ببساطة، وبسهولة، أُوقف برنامج "الراقصة" الذي كان من الفترض أن يعرض على قناة "القاهرة والناس".
كان ذلك الأسبوع الماضي، انشغل المصريون بالحديث عن البرنامج، والتكهّن بمستقبله: هل أوقف نهائياً؟ أم أن ما قالته مقدّمة البرنامج، الراقصة الشهيرة دينا، صحيح عن إرجاء موعد عرض البرنامج إلى فترة محددة، حداداً على أرواح شهداء الشرطة الذين سقطوا في سيناء.
لن نتطرّق إلى تقييم فنيّ أو ثقافي للبرنامج، فهذا يترك إلى وقت عرضه. كذلك فإن الدفاع عن حق البرنامج بالعرض والاعتراض على رضوخ الرقابة لضعط رجال الدين، الذي رأوا في البرنامج مادة غير صالحة للعرض، هو قبل كل شيء دفاع عن حرية الإعلام، ورفض لسطوة رجال الدين أو أي طرف آخر، على سيرورة الحياة الإعلامية.
لكنّ بعيداً عن حرية التعبير تكاد البلبلة التي أثيرت حول البرنامج تصبح جزءاً من يوميات المصريين. بالونات إعلامية تنفجر في وجه المصريين يومياً، تقريباً، وتشغلهم. وتجنّد الدولة كل أجهزتها وأبواقها، وتجعل من تفاصيل كهذه جزءاً أساسياً من حياتهم.
تارة برنامج "الراقصة"، وتارة أخرى ملاحقة الدولة لمثليين جنسيين وسجنهم، وسط تجييش وتحريض ضد هؤلاء "لأنهم يمارسون الرذيلة"... وبين هذه الأخبار تمرّ مواضيع أخرى بسلاسة: يدافع إعلاميون عن انقطاع الكهرباء، ويطالبون المواطنين "بالصبر". يُهدّد آلاف المصريين من قريتيّ، الأبطال، والقنطرة، بالتهجير نتيجة عمليات حفر قناة السويس الجديدة، ولا يعرف المصريون عن الموضوع إلا من خلال تحقيقات في الصحف الأجنبية (الغارديان البريطانية مثلاً).
كل ما يجري في مصر، في الإعلام تحديداً، من تعتيم على مواضيع، وتظهير أخرى، هو تحديداً ما كان يجري في مصر خلال كل العهود السابقة... إشغال الرأي العام بكل السخافات الممكنة، وتغيير أولوياتها. وتجنيد الإعلام لهذه المهمة يغرق مصر أكثر وأكثر في الظلام، وهذه المرة لا نتحدّث عن ظلام انقطاع الكهرباء!