودة مرة أخرى.
وفي الوقت الذي تستمر فيه منظمات حقوق الإنسان الدولية في الضغط على دول مجلس التعاون الخليجي لإلغاء نظام الكفالة، ووضع قوانين جديدة للعمل والتأشيرات بين رب العمل والعمالة الأجنبية، ضمن إطار قانوني منظم، يضمن حق العامل في تغيير العمل والحد الأدنى للراتب، وعدم حجز جواز سفره لدى صاحب العمل، يرى بعضهم أن إلغاء نظام الكفالة سيصب، في النهاية، لصالح دول الخليج، وسيؤدي إلى رفع إنتاجية العمالة الأجنبية الماهرة، بعد تحسين شروط عملها، الأمر الذي سيؤدي، تلقائياً، إلى زيادة الدخل القومي، وإلى القضاء على تجارة التأشيرات، وتخفيض كبير في حجم العمالة الأجنبية غير الماهرة المستقدمة، وإلى القضاء على المشكلات الأمنية الناجمة عن هروبها، ويحقق التوازن في التركيبة السكانية بين المواطنين والأجانب، ويشجع الشباب الخليجي، في الوقت نفسه، على دخول سوق العمل.