يشكّل سباق الانتخابات التشريعية وانتخابات مجلس خبراء القيادة الجزء الأكبر من حديث الساعة في الداخل الإيراني، فالمرشحون يستعدون لخوضها في 26 فبراير/ شباط الجاري. يُذكر أن المرأة الإيرانية لا تغيب عن هذا الحديث، على الرغم من الصعوبات التي تواجه ترشحها.
وفي حين أُقرّت أهلية بعض النساء اللواتي كنّ قد تسجّلن لخوض السباق البرلماني، إلا أن المتقدمات لانتخابات الخبراء استُبعدن من قبل لجنة صيانة الدستور، التي تدرس عادة طلبات المرشحين ومدى استيفائهم الشروط، على الرغم من السماح للنساء - للمرة الأولى في تاريخ الجمهورية الإسلامية - بالتسجيل للمشاركة في هذه الانتخابات. يُذكر أن مجلس خبراء القيادة يتألف من علماء الدين المشرفين على عمل المرشد الأعلى في الجمهورية الإسلامية، ويحق لهؤلاء تقييم عمله وعزله وتعيين خلف له في حال الوفاة أو فقدان الأهلية.
يُشترط على خبراء القيادة أن يكونوا علماء دين، من دون أي سجل اجتماعي أو سياسي أو ديني سلبي، كذلك يتوجب على الأعضاء أن يكونوا حاصلين على درجة الاجتهاد، أي أن يكونوا قادرين على استنباط أحكام شرعية. والمجتهد إما يكون حائزاً هذه الدرجة بعد دراسته في الحوزات العلمية الدينية، وبعد تقديمه رسالة تمنحه هذه الدرجة، أو يحصل على هذا اللقب بتأييد من قبل عدد من رجال الدين الحاصلين على درجة "آية الله". على هذا الأساس، تحدد شروط خبراء القيادة، وهي ذاتها التي تثير الجدل حول ترشح النساء ومنحهن الأهلية لخوض السباق الانتخابي.
16 امرأة
وكان 801 إيراني قد سجّلوا أسماءهم في الداخلية الإيرانية رغبة منهم في الترشّح لهذا الاستحقاق الانتخابي، ومن بين هؤلاء 16 امرأة. وتسجيل هؤلاء النساء أسماءهن، يُعدّ محطة جديدة في تاريخ مشاركة المرأة الإيرانية في العمل السياسي منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية إبان انتصار الثورة على حكم الشاه في عام 1979. يُذكر أن إعلان لجنة صيانة الدستور عن السماح للنساء بالمشاركة، هو بحدّ ذاته تقدم بالنسبة إلى عديدات.
وقد دعت لجنة صيانة الدستور ثماني نساء ممن سجلن أسماءهن، إلى التقدم للامتحان بهدف التأكد من خبرتهن العلمية والدينية. وهو الامتحان، الذي دعي إليه نحو 530 شخصاً لم يخوضوا سباق انتخابات الخبراء من قبل، ولم يكونوا أعضاء في المجلس إطلاقاً. لكن بعدما أصدرت لجنة صيانة الدستور النتائج الأولية قبل تقديم طعون المعترضين، مُنح 166 شخصاً أهلية خوض السباق الانتخابي، جميعهم من الذكور.
عصمت سوادي (مواليد 1962) من اللواتي سجّلن أسماءهن لتلك الانتخابات. وهي كانت قد تخصصت في الحوزة العلمية، وحضرت دروساً لدى المرشد الأعلى، علي خامنئي، وتترأس اليوم شؤون النساء في المكاتب الطلابية التابعة لقوات التعبئة المعروفة باسم البسيج في الجامعات الإيرانية. كذلك تترأس مركز تحقيقات المرأة، وقد أجرت دراسات عدة حول المرأة والدين والشريعة والحقوق، وشاركت في عدد من المؤتمرات المحلية والدولية. إلى ذلك، تدرّس مادة "الفقه والأصول" في عدد من الجامعات الإيرانية.
تقول سوادي، لـ "العربي الجديد"، إنها تقدمت لانتخابات الخبراء وهي ليست تابعة لحزب أو تيار سياسي، بل تعدّ مشاركتها في العملية السياسية "وظيفة شرعية ودينية". وعند سؤالها عن السبب على الرغم من أنه لم يكن السماح للنساء بالمشاركة معلناً حينها، تجيب أن "الأمر وظيفة وواجب، ومن هذا الباب قررت خوض التجربة". ولا تنظر سوادي إلى هذه القضية من ناحية اختلاف الجنس، "فالمرأة كما الرجل تستطيع أن تكون جزءاً من هذا المجلس وأن تنفذ ما وصفته مراراً بالوظيفة الشرعية التي تحق للجميع".
من جهتها، تقدّمت سمية طهماسبي، إلى امتحان الخبراء الخطي، وعند خروجها من الامتحان قالت للصحافيين: "من يرى أن المشاركة في هذا المجلس ليست حقاً للنساء، عليهم أن يتذكروا أقوال مؤسس الجمهورية الإسلامية، الخميني، الذي أشار إلى ضرورة مشاركة النساء في أركان العملية السياسية في إيران".
البعض أقرّ بإيجابية الخطوة، ولو بشكل مبدئي، إلا أن عدم منح الأهلية لأي من النساء يعود إلى أسباب عديدة، منها ما يتعلق بتفسير الدستور الإيراني نفسه. وقد اختلفت الآراء القانونية والآراء الفقهية وتلك الاجتماعية حول هذه القضية، في الداخل.
إلى ذلك، يرى البعض أن هذا المجلس الذي يشرف على عمل المرشد يتشكل من رجال دين، ولا مكان للنساء فيه. أما من يؤيد وجود النساء، فيرى أن الدستور لم يحدد في صيغته أن يكون الخبراء من الرجال دون النساء.
وكان عضو الهيئة الرئاسية في مجلس الخبراء الفعلي، قربانعلي دري نجف أبادي، قد صرّح بأن حضور النساء في المجلس مقبول إذا ما حقّقن الشروط المفروضة على كل المرشحين. أما حسن ممدوحي وهو أحد أعضاء المجلس الفعليين، فقال لموقع "نامة نيوز" إن مشاركة المرأة في هذا المجلس أمر ممنوع قانونياً، إذ على الخبراء أن يكونوا مجتهدين. وسأل عن امرأة واحدة في إيران وصلت إلى درجة الاجتهاد، مشدداً على أن من يتحدث عن قبوله مشاركة النساء كأعضاء في مجلس خبراء القيادة، إنما هو يتحدث عن رأي شخصي وليس عن الدستور. من جهته، قال عضو المجلس، هاشمي زاده هريسي، للموقع ذاته، إن لا مانعاً من مشاركة النساء في القانون، وإن رفض ترشّحهن وجهة نظر لا علاقة لها بنص الدستور. وقد رأى في حضورهن في مجلس من هذا النوع، أمراً إيجابياً.
لم يشهد مجلس خبراء القيادة جلوس أية امرأة على أي من كراسيه منذ تشكيله في ثمانينيات القرن الماضي. لكن امرأة واحدة، هي منيرة غرجي، استطاعت أن تكون عضواً في مجلس خبراء الدستور، وليس القيادة. وهي كانت قبل سنوات، من فقهاء لجنة صيانة الدستور التي تتكون من 12 عضواً، ستة منهم حقوقيون وستة من الفقهاء وعلماء الدين. وقد لاقى الأمر اعتراضات عديدة من قبل خبراء القيادة أنفسهم، إلا أن غرجي أصرت على موقفها قائلة إن من يقف ضد مشاركتها ويتضايق من وجودها فعليه المغادرة. وذلك، رداً منها على من هدد بمغادرته واستقالته من المجلس حينها.
اقرأ أيضاً: فتيات "نينجا" في إيران