نصب تذكاري فرنسي للمحاربين المغاربة لا يسدّد الدّين

23 فبراير 2016
+ الخط -

تجد فرنسا الرسمية صعوبة كبيرة و"جيوب مُقاوَمة كثيرة" في التصالح مع تاريخها، على الأقل، العربي منه. إذ فيما يخص العلاقات مع اليهود، يبدو أن كل شيء قد وجد نهاية سعيدة، بعدما اعترف الرئيس شيراك بمسؤولية الدولة الفرنسية عن مآسي اليهود أثناء الاحتلال الألماني لفرنسا. ولكن المشكل يظلّ هو العرب، وخاصة المغرب العربي، وبدرجة أقل أفريقيا السوداء.
فهل يعقل أن تنتظر فرنسا عقودا طويلة قبل أن تعترف بإسهامات العرب والمسلمين الحاسمة في الدفاع عن فرنسا أثناء الحربين الكونيتين، وفي أن تعوضهم، ماليا، كما تعوّض محاربيها السابقين من الفرنسيين، لكن بعد أن قَضَى معظَمُهُم؟!
ومع كل حكومة فرنسية جديدة، يمينية أو يسارية، تعود الأمور إلى نقطة الصفر، أو أقرب. أي إلى الزمن الغابر، بكل حمولاته العنصرية والأورو-مركزية. فبعد وزارة "الهوية الوطنية"، التي فرضها الرئيس نيكولا ساركوزي، صاحب "خطاب دكار" الشهير، والذي أعلن فيه أن "الرجل الأسود لم يدخل التاريخ بعدُ"، والذي صوّت في ولايته الرئاسية، نُوّابٌ برلمانيون من أغلبيته اليمينية على قانون يمتدح "الجوانب الإيجابية" للاستعمار الفرنسي، حمل الاشتراكيون مشروع "تجريد حاملي الجنسية المزدوجة، من الذين وُلِدوا في فرنسا ولا يعرفون بلداً سواه، من الجنسية الفرنسية في حالة ضلوعهم في نشاط إرهابي". وبدل أن يُطبّقوا وعودهم الانتخابية التي بدأها فرنسوا ميتران وأكدّها ليونيل جوسبان وشدّد عليها فرانسوا هولاند، والقاضية بمنح الأجانب حق التصويت في الانتخابات المحلية، تخلوا عنها، لأن "الوقت ليس وقتها ولأن الفرنسيين، في غالبيتهم، لا يريدونها"، كما حسم رئيس الحكومة، مانويل فالس، الأمر.
لا يزال الشعب الجزائري، الذي تعرّض لأبشع حرب كولونيالية، في التاريخ الحديث، ينتظر اعترافا فرنسيا رسميا بالمآسي والجرائم والإبادات التي اقترفها الاحتلال الفرنسي، لكنّ الرئيس فرانسوا هولاند، وله صداقات كثيرة في الجزائر، لا يزال مترددا في فعل ذلك. والجميع يعرف أن هذا الاعتراف والذي يستوجب تعويضات (كان الإيطالي بيرلوسكوني قد فتح بابها الطويل والمُعقَّد مع نظام القذافي البائد)، سيفتح الطريق لاتفاق شراكة استراتيجية بين البلدين.
من حين لآخر، يفتح هذا المسؤول الفرنسي أو ذاك كوّة في جدار "المسكوت عنه" بين فرنسا ومستعمراتها، ولعلّ آخرها تدشين نصب تذكاري في ساحة دنيس كوشان في باريس، بحضور شكيب بنموسى، السفير المغربي في باريس وآن هيدالغو، رئيسة بلدية باريس، "تمجيدا للفرق المختلطة المغاربة المحدثة بمبادرة من المارشال ليوطي"، ونقرأ في النصب "إلى رجال الكوم والمعاونين والمقدمين وإلى رؤسائهم الذين سقطوا في ساحة الشرف"، وإلى"الذين سجلوا ملحمة خالدة تشرف علمهم وألويتهم، بتضحياتهم في ساحات الشرف، يذكر منها تألقهم في المغرب وحماستهم واندفاعهم من أجل استرجاع التراب الفرنسي بتحفيز من رؤساء مرموقين"، ولم يتمّ إغفال تسجيل شعار هذه الفرق المختلطة وهو "زيدوا لكدّام: إلى الأمام، هذا هو شعارهم".
وتطلّب الأمر انتظار يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول 2015، من أجل تذكّر إسهامات هؤلاء الكُوم Goums (الطويلة ما بين 1908 و1956)، والذين أصبح الحديث عنهم، اليوم، يشبه الأسطورة، هؤلاء "المحاربين في جلابيبهم المصنوعة من صوف"، الذين قضى معظمهم، من دون أدنى شك، وأيضا من أجل استحضار "واجب الذاكرة تجاههم"، والذين يقول عنهم الكولونيل الفرنسي هنري ألبي "إنهم شاركوا بحماسة وبروح التضحية في نزاعات عالمية، وأبانوا عن استشراس وحمية في "تطهير" (أي سحق كل مقاومة ضد الاستعمار الفرنسي) المغرب".
محمد زروليت، رئيس فدرالية الجمعيات المغربية في فرنسا، امتدح هذه الالتفاتة، حتى وإن كانت متأخرة. ورأى فيها بادرة لفتح كل ملفات الماضي، ولكتابة تاريخ مشترك بين فرنسا ومستعمراتها، "يتطلب، بالضرورة، استعانة بكل الأرشيفات التي علاها الغبار".
ومن جهة أخرى، لم تَغب ملامح "الأبوية" في تصرّفات المسؤولين الفرنسيين السابقين والحاليين، عن الباحث الفرنسي، إليامين ستّول، الذي يعمل في وزارة الدفاع الفرنسية، وصاحب أطروحة دكتوراه رائدة عن "المسلمين في الجيش الفرنسي"، يقول لـ "العربي الجديد": "تمّ اختيار وضع هذا النصب التذكاري بالقرب من نصب الماريشال ليوطي"، و"كأنّ ليوطي، المقيم العام الفرنسي، الذي حاول كثير من المستشرقين، من فرنسيين وعَرَب تقديمه للجمهور، باعتباره متسامحا وعاشقا للثقافة الإسلامية، إلى درجة تصويره وهو يتناول الشاي المغربي ويرتدي الأزياء المغربية، لا يزال يحرس هؤلاء بعنايته ويُحمّلهم، من حين لآخر، أوامرَهُ".
المساهمون