حصلت "العربي الجديد" على نص تقرير سري لنيابة الثورة، التي شكلها النائب العام المصري السابق، طلعت عبد الله، للتحقيق في وقائع قتل المتظاهرين بعد مسلسل "البراءة للجميع"، الذي برأ الرئيس المصري المخلوع، حسين مبارك، ورجال أمنه، من تهمة قتل المتظاهرين.
التقرير الجديد حمل وقائع صادمة عن استخدام قوات الأمن المصرية لمجموعات قتالية وقناصة في محيط وزارة الداخلية في ميدان لاظوغلي (وسط القاهرة)، وأن هذه القوات اتبعت أساليب ملتوية لمراوغة الثوار، كان من بينها استخدام سيارات الإسعاف لنقل الذخيرة الحية بعد نفاد ذخيرة قوات الأمن، التي باشرت إطلاق الرصاص على المتظاهرين.
وورد ضمن أقوال اللواء، حسين سعيد محمد موسى، الذي كان يشغل موقع مدير إدارة الاتصال في رئاسة الأمن المركزي، أنه في تاريخ 28 يناير/كانون الثاني 2011 وبينما كان موجوداً في غرفة عمليات رئاسة القوات، تناهى إلى سمعه صدور أمر من مساعد الوزير للأمن المركزي الى مدير العمليات بأن يمدّ القوات المرابطة حول وزارة الداخلية بأسلحة آلية وخرطوش وذخيرة، وقد نقلت الأسلحة عن طريق العميد، عماد عطية، بواسطة سيارة إسعاف، واستمر إمداد القوات الموجودة في الوزارة بالذخيرة ليومين، وأن تعليمات مساعد الوزير للأمن المركزي، كانت بالتعامل مع الأشخاص المتظاهرين حول وزارة الداخلية بالسلاح الآلي والخرطوش وهو ما حدث بالفعل.
واحدة من صفحات التقرير
|
وذكر العميد، حاتم فوزي مندور، رئيس مجموعة إنقاذ الرهائن في قطاع الأمن الوطني بأنه يتلقى التعليمات كافة هاتفياً ومشافهة من رئاسة القطاع، ولا يثبت ذلك في دفاتر حركتي السلاح والذخيرة، وأنه في تاريخ 28 يناير/كانون الثاني 2011، تسلّم عدد من الضباط وأفراد الشرطة في القطاع عدداً من البنادق القناصة وبنادق الخرطوش والبنادق الرشاشة وعدداً كبيراً من الذخائر المستخدمة عليها.
ونقل التقرير تناقضات بين شهادات القيادات الأمنية، فاللواء، حبيب العادلي، وزير الداخلية حينذاك، نفى استخدام الشرطة الرصاص ضد المتظاهرين في تفريقهم من الميادين، وخاصة ميدان التحرير، وشدد على أنه سمح فقط باستخدام الخرطوش صوب أقدام المتظاهرين لفض تظاهرات 25 يناير/كانون الثاني 2011، إلا أنه عاد وأكد، أمام لجنة تقصي الحقائق، بأن الضباط المكلفين بتأمين المنشآت، ومن بينها وزارة الداخلية القريبة من ميدان التحرير، كانوا يسلحون بالرصاص الحي، وعزا إطلاق النار، الذي حدث أيام الثورة، إلى ما وصفه "بمحاولات المتظاهرين اقتحام وزارة الداخلية ".
إلا أن العميد، نبيل رفعت رضوان، رئيس قسم التأمين في وزارة الداخلية، أكد أنه لم يحدث أي اقتحام لمبنى الوزارة، ولم يصل إليها المتظاهرون نظراً لأن قوات الأمن المركزي كانت تتولى تأمين الوزارة من مسافة بعيدة، تقدر بمائتي إلى ثلاثمائة متر من محيطها.
وجدد تقرير نيابة الثورة اتهام مبارك، بصفته رئيس الجمهورية وقت ثورة يناير/كانون الثاني، بأنه كان على علم بكل ما يحدث في الميادين، وخاصة وقائع قتل المتظاهرين، فقد شهد اللواء، أحمد عمر أبوالسعود، مدير الإدارة العامة لمتابعة مكتب وزير الداخلية، بأن وزير الداخلية اللواء، حبيب العادلي، أخطر الرئيس، مبارك، بمقتل 3 متظاهرين في محافظة السويس على يد قوات الأمن يوم 25 يناير/كانون الثاني، وكشف عن عقد وزير الداخلية اجتماعاً بمرؤوسيه من كبار قيادات الأمن في تاريخ 27 يناير/كانون الثاني 2011، وخلاله تم التوجيه الى منع وصول المتظاهرين إلى ميدان التحرير وإغلاق المنافذ المؤدية الى القاهرة لمنع المتوافدين من المحافظات.
وأضاف، أبوالسعود، أن ما يتم من اجتماعات وزير الداخلية بمساعديه لا يجري تدوينه في محاضر مكتوبة، وإنما تعتبر تعليمات وأوامر الى قطاعات الأمن، يجب تنفيذها باعتبارها أوامر صادرة عن تلك الاجتماعات، كما أنه كانت تتم موافاة رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء أولا بأول، وأن وزير الداخلية آنذاك، كان يتصل شخصياً برئيس الجمهورية السابق، لإحاطته علماً بما يجري من أحداث.
كما ورد ضمن شهادة محمد أحمد عبد المنعم، الذي كان يعمل مهندساً في غرفة المراقبة المركزية في التليفزيون المصري، أنه تلقى اتصالاً على الهاتف الداخلي من أحد مخرجي قطاع الأخبار ظهر يوم 26 يناير/كانون الثاني 2011 طلب منه خلال المكالمة توصيل خط غرفة عمليات قطاع الأمن في التليفزيون على خط البرلمان المتصل مباشرة برئاسة الجمهورية، وهو ما يعني نقل كل ما تلتقطه كاميرات قطاع الأمن إلى رئاسة الجمهورية عبر الخط سالف الذكر، وقال زميله، أحمد محمد أحمد، مندوب الأمن في اتحاد الإذاعة والتليفزيون إنه شاهد على الكاميرات في الوقت ذاته فض قوات الأمن تظاهرات ميدان التحرير.
وعزز هذه الشهادات ما جاء في أقوال محمد عبد الحكيم علي محمود الكومي، سكرتير مكتب وزير الإعلام، أن وزير الإعلام، أنس الفقي، كان يخطر المتهم، حسني مبارك، رئيس الجمهورية آنذاك، تفصيلات ما يدور في ميدان التحرير على مدار اليوم، من خلال الخط الساخن في مكتبه والمتصل برئاسة الجمهورية.
ومن المفاجآت التي جاءت في التقرير ما أكده حسن عبد الرحمن، رئيس جهاز أمن الدولة السابق، بأن جهاز أمن الدولة لم يرصد تسلل أي من عناصر حماس أو حزب الله داخل ميدان التحرير أو دخولهم إلى البلاد يوم 28 يناير/كانون الثاني 2011، وهو ما ينفي كل الادعاءات الإعلامية والرسمية، التي تشير إلى ذلك، وخاصة بعد انقلاب 3 يوليو/تموز ضد الرئيس، محمد مرسي.
وأضاف مدير جهاز أمن الدولة في شهادته، أنه عرض تقريراً على وزير الداخلية تضمن تحليلاً للأحداث، التي حدثت في تونس وتأثيرها على الشارع المصري، وأنه طالب بوضع حلول اقتصادية وسياسية واجتماعية للأسباب، التي دعت إلى التظاهر الى تجنيب البلاد ما وصفه بالفوضى، وأكد أن أوامر إطلاق النار في التظاهرات تأتي من وزير الداخلية مباشرة، الذي يقوم بدوره في الحصول على موافقة رئيس الجمهورية لتنفيذ ذلك.
من جهته سعى الدكتور، أحمد نظيف، رئيس الوزراء آنذاك، في التحقيقات إلى التنصل من أية مسؤولية، حيث أكد أنه لم يعد مسؤولاً منذ انطلاق الأحداث في 25 يناير/كانون الثاني 2011، حيث كانت المتابعة بين وزير الداخلية ورئيس الجمهورية مباشرة.
وكشفت النيابة العامة، أنها طالعت كتاب العلاقات العامة والإعلام في وزارة الداخلية وثبت إليها أنه لم يصب أو يقتل أي من المنتمين إلى الداخلية في الفترة من 25 يناير/كانون الثاني، وحتى 31 يناير/كانون الثاني 2011، مما يؤكد سلمية ثورة يناير/كانون الثاني، وأن الشرطة هي من استخدمت السلاح ضد المتظاهرين، مما أدى إلى سقوط المئات من القتلى والمصابين في أحداث الثورة فقط.
كما أكدت النيابة، أن أول بلاغ وصل إلى وزارة الداخلية عن محاولة الاعتداء على أقسام الشرطة كان الساعة الرابعة عصراً، وكان على قسم شرطة البساتين، بينما بدأ إطلاق النار منذ الساعة الثانية ظهراً، مما يؤكد عدم وجود علاقة بين إطلاق النار، وبين سرقة أسلحة من الأقسام، حيث لم تكن هناك حالات سرقة قد تمت أصلاً.
وخلصت تحقيقات النيابة العامة إلى إدانة وزارة الداخلية على نيتها المبيتة في قمع التظاهرات السلمية، وأنها عتمت على ما وقع من جرائم تجاه المتظاهرين، وتلاعبت في دفاتر الأسلحة والذخيرة، لإخفاء الدليل على استخدام قوات الشرطة السلاح القاتل في مواجهة المتظاهرين وليس بهدف التأمين والدفاع.
كما حملت النيابة وزارة الداخلية مسؤولية الفراغ الأمني للاستعانة بغالبية قواتها واستهلاكها في مواجهة المتظاهرين لتفريقهم ومنعهم من التجمع والوصول للميادين، وأنها بالغت في حشد قواتها الأمنية لمنع المتظاهرين من الوصول الى ميادين الثورة وفي حماية مبنى وزارة الداخلية فقط، في حين تركت حماية المنشآت العامة والسفارات والخاصة والتجارية، ما أدى إلى التعدي على بعض أقسام الشرطة وسرقة بعض"المولات" والمحال التجارية لإهمال الشرطة دورها. كما أدان التقرير قطع الاتصالات التي أدت الى مزيد من انهيار الخدمات الأمنية في مختلف محافظات الجمهورية.
يذكر أن نيابة الثورة، التي أعدت التقرير، صدرت بقرار من الرئيس المنتخب، محمد مرسي، بموجب الإعلان الدستوري الثاني الصادر في 8 ديسمبر/كانون الأول 2012، وكان تقريرها عن أحداث 25 يناير/كانون الثاني هو باكورة أعمالها قبل أن تتوقف تماماً عن التحقيق في أحداث الثورة بمجرد تسلم الجيش السلطة بعد الانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز من العام الماضي.