نظام الأسد ينتقم من السوريين... من دوما إلى حمص فإدلب

15 ابريل 2018
استهدف مؤيّدو النظام قافلة لمهجري دوما (بهاء الحلبي/ الأناضول)
+ الخط -
أكدت الضربات الغربية لقواعد ومنشآت النظام السوري، فجر أمس السبت، عجز هذا النظام أمام أي ضربة خارجية، وقدرته المحصورة في استهداف المدنيين السوريين، إذ يلجأ النظام عادة إلى الفتك بهؤلاء المدنيين عقب كل اعتداء أميركي أو إسرائيلي على قواعده ومنشآته العسكرية في كل أرجاء البلاد.

ولم يجرؤ النظام على الرد على الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على مواقعه، ليؤكد أن دوره محصور في قتل ومحاصرة النساء والأطفال. وكما كان متوقعاً، فقد وجّه النظام، أمس السبت، طيرانه لقصف المدنيين السوريين، بعد التعرض لـ"عدوان" كما أطلق عليه رئيس النظام، بشار الأسد، تمثل بأكثر من 100 صاروخ، على منشآت ذات علاقة بالأسلحة الكيميائية. وبعد الضربات مباشرة قصفت قوات النظام مدن وبلدات ريف حمص الشمالي، كما استهدف مؤيدو النظام قافلة لمهجري دوما كانت في طريقها إلى الشمال السوري، ما أدى إلى مقتل طفل في القافلة. وبعد أن كانت القافلة، التي تتألف من نحو 90 حافلة، وتحمل نحو أربعة آلاف شخصٍ بين مدنيين وعناصر من "جيش الإسلام"، قد غادرت مدينة دوما، تعرضت في أثناء مرورها قرب قرية المختارية بريف حمص، لإطلاق نار من قبل مسلحين موالين للنظام، ما أدى إلى مقتل الطفل ياسر الصمود (9 سنوات) وإصابة مدنيين كانوا في الحافلات. ويأتي هذا الاستهداف، على الرغم من الضمانات والتعهدات الروسية بحماية قوافل المهجرين، وفق الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين روسيا واللجنة المدنية الممثلة لأهالي دوما، قبل أسبوع.

ويلجأ النظام إلى تفريغ شحن غضبه وعجزه على المدنيين، ومن المتوقع أن تزداد وتيرة القصف الجوي على المناطق التي لا تزال خارج سيطرته. وقصف الطيران الحربي التابع للنظام بالصواريخ أطراف بلدة الهبيط بريف إدلب الجنوبي، بعد ساعات من الضربة الغربية. وحاول النظام الإيحاء لمواليه بأن الضربات لم تؤثر في قدراته العسكرية، إذ زعمت "القيادة العامة" في قوات النظام، في بيان، بعد الضربات الغربية، أن "الدفاعات الجوية تصدت بكفاءة عالية لصواريخ العدوان وأسقطت معظمها"، مدعية أن الضربات لم تؤد إلى وقوع قتلى بين قوات النظام، على الرغم من أنها استهدفت مواقع يُعتقد أنها تضم مئات العناصر التابعة لهذه القوات. وبعد الضربة الأميركية البريطانية الفرنسية بساعات قليلة، احتفل النظام ومؤيدوه بدخول عناصر من شرطته إلى مدينة دوما في غوطة دمشق الشرقية، عقب خروج مقاتلي المعارضة السورية منها، وذلك في انتهاك للاتفاق الذي كان ينص على دخول عناصر من الشرطة العسكرية الروسية إلى دوما، تزامناً مع خروج حافلات التهجير. وقامت وسائل إعلام النظام بمواكبة هذا الحدث، في محاولة واضحة لصرف أنظار أنصاره عن أصداء الضربة الغربية التي أكدت حقيقة أن النظام حوّل البلاد إلى ميدان صراع إقليمي ودولي هو بات خارجه تماماً.

ومن المتوقع أن يلجأ النظام إلى التصعيد في جنوب العاصمة دمشق، خلال الأيام القليلة المقبلة، إذ لا يزال تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة" يحتفظان بجيوب فيه، خصوصاً في حيي الحجر الأسود ومخيم اليرموك، في محاولة باتت مفضوحة لإظهار أنه يحارب الإرهاب. ويبدو أن ريف حمص الشمالي هو جهة أخرى للتصعيد من قبل النظام، في محاولة لإخضاع مدنه وبلداته، وفي مقدمتها مدينة الرستن، ذات الكثافة السكانية العالية، إذ يهدف النظام إلى تهجير أغلبها إلى الشمال السوري، مكرراً نفس السيناريو الذي طبقه في العديد من المناطق السورية، في الوقت الذي لا يمكنه فيه التصدي لاعتداءات خارجية، محاولاً تصدير صورة للرأي العام العربي، من خلال ترديد عبارة "العدوان الثلاثي" على سورية، في إشارة إلى العدوان الذي تعرضت له مصر في عام 1956 من قبل فرنسا  وبريطانيا وإسرائيل.



ولم يتأخر الرد الإيراني على الضربات الغربية لمواقع عسكرية تابعة للنظام، إذ قال المرشد الإيراني، علي خامنئي، إن الهجوم الذي شنّته الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا على سورية "جريمة، ولن يحقق أي مكاسب". وقال خامنئي، في كلمة نقلها التلفزيون الإيراني، "لن يحقق حلفاء أميركا أي إنجازات من وراء الجرائم في سورية"، واصفاً الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، والرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ورئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، بـ"المجرمين". كذلك اتصل الرئيس الإيراني، حسن روحاني، ببشار الأسد، عقب الضربة الغربية. وذكرت وكالة "سانا" التابعة للنظام أن الأسد قال إن ما سمّاه بـ "العدوان" الغربي على قواعد عسكرية تابعة لقواته "جاء نتيجة لمعرفة القوى الغربية الاستعمارية الداعمة للإرهاب أنها فقدت السيطرة".

وكان مسؤولون إيرانيون قد أعلنوا، في غمرة التصعيد الغربي، أن محافظة إدلب هدف إيران المقبل، ما يؤكد نية المسؤولين الإيرانيين التصعيد في محاولة لخلط أوراق الصراع، في ظل سعي غربي إلى طرد الإيرانيين من سورية. ونقلت وكالة "فارس" الإيرانية، أمس السبت، عن المستشار السياسي لقائد الحرس الثوري الإيراني، يد الله جواني، قوله إنّ "الخيارات أمام محور المقاومة للرد على أميركا وحلفائها باتت مفتوحة أكثر من السابق، عقب اتخاذ خطوة الضربات الجوية"، مضيفاً أنّ "ما حصل عدوان واضح ينتهك السيادة السورية". وكان مستشار المرشد الإيراني، علي أكبر ولايتي، قد أعرب خلال زيارته دمشق أخيراً، عن "أمله في تحرير إدلب" قريباً. وقال ولايتي إن "إدلب مدينة سورية مهمة ونحن نأمل أن تتحرر في القريب العاجل بهمة سورية ومناضليها. وكذلك شرق الفرات منطقة مهمة للغاية ويحدونا الأمل أن يتم اتخاذ خطوات شاسعة ومهمة في ما بعد، في سبيل تحرير هذه المنطقة وطرد الأميركيين المحتلين من هذه المنطقة".

ويعتقد مراقبون أن الأهم من الضربة العسكرية هو المرحلة التي تأتي بعدها، إذ تغيرت قواعد اللعبة في سورية بعد سبع سنوات من الصراع، وبات من الصعوبة تأهيل النظام السوري الذي يبدو أن مهامه على وشك الانتهاء، من بعد طي صفحة ملف غوطة دمشق الشرقية. وشرعت الضربات الغربية الباب أمام تفاهمات روسية أميركية حول الملف السوري، إذ يطمح الروس إلى عقد "صفقة كاملة" مع الأميركيين، مقابل التخلي عن بشار الأسد الذي بات وجوده شكلياً، وذلك بعد أن باتت موسكو تتحكم في القرار السوري برمته. إلى ذلك، وصف رئيس المكتب السياسي في فصيل "جيش الإسلام" التابع للمعارضة السورية، محمد علوش، الضربات الغربية للنظام بأنها "مهزلة"، قائلاً، في تغريدة، إن "معاقبة أداة الجريمة وبقاء المجرم مهزلة". وقال الناطق باسم هيئة المفاوضات التابعة للمعارضة السورية، يحيى العريضي، إن الضربات الغربية "استهدفت آلة القتل التابعة للنظام"، مضيفاً، في حديث مع "العربي الجديد"، "هي ضربات محدودة، ولكنها هادفة". وأشار العريضي إلى أن الضربات "لم تستهدف الروس والإيرانيين في سورية"، موضحاً "أظهرت الضربات عدم قدرة الروس والإيرانيين على حماية النظام من القوى الدولية، وإنما حمايته من الشعب السوري فقط، كما أن الضربات أثبتت تهالك الدفاعات الجوية التابعة للنظام".

من جانبه، قال القيادي في الجيش السوري الحر، العقيد فاتح حسون، إنه "من المبكر التحدث عن تأثير هذه الموجة من الضربات على كافة الصعد"، مضيفاً "لكن العمل العسكري يجب أن يتوِجه عمل سياسي. من الواضح أنه شكل آلية ضغط عسكري وسياسي واقتصادي على النظام وداعميه للتوقف عن استهداف المدنيين وارتكاب المجازر وتدمير ما تبقى من سورية"، مشدداً على أن "هذه الآلية ستساعد في الضغط لتقدم العملية السياسية التي تفضي إلى تشكيل هيئة حكم انتقالي لا مكان فيها للمجرم بشار الأسد، وأركان نظامه، وفق بيان جنيف 1". ‏وأشار إلى أن "هذه الموجة من الضربات، مثلما أثرت على النظام وإيران، فهي أثرت كذلك معنوياً على الروس وهيبتهم"، مضيفاً "هذه الضربات ليست كافية عسكرياً، وكانت هناك مساعٍ نجحت في تطويقها، ظهرت من خلال معرفة الروس بها قبل وقوعها".