متحدّية الطقس المتقلّب صيفاً وشتاء، وسنواتها التي تناهز السبعين، تجلس مريم الفطناسي على الأرض في ورشتها الصغيرة وسط غابة أشجار الكينا في إحدى قرى محافظة القيروان التونسية. تبدأ عملها في الصباح وحتى غروب الشمس، وتأخذ معها رغيفاً وزيت الزيتون وإبريق شاي.
تقع ورشة مريم في قرية المتبسطة بالقيروان وسط تونس، على جانب الطريق الرابط بين العاصمة والجنوب، بين الأشجار الباسقة، وتعمل في صقل وبيع قصب "الشنشان" الذي يزدهر نباته وسط المستنقعات المحيطة في المنطقة. وعادة ما يستخدم قصب "الشنشان" لإنتاج زيت الأوتونيل الحيوي المولد للطاقة، لكن يقتصر استعماله في تونس على الأعمال الزراعية والحرفية.
تمرر مريم سكينها الحاد على سطح القصب الجاف، لتنزع القش والبراعم وتحوله إلى قصبة مصقولة صالحة للاستخدام.
بدت وكأنها في صراع مع الزمن، تسحب كومة القصب التي تحاصرها في جلستها وتمرّر الواحدة تلو الأخرى غير مبالية بالعدد، فثمن صقل الواحدة لا يكاد يذكر. وتحرص على صقل حزمة بـ 100 قصبة لتحصل على دينار (0.35 دولار) علماً أن هذا يستغرق أكثر من ساعتين. "أعمل هنا منذ 17 عاماً".
في مثل هذه الورشات المفتوحة على الكثير من المخاطر وتقلبات المناخ والمتاعب، تعمل عشرات النساء وبعض الرجال. تقول مريم: "تعمل معي ما بين 4 و8 نساء، إلى جانب عدد من الرجال في مقابل أجر يومي لا يتجاوز 10 دنانير (3.5 دولارات) في اليوم. رقم لا يوازي حجم التعب والوقت المخصص على حساب أبنائنا".
(الأناضول)